أنها الحرب ولا أحد يتوقع أقل منها؛ بأمنية الإنفصاليين والمتربصين لوحدة العراق، والرافضين للنظام السياسي والباحثين عن السلطة، والصُداميين والصَداميين، وخاسري شعبيتهم بتخاذلهم عن جمهورهم وقت دخول داعش، والفاسدين وتجار الحروب وعبيد السلطة والدينار والدولار والطائفية، المعتاشين على الأزمات، لكنها الحكمة والعقلانية وأدت الفتنة مبكراً.
دخلت القوات العراقية مدينة كركوك، وإنسحبت البيشمركَة، دون رغبة للطرفين بإراقة قطرة دم، على موارد لا حصة للمواطن الكوردي، كما هو الحال في نفط الجنوب.
منذ أشهر والحديث عن الإستفتاء ومسبباته ونتائجه، ويؤسفنا ظهور أزمة جديدة في العراق بعد هزيمة داعش، وكان المؤمل من القادة البحث عن سبل لعراق مزدهر آمن، مستثمراً للتجربة المريرة والتلاحم الشعبي والسياسي، والدعم المحلي والإقليمي والدولي ضد الإرهاب، ومنه إيجاد مشروع يُصيغ أطر سياسية تفكك إشكالات رافقت العملية السياسية، وتخلص العراق من المناكفات وخطاب فارغ أخسر الأطراف السياسية والشعبية.
ربما أدركت القوى حساسية مرحلة ما بعد داعش، ونتائجها مشكلات كبيرة بحاجة لمشاريع توازيها او تفوقها كالتسوية والمصالحة الشاملة، وإعادة الخطاب السياسي، وإبعاد الآيدلوجيات الحزبية من مزاحمة المصلحة الوطنية، وكثيراً ما أُصيبت بالإحراج لتصريح حزبي نيابة عن مسؤول تنفيذي، أو تبني خطاب الحكومة من كتلته السياسية.
أُعتمدت الحكومات المتعاقبة، على تصدي ثلة نواب متأزمين ينتمون لكتلة المسؤول التنفيذي، ويقاتلون نيابة عنه حقاً وباطلاً، وبرعت القنوات المغرضة بتسويقهم ممثلي طوائف، وهم رعاة خطاب متشنج مثير للكراهية، ولو تَرَكَ العبادي حبله على غاربهم، لدخل العراق في حرب طرفاها شعب لا مُنتفع من نفط كركوك، ولا بناء عنده في مدن الجنوب الآمنة، وإعتمد رئيس الوزراء على متحدث رسمي بأسم الحكومة، ومن الحسنات تحول أولئك من التمجيد، الى التشكيك بالإنتصارات بغضاً بالحكومة وأملاً لإستعادة فترة أدخلت العراق في نفق الإرهاب والخلافات وهدر الأموال وتضخم حيتان الفساد.
إن دخول كركوك بسلمية وإستقبال الأهالي؛ لقناعة معظم القوى الكوردية بالعودة للدستور لفض النزاعات، وأن الحرب لا طرف رابح فيها ووقودها شعب في سؤال أزلي عن موارد تسرق من تحت أقدامه، وأثبتت البيشمركَة كما هي القوات العراقية، على أنها لمحاربة الدكتاتورية والإستبداد والإرهاب، لذلك رفضوا أن يكونوا أداة لقرارات فردية شخصية حزبية؛ همها آني وهدفها عراق مقسم متقاتل بإرادة خارجية.
لا رغبة لأبن الجنوب والوسط وبقية المحافظات؛ بمقاتلة البيشمركة، كما ليس للبيشمركة رغبة كذلك، ولا يُرضي الطرفان ترك محاربة داعش والفاسدين والإنشغال بحرب داخلية.
نجح رئيس الوزراء بإحتواء الأزمة، وفند الأمنيات المريضة التي تترقب الإعتياش على دماء العراقين، نجح لأنه منذ بداية تشكيل حكومته إعتمد على فريق منسجم لإدارة الدولة، لا يعتمد الخطاب المتشنج، نجح لأنه لم يجعل من بعض نواب دولة القانون ناطقين بأسم الحكومة، ونالت البيشمركَة إحترام شعبي لأنهم لم يمثلوا أجندة حزبية، وليت تهور صدام بإحتلال الكويت درساً يمنع السير للقبر السياسي، والحدود التي أُريد رسمها بالدم، أزاحتها الوطنية والتآخي، ولا حرب بعد اليوم وإنها دعوة لمراجعة شاملة للعملية السياسية، وإنطلاق مشاريع التسويات والمصالحات، والتحالفات السياسية القادرة على بناء عراق مستقر مزدهر.