18 ديسمبر، 2024 6:14 م

حدود الدم ..ادعاءات للاستهلاك

حدود الدم ..ادعاءات للاستهلاك

من وجهة نظر سياسية او تحليلية يعتبر أغبى السياسيين والقادة وأكثرهم حماقة ذاك الذي يفكر ان يصنع دولته ويبنيها بحدود توسعية هو يقول عنها حدود اخذت وتوسعت بالدم .
فهذا القائد يهيئ لدولة لا تستقر ابدا فالدم المراق من اجل حدود ما يعني ان دما سيراق من اجل استعادة تلك الاراضي ..ولو كانت هناك دول ممكن ان تبنى بطريقة حدود الدم لكانت بريطانيا الان اكبر دول العالم مساحة او لاستقرت اسرائيل من منذ العام ١٩٣٦ و لاستمرت الإمبراطوريات الى الان تحكم العالم ..
القائد الذي يفكر هكذا سيسمح لدول اخرى بالتدخل بأرضه بطلب من هؤلاء المستلبة أراضيهم ..وظرف اليوم اكيد يختلف عن ظرفا قادما في الغد والمعادلات تتغير باستمرار ..فبناء الدول بهدوء وبموافقة الجيران هو الأصح لاستمرار الأمن ..والحد الذي اخذ بالدم سيكون خلفه دولة جارة تعرف ان حدودها اخذت بالقوة ..فلا يمكن ان تسكت ولو بعد مئة عام والامثلة كثيرة ..والخرائط تملأ المكتبات والأرشيفات باقية
قد يعتقد البعض ان عبارة (حدود الدم ) عبارة طارئة أو حديثة القول في زمن التشتت والتشرذم العربي وظهرت على افواه بعض القادة التي حاولوا استغلال الوضع لبناء دولهم او قل لتحقيق طموحاتهم في رسم حدود لدول لم تظهر بعد على الخرائط ولم ترسم حدودها ولم يعترف بها أحد الى الان ,, هذه العبارة صار العراقيين يسمعوها كثيرا على السنة السادة القادة الاكراد وهم يتبجحون بأنهم بدءوا برسم حدود لدولة كردستان العراق على اساس أن قوات البيش مركة التي هي قوات كردية تعمل على السيطرة لبعض الاراضي التي احتلتها داعش فتثبت حدود الاقليم اينما وصل بها التحرك الى أن تقف وبالتالي فأن الدعامات لدولة كردستان ستكون اين ما وقف الزحف الكردي في الاراضي العراقية في الشمال العراقي والشرق منه ..ظهرت هذه العبارة بكثرة قبل الان وتداولها الحكام الطموحين منذ مئاة السنين خاصة اولائك البانين لأمبراطوريات سابقة مثل الرومانية والفارسية والبريطانية وحتى العثمانية فكان هؤلاء الحكام يرددون ان الدول التي أخذت بتضحيات جنودهم لا تسترجع واصبحت حدود لممالكهم ورسموا الخرائط لامتدادت تلك الامبراطوريات ولكن بعد حين من الزمان عاد كل الى اصله وفصله وعادت الدول الى حاضرتها والى حدودها حتى لو استمر الحال عشرات او مئاة السنين وخير دليل على ذالك هو الدولة العثمانية التي احتلت دول لمئاة السنين انحسرت وعادت الى حدودها وعادت الدول المحتلة الى اصول خرائطها لينتهي لحال الى ما نحن عليه الان ..
طبعا يلعب الدور النفسي والطموح والظروف القلقة والمشاكل الداخلية والشعور بالعظمة دورا فاعلا في اطلاق مثل هذه العبارات الصارخة بوجه الحقائق على الارض فأنت من النادر تجد من يتحدث بمثل هذه العبارات على افواه رؤساء لدول ديمقراطية او الدول المراعية لحرية الرأي لان قائلها سيجد من يردعه اعلاميا واستشاريا ويعترض عليه من قبل معارضيه لذا قد تسمع مثل هذه العبارات على السنة الحكام الطغاة كما قالها رئيس العراق السابق صدام حسين عندما احتل دولة الكويت وآل الوضع الى ما آل عليه اليوم في العراق ولم يستمر الوضع في العراق الا اشهر معدودة لتنتهي اسطورة حدود لنفط والدم التي كان يطمح لها صدام حسين …
