في قيلولةِ اليقظةِ الأقصرُ قُصراً من ” الميني جوب ” والتي الجأ اليها عند أخذِ ايّ BREAK بعد جهد او ” جهاد ” الكتابة , وإذ اتفحّص في هذه ” القيلولة ” منوّعات الأخبار العامة في العالم , فقد لفتَ نظري وبزاويتين ” حادّة و منفرجة ! ” في آنٍ واحد , أنَّ باخرةً او سفينةً عملاقة < هويةُ احوالها المدنية صادرة من النرويج > ! , حيث تقوم هذه السفينة بعدّة رحلاتٍ بحرية على مدى الأسبوع الواحد < وهي رحلاتٌ غير سياحية > , بين النرويج وبريطانيا وتحديدا الى مدينة ” مانشستر ” , أمّا المهمّة الملقاة على عاتقِ هذه الباخرة , فهي نقل النفايات الأنكليزية من هناك الى العاصمة النرويجية ” اوسلو ” مقابل مبالغ طائلة يدفعوها الأنكليز لهم .
الجهد هذا الذي يمخر عباب البحر ” ذهاباً واياباْ ” ليس بسببِ الحصول على المال , ولا لوجه الله تعالى , إنّما تقوم الحكومة النرويجية في إدخال هذه النفايات الى مصانعٍ خاصة , والتي بدورها تحوّلها الى طاقةٍ كهربائية مخصصة لتسخين المياه عبر شبكة واسعة من الأنابيب تصل حتى الى الطوابق العليا من البنايات والعمارات الشاهقة الأرتفاع .
ولمْ نسمع او لمْ يذاع أنّ مسؤولا او قياديا من الأحزاب او رجل دينٍ هناك قد اعترض على استيراد تلكُنَّ النفايات بحجة انها تمسّ الكرامة والسيادة النرويجية , او انها قد تتعارض او تتقاطع مع فقه ايّ من المذاهب النرويجية .!
حديثُ النفاياتِ هذا و دونما شذىً وبدونِ عبيرٍ او اريج , قد ذكّرني ” ويا ليته لمْ يُذكّرني ! ” أنه بعد اكتمال غزو العراق في عام 2003 , وحيثُ بذلت امريكا ” بوش الأب والأبن ” قصارى جهدها لإعطاء احتلالها بُعداً أمميّاً , فتوسّلتْ بحكومة اليابان لترسل بعض وحداتها العسكرية المتواضعة الى العراق < بعد انتهاء العمليات الحربية > , واشترط اليابانيون مقابل ذلك أن يمنحهم الأمريكان ” مجّاناً ” كلّ ما موجود من حديدٍ و ” سكراب ” للمصانع والأسلحة والدبابات العراقية المتبقية والمدمرة ” وماذا تخسر امريكا في ذلك .! ” , وبعدَ التي واللُتيّا , وبعد ترتيباتٍ وتنسيقاتٍ مدروسة , تقرّرَ تخصيص محافظة ذي قار او الناصرية لتغدو تحت السيطرة والسيادة العسكرية اليابانية .! !
اليابانُ التي تُعتبر من اكثر دول العالم نظافةً ونقاءً و بهاءً , فوجئت قيادتها العسكرية < والتي كان يتملّكها هاجس الخوف من مقاومةٍ مسلّحة كما في مدن العراق الأخرى > , أنَّ شوارع واحياء وازقّة الناصرية ملآى وتعجُّ بأكوامٍ وتلالٍ غير هندسيةٍ ! من ” الأزبال ” والنفايات التي تراكمت وتكدّست جرّاء الحرب وانقطاع خدمات الدولة .. اليابانيون هناك استخدموا عقلهم البشري – الكومبيوتري , مستثمرين الحصار القاتل على العراقيين وانعكاساته المادية , فأعلنوا عبر دورياتهم وعبر مكبرات الصوت أنَّ كُلَّ مَن يجمع و يجلبُ كيساً من النفايات فسيجري منحهُ دولارٌ واحد فقط .!
مؤلمٌ ومحزنٌ حديثُ النفايات ذلك في ” الناصرية ” , وقد اضطرّ العديد من الأشخاص لفعل ذلك مرغمين بغية سدّ الرمق الذي فرض الأمريكان والأنكليز ذلك الحصار على الشعب وليس على النظام , وهم يدركون ذلك .!
وفي جغرافيا – النفايات على صعيدٍ إقليميٍّ مؤسف , ففي شهري آب و ايلول المنصرمين , شاءت الأقدار الصحفية أنْ اُسافر الى العاصمة اللبنانية ” بيروت ” لثلاثُ مرّاتٍ في إبّان اشتعال واندلاع ازمة النفايات اللبنانية التي كان الهدف < المالي – السياسي > هو تركها في امكنتها وعدم رفعها تحت مسوّغاتٍ فنيّةٍ وتقنيّة تجرُّ مناقشتها الى ولوجِ بوابة السفسطة من اوسعِ بواباتها .! , إنّما الأمانةُ الصحفية تقتضي الإعتراف < وِفقَ ما شاهدتهُ بالعينِ المجرّدة > انّ اكوام النفايات المتكدسة هنالك كانت اكثر ترتيبا وتنظيما من مثيلاتها القومية ! في بغداد من اكوامٍ واكداسٍ وبعضها من دونِ اكياس , بالرغم من انّ بقاءها في الهواء الطلق اقصر كثيرا مما هو في بيروت .
إنَّ اكثرَ و أشدّ ما يستفزّني ويحزنني ليست الجوانب الصحيّة والأجتماعية ” لأهرامات ” القُمامة المتراكمة , لكنّما ما يُؤزّمني هو إظهار الصورة ” او اللوحة ” العربية أمامَ انظار الرأي العام العالمي حينما يغدو حديثُ ” الساعةِ عربياً ” هو المزابل والأزبال اللواتي افرزتها مزبلةُ السياسة العربية أمامَ انظار الرأي العام العالمي ..!