” القرآن عربي وأنزل بلسان عربي مبين ومن أجل فهم إعجازه البلاغي لابد من التعمق في فهم المنهج الوصفي الوظيفي مع تأكيد الوظيفة الابلاغية للغة عن طريق ربط البلاغة بالنحو على غرار ما فعله الجرجاني والزمخشري والسكاكي”1[1]
تضمنت مداخلة محمد شحرور ضمن أنشطة منتدى الجاحظ التنويرية الكثير من الأفكار الحضارية المهمة التي تناولت بالتحليل والدرس مواضيع الحقوق ضمن الدولة والمجتمع وفق مقاربة معاصرة تحاول قراءة التراث الإسلامي من خلال منهجية تاريخية تقطع مع التخلف والانغلاق وتؤسس للتقدم والتمدن.
لقد شخص الدكتور الوضع الكارثي للدول العربية وحاول البحث عن أسباب انهيار المدن وسقوط الحضارة وتراجع التجارب التنموية ووجد في التاريخ الإسلامي بالعودة إلى التجربة النبوية نموذجا تفسيرا لذلك وأخذ الأسباب التي دفعت إلى هجرة الرسول من مكة إلى يثرب لكي يبين أن ضرورة الانتقال من المجتمع الأحادي إلى المجتمع التعددي ومن الوضع القروي إلى الوضع المديني هي التي أوجدت حلا للأزمة التي بقي المسلمون يعانون منها وأن التجربة السياسية الراهنة تحتاج إلى اعتماد منوال اجتهادي يقطع مع الأحادية والبداوة لكي يسهل له الانتقال إلى التمدن والتحضر والتعدد ويؤسس المدينة بدل أم القرى ويسمح لهم بتفسير النص بالمعرفة العملية وعبر الأدوات الفيلولوجية الضرورية والتحليل العقلاني.
كما تناول قضايا إلغاء الرق والعبودية والحرية في الحضارة الإسلامية وتحريم الفواحش والغش وتحديد الملكية وإلزام الناس بكتابة العقود والمواثيق في مستوى العمل وتدبير المنزل والزواج وأوضح بصورة مبسطة قضية الميراث والمساواة بين الذكر والأنثى في الإرث والمسؤولية وأكد على أهمية العدل.
من ناحية أخرى تناول موضوع المرأة في الإسلام ومنزلتها الفقهية ونقد بشدة الرؤية الفقهية التقليدية وأزمة الدولة العربية الدينية وقدم نموذجا فقهيا جديدا حول المهر والنكاح والطلاق والعقوبة في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة والحق في العمل والمشاركة والتمثيل واللباس والسلوك الاجتماعي.
بعد ذلك عرّج على مسألة مكونات الدين وميز بين الكتاب والقرآن والذكر والفرقان والسبع المثاني وكلمات الله وأم الكتاب وبين التفصيل والتنزيل والإعجاز البياني وعرج على الأعمار والأرزاق والأعمال ونصح بالوصية في التوريث وبفصل الدين عن الدولة في التشريع القانون وحاول إخضاع مفاهيم الشهوة الإنسانية لقواعد جالية وجعل الحدود في التملك والتكسب أسس النظام الاقتصادي.
يمكن مناقشة الاجتهادات التي اقترحها شحرورة بالإشارة إلى النقاط التالية:
– الثقة الكبيرة في المنهج الفيلولوجي وتطبيقه بطريقة مطلقة على النصوص هي مبالغة فيها ويجدر تنسيبها لأن هذا المنهج تمت مراجعته وتخطيه في دائرة العلوم اللغوية نفسها وهو منهج بسيط واقل علمية من القول الشعري والقول الخطابي الجدلي وظهرت مناهج لغوية أقوى منه وأكثر تفسيرية مثل التأويلية.
– لا يمكن اختزال الإسلام في الظاهرة القرآنية على أهميتها وتضمنها أبعاد اعجازية وإنما يوجد أيضا الحديث والسيرة والتجربة النبوية والتاريخ والتراث والتقاليد والفكر الإسلامي بأسرها يشيد بهذه العناصر.
-لا يجب النظر إلى الحديث والسيرة النبوية الصدق والخطأ كما تفعل المقاربة المنهاجية الوضعية بل اعتبارهما تجربة لغوية ثرية تظل تحتاج للدخول إلى حلقة تأويلية تتكون من التفسير والتأويل قصد تفهمهما على ضوء الوعي بتاريخية الوعي والتخلي عن البحث في السند إن كان قويا أو ضعيفا والاهتمام بالمتن ضمن بنيته الرمزية ووظيفته الايديولوجية وطاقاته اليوتوبية على الوعد والحلم والصفح والأمل.
– قيام القراءة الاختزالية والانتقائية للتراث بوظيفة سياسية براغماتية وخدمة مخطط معولم الغرض منه إفراغ الرأسمال الرمزي للأمة من مضمونه الثوري وتوجيه فضائه الدلالي نحو أفق تطبيعي مع الواقع.
– القراءة التي يقدمها للماضي تعد ضمن النظر العقلي الذي يحاول جاهدا بناء الواقع التاريخي من خلال عناصره التكوينية الأصلية دون تحيينها مع روح العصر وتحقيق المواءمة المطلوبة مع منطق الحاضر.
هذه المحاولة التجديدية تستحق المزيد من التحليل والتعمق والمراجعة والنقاش العلمي والتأسيس العقلاني.
فمتى يكون للتيار التنويري الغلبة الثقافية على الاتجاه النصوصي في الدائرة الحضارية التي تخصنا؟
المرجع:
1-محمد شحرور، الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، دار الأهالي، دمشق، سورية، الطبعة الرابعة، 1992. .ص819.
كاتب فلسفي
[1] محمد شحرور، الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، دار الأهالي، دمشق، سورية، الطبعة الرابعة، 1992.ص819