كانَ من المفترض أن يكون عنوان هذا الموضوع : < الهولوكوست العراقية > , إنما آثرنا التعرّض له في نهاية المقال , بغية إحاطة الموضوع من زواياً عدّة ..لا يتمحور الحديثُ هنا عن الإعدام بالكرسي الكهربائي المعروف عالمياً منذ سنين طوال , بل الأمرُ اوسعُ سعة من ذلك والى ابعد الحدود , فنحنُ قومٌ نحبّ ونعشق أن تغدو اية عملية ” إعدام ” بأقسى واقصى درجات الهمجية , وخصوصاً اذا ما ارتبط ذلك في مجالات السياسة وانتقام السلطات من خصومها .!لمْ نسمع يوماً , بل لا تخالج افكار و رؤى الأجهزة القضائية والتشريعية والتنفيذية , وغيرها ايضا من الدوائر الصحية , ولا من النُخب الثقافية والإعلامية ولا حتى من المنظمات الأنسانية الوطنية وغير الوطنية , بأستبدال عقوبة < شنقاً حتى الموت > بعقوبة < الموت الرحيم > سواءً بحقن المحكوم ” بالإبرة الشديدة السُمّية ” السريعة المفعول , او بالكرسي الكهربائي بالفولتية العالية , بغية عدم تعذيب المحكوم بالإعدام حتى في لحظاتِ موته او اعدامه .! , لماذا الحكّام والحكومات والأنظمة المتعاقبة ومعهم القضاء , جميعهم مغرمين ومتشبّثين بالمشنقة .!! وماذا سيؤثّر عليهم لو نفّذوا الإعدامات بطريقةٍ متحضّرة وفيها مسحة من الإنسانية .! , لايمكن تحليل ذلك بأقل من التنفيس عن غرائزٍ AGGRESSIVE – ذي نزعةٍ عداونية , وهي لا تقتصرُ على الأنظمة السياسية فحسب , بل تمتدّ وتنتشر الى قطاعات وفئات كثيرة من الجماهير بمن فيهم المتعلمين ولا اقول كلّ المثقفين , وهذا الأمر يجرّنا جرّاً ويُذكّرنا ببدءِ وافتتاح العهدِ الجمهوري في العراق في عام 1958 بأعدام العائلة المالكة في صبيحة الرابع عشر من تموز من ذلك العام , وثمّ ما قامت به فئة من العوام من الجمهور بأشنع من شنيعٍ وافظعُ من فظيعٍ ” بالوصي على العرش عبد الأله ” ليس بما يندّى له الجبين فحسب بل بما يشكلّ اقصى درجات العار في الإنسانية اللاموجودة , كما لا يمكن محو الصور الذهنية ” لما عايشتها الأجيال السابقة ” حين جرى إخراج جثّة اشهر رئيس وزراءٍ عراقي في العهد الملكي من القبر ” بعد انتحاره ” وحرقها بالكامل وسحلها في شوارع العاصمة , دونما اكتراثٍ من الرئيسين الجمهوريين ” عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف ” ..< رفعُ الغطاءِ عن غريزة العنفِ المكبوته > : – بشكلٍ او بآخرٍ , بدا أنّ العهدَ الجمهوري كانَ مناسبةً او سبباً غير مباشر لإندلاع ” ثقافة العنف ” والتي هي التعبير المخفف ” بالماء والثلج ! ” عن ثقافة التعذيب الجسدي قبل القتل , وبما يفوق ما جرى في محاكم التفتيش في اسبانيا في القرنين 15 و16 , ودونما استرسالٍ في التفاصيل الموثّقة لما قامت به اول ميليشيا ” في تأريخ العراق ” والتي سُميّت بِ ” المقاومة الشعبية ” التابعة للحزب الشيوعي من ممارساتٍ مخجلة حتى في مفاهيم العنف , ولا سيما في مجازر الموصل وكركوك آنذاك بحق القوميين والبعثيين ومن يخالفهم الرأي , ثمّ ردّ الفعل المقابل لميليشيا ” الحرس القومي ” في عام 1963 , فأذا جّمَعنا ذلك مع الأحداث الدموية < السياسية والجنائية > الجارية منذ الإحتلال في 2003 ولغاية كتابة هذه السطور ولما قد يغدو أشدّ واخطرفي الأفق المنظور , فأنها ” الهولوكوست العراقية – العراقية ” , وهي الأصعب من شقيقتها النازية في مواصفاتٍ عدة : -1 : انها استمرت وما برحت لسنواتٍ تفوق الفترة الألمانية2 : انها تمثّل بعض الجموع الجماهيرية ولا تقتصر على السلطة النازية .3 : إنَّ الهولوكوست العراقية تتداخلُ فيها العناصرالسوسيولجيا والسيكولوجيا مع عواملٍ تتعلق بالتأريخ والتطرف الديني وافتقاد الوعي , وتضافُ لها عوامل اخرى كالعامل الاقتصادي ومستوى الدخل ..الخ والى ذلك , فأنَّ هذه الهولوكست تحدث بين ابناء الوطن الواحد , وذات الدين .! , ولعلّ الأغرب انها تحظى بصمتٍ اقليميٍ ودولي .! وقد لا يكون ذلك غريباً ايضا , فالمسألةُ داخلية , عراقيةٌ – عراقية , ولا يوجد فيها يهود .!