تعيش منطقة الشرق الاوسط اليوم حالة من القلق والحراك السياسي والعسكري لم تمر به قبل عقود من الان بسبب القبضات الحديدية لحكام المنطقة وخاصة الدول العربية التي انطلت على شعوبها عبارة (الربيع العربي) وبدأت تتحرك عشوائيا سامحة بالتدخلات الاجنبية الاقليمية والعالمية بالتدخل بشؤونها وبالتالي ولدت في المنطقة قوى من الركام مستغلة تلك الظروف تغذي الفتنة وتأجج الاوضاع من استمرارها منتهزة فرص الظهور على حساب انهاك وأضعاف الدول فظهرت المنظمات الارهابية قادمة من دول الجوار العربي العربي والعربي الاقليمي ولمع نجم بعض الاشخاص والقادة والاحزاب لتحقيق مآرب وطموحات لم تكن في يوم من الايام مسموح لها حتى بالحلم التفكر بها لأن مقصلة الطغاة تطال الرؤوس من تلك الطموحات طموح السيد مسعود البرزاني الذي يحق لنا أن نقول أنه الرجل الذي عرف كيف يلعب اللعبة بكل اشواطها ولم يخسر يوما فهو اشترى قوته وبنى اقليمه من مليارات الوسط والجنوب وباع واشترى في سياسي الغفلة التي قدمت الى العراق بعد السقوط ليتحدث بصراحة ببناء الدولة الكردية وبالذات بحدود الدم التي قرر ان تكون كذالك .
ليس خطئا ن تولد الدول وتبنى وتظهر فهذا هو الواقع الجغرافي قبل السياسي فالدول قبل الان كانت مترامية الاطراف والحدود متباعدة فيما بينها الى أن ظهرت قبل مئة عام مثلا اتفاقية سايكس وبيكو لتقسم المنطقة العربية ,,وقد تتوحد الدول ايضا ردحا من الزمان لتعود وتتفكك ثانية تحت طائلة ظرف ما كما هو الحال للإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشكوسلفاكيا كل ذالك يحدث لكن ليس بالدعوة او الادعاء انها حدثت بالدم كما هو الحال اليوم في العراق .
من حق الشعوب أن تقرر مصيرها وتكون دول لها حسب القوانين والاعراف الدولية وحسب ما هو مقر بمقررات العصبة الدولية والامم المتحدة ولكن افشل الدول المتكونة حديثا تلك التي تحاول أن ترسم لها حدود بالقوة وفرض ارادتها على الدول الجارة .
فالدولة الكردية التي ممكن أن تولد في المنطقة مثلا ويقرر شعبها أن يذهب بدولته بعيدا عن بغداد من المؤكد هذه الدولة ستكون لها جارة وهذه الجارة هي دولة العراق فإذا سلبت الدولة الكردية اراضي من العراق تحت ظرف ضعف الدولة العراقية ولو مترا واحدا فلايمكن أن يكون هذا المتر قد نسي او تناسته الدولة الجارة القديمة فتصبح الحدود بين الدولتين مثار لتوقعات لا يحمد عقباها ولا أعتقد أن اي دولة فتية تريد ان تكون دولتها مبتدئة بمشاكل مع جيرانها لانها ستكون عرضة للأنهيار وبسرعة البرق والامثلة كثيرة اضف الى ذالك فأن الاعلان المتكرر عن دولة حدودها من الدم سيكون ايضا مثار لدول فيها جاليات كردية طموحة ايضا منها ايران وتركيا وسوريا وهذه الدول لا تسمح لأي طرف خارجي ان يكون مصدرا للأزمات على اساس بناء دولة كردية ولتحقيق ما يطمح له السادة الاكراد عليهم أن ينتظروا تفكيك دولة ايران والدولة التركية وسوريا العائد جيشها بقوة الى ماكان عليه سابقا ,, البعض يعتقد ان الطموح الشعبي والسياسي الكردي والادعاءات من قبل قادة الاكراد ماهي الا محاولة للتخفيف عن المشاكل وتصدير مشاكل الداخل الكردي الى الخارج خاصة وأن المشكلة الكبرى التي يعيشها الاقليم هو تشبث العائلة البرزانية بالحكم منذ العام 91 والى اليوم وهي تحاول التخفيف عنها من الضغوط الداخلية بسبب التخبط السياسي وحكم العائلة التي بدأ الشعب الكردي يتململ من استمراره هكذا منذ عقود ومحاولة العائلة البرزانية تهميش شركائها القدماء وخاصة الاتحاد الكردستاني الشريك الاستراتيجي الذي اتخذ منحى اخر بالتعامل مع الحزب الديمقراطي الذي استفرد بحكم الاقليم والابتعاد عنه بالتقارب مع حركة التغيير الكردية التي طرد رئيس البرلمان من اربيل الذي ينتمي لها ..الذي يجري في الاقليم يعلن ببساطة ما يذهب له الطامحون من العائلة البرزانية برسم حدود الدولة الكردية في شمال العراق بالدم كما يدعون ما هو إلا لاستهلاك الاعلامي والشعبي .
[email protected]