17 نوفمبر، 2024 11:47 م
Search
Close this search box.

حدق جيدا، ألا تراها؟

حدق جيدا، ألا تراها؟

(اشعل مصباح الغرفة، ضع نظارتك الطبية، مد ذراعك الى الامام و انظر الى كفك. هل تراها؟ لا تراها؟ أأنك لا تراها اطلاقا مهما حدقت؟)هل انسحبت الولايات المتحدة من العراق عام 2011 ام انها لازالت في العراق جيشا و طيرانا، حضورا، تأثيرا و قرارا على الارض؟ نعم ام لا؟نعم و لا، اشعل المصابيح، ضع نظارتك الطبية، حدق جيدا فانك لن تراها، فهي انسحبت منذ 2011 و يبدو انك نسيت فتسأل. لكن أنزع نظارتيك، اطفئ المصابيح و لعلك ستراها انها لازالت في العراق جيشا و طيرانا، حضورا، تأثيرا و قرارا على الارض.
هل تحتل ايران العراق اليوم ام لا؟ نعم و لا. اشعل مصابيح الغرفة، ضع نظارتك الطبية، حدق جيدا و مع هذا فانك لن تعرف هل تحتل ايران العراق ام لا.
هل انسحبت روسيا من سوريا ام لا؟ نعم و لا، اشعل مصابيح الغرفة، ضع نظارتك الطبية، حدق جيدا و ستجد روسيا انسحبت من سوريا لكن من سوريا لم تنسحب روسيا.
هل استقل كردستان العراق، نعم و لا. هل احتلت تركيا شمال العراق، نعم و لا. هل لازال سد الموصل مخطورا، نعم و لا. هل اصلح العبادي الفساد، نعم و لا، هل رضي الشيعة بالسلطة في بغداد، نعم و لا، هل و صل السلاح للجيش؟ نعم و لا، هل لازال الجيش في مخمور ام عاد ادراجه مع حلول الصيف؟ نعم و لا. هل لازالت داعش في الرمادي؟ نعم و لا. هل لازالت داعش في الموصل و كوادرها هربت عوائلها و انسحبت؟ نعم و لا، هل ان داعش على تخوم بغداد؟ نعم و لا. هل افلس العراق بعد؟ نعم و لا، هل لازال العراق يبيع ملايين الدولارات من العملة الصعبة نقدا صباح كل يوم بما يفوق كل عوائده اليومية من النفط؟ نعم و لا. هل اصلحت الكهرباء، نعم و لا، هل قامت وزارة التكنوقراط؟ نعم و لا، هل بدأت حرب الاستقلال الكردية في تركيا؟ نعم و لا – و هكذا الامر في كل شأن.
للمراقبين الذين يعتقدون ان الشرق الاوسط لازال يعيش عصر الستينيات من القرن الماضي و حينما يبدأ عهد و ظرف جديدين تغلق ملفات العهد الماضي و دفاتر احداثه، عليهم الادراك ان الشرق الاوسط الجديد ستبقى جميع ابوابه منذ 2003 و ما تلاها مفتوحة على المستقبل يندلق بعضها على بعضها بحيث لا يعرف احدا ما الذي يجري بالضبط.
فأن خيل لك ان الامور انفرجت و وضوحا اكبر اخذ بالتبلور بتصريح او قرار من هنا او هناك، كما قرار بوتين بالانسحاب، او بتغير مجريات الامور على الارض لصالح هذا او ذاك، كتحرير الرمادي، فانك حالما ستصاب بالصدمة اذ ان الامور سرعان ما ستزداد تعقيدا و كأن قرار بوتين نصفه كذب و نصفه صدق، و تحرير الرمادي نصفه صدق و نصفه كذب – و اذا لم يكن بالامكان رؤية كفك مهما حدقت به في الامس لإنعدام الرؤيا فانك لن تستطيع رؤية ذراعك بطولها غدا.
النفوذ الايراني سيبقى في العراق، النفوذ الامريكي سيبقى في العراق، النفوذ السعودي سيقدم للعراق، نفوذ داعش سيبقى في العراق، النفوذ الاسرائيلي سيظهر في العراق، ستبقى الدولة في العراق، ستتلاشى الدولة في العراق لكن ختمها سيبقى معتمدا في التوقيع على الديون، سيفلس العراق، سيبقى العراق مصدرا رئيسيا للنفط، سيعلن عن تحرير مدن العراق، ستبقى مدن العراق تحت إمرة هذا و ذاك مثل داعش او العشائر او المليشيات، سيبقى للعراق مقعدا في الامم المتحدة، ستبقى الديمقراطية عامرة في العراق بالاصابع