18 ديسمبر، 2024 6:28 م

حديثٌ منَ المقبرة .!!

حديثٌ منَ المقبرة .!!

مع ضرورة الأخذ بنظر الإعتبار لمقولة ” تعدّدت الأسباب والموت واحد ” , ونظراً لعدم وجود احصائية دقيقة وموثّقة عن عدد الوفيات في العالم , مع مراعاة النسبة المئوية للموتى قياساً لعدد السكّان في كلّ دولة , إلاّ انّه ينبغي ملاحظة انّ العراق هو الدولة الأكثر في العالم , التي توفّرت فيها اسباب الموت جاهزةً اكثر من سواها من الدول , حيث حرب ال 8 سنوات مع الجانب الأيراني قد كبّدت العراق اعداداً غير قليلة من الشهداء , والأمر موصولٌ ايضاً الى حرب عام 1991 حين هاجمت 33 دولة للجيش العراقي ودمّرت ما دمّرت من البنى التحتية مع استخدام اليورانيوم المنضّب لأول مرة في الحروب , حيث جرّاءها غادرت ارواحٌ غالية وعزيزة الى الفردوس الأعلى , واعقبتها حرب احتلال العراق في عام 2003 التي قتلَ فيها الأمريكان والأنكليز اعداداً كبيرة من المواطنين المدنيين والعسكريين في كلّ المحافظات والمدن العراقية , ومع ديمومة مرور ومكوث ماكنة الموت في العراق , حيث شهدت البلاد حقبة تفجيرات المفخخات والعبوات الناسفة وسط المناطق الشعبية المزدحمة على ايدي القاعدة وداعش وجهات اخرى , مع ما رافق ذلك من تصفيات واغتيالات ضمن ثقافة العنف التي اعقبت الأحتلال , فمن خلال ذلك على الأقل ! يمكن ملاحظة نسبة الموت العالية لدى العراقيين , وهذا ما تسببّ بدَوره في اكتظاظ المقابر ونسبة الإزدحام فيها , ودونما مراعاةٍ من الحكومات المتعاقبة لإنشاء وافتتاح مقابر جديدة , ويترتّب على ذلك ايضاً الأرتفاع الباهض لدفن الموتى وحفر القبور والجوانب الأخرى ذات العلاقة , في عملية استغلالٍ فاضحة ” حيث يبلغ ثمن عملية الدفن في مقابر العاصمة الى معدل نصف مليون دينار ” , وهذا ما يدفع للتساؤل والإستغراب الحادّين ” ضمن حالة البطالة السائدة ” عن عدم قيام اي حكومة بتعيين عدد من العمال ” ولو بشكلٍ مؤقت ” لتهيئة وحفر القبور مسبقاً ” حيث ايّ جنازةٍ تصل المقبرة فيكون الإكتفاء بتنزيلها الى القبر وردمها بالتراب كأجراء اساسي اوّلي او تمهيدي , وبأجورٍ ورسومٍ اقلّ بكثير.!

وللتمعّن اكثر واعمق لحالة اكتظاظ المقابر , فربما يتطلّب الأمر كسر التقاليد المتوارثة والقيام بدفن الموتى بشكلٍ عموديٍ بدلاً من الأفقي بغية توفيرٍ قدرٍ اوسع في هذه المساحات الضيّقة .!

ثُمَّ , خارج نطاق هذا السياق او نحوه , فقد تُثار دهشة القارئ العربي اذا ما عَلِم بوجود مجموعة مخصصة من رجال الشرطة في كلّ مقبرة , ويستمرّ حضورهم الرسمي على مدار الساعة ومراقبة ايّ زوّار لقراءة سورة الفاتحة على موتاهم , ولابدّ من صعوبة ايجاد تفسيرٍ لذلك بالنسبة لغير العراقيين او في الأقطار العربية , لكن واقع الأمر يعود الى بداية احتلال الأمريكان لبغداد وما بعدها لسنوات , حيث كانت مجموعات من المقاومة العراقية تطلق صواريخها وقذائفها على الأهداف الأمريكية من داخل هذه المقابر وتنسحب بعدها دون اكتشافها , ويقال انّ بعض المجاميع المسلحة كانت تقصف اهدافاً ما من داخل هذه المقابر ايضاً , وكأنّ المقبرة غدت كثكنة عسكرية او منصّة اطلاق صواريخ , وربما تسبّب ذلك بحالة ازعاجٍ للموتى في ساعات الليل المتأخّرة .!

نشير في السطر الأخير الى انّ النسبة المرتفعة للسادة الموتى ” رضوان الله عليهم ” هي خارج احصائيات وفيات امراض كوفيد 19 وافلونزا الطيور والأوميكرون الجديد , وما سبق ذلك من اوبئة جنون البقر وافلونزا الخنازير الضئيلة والنادرة التأثير في العراق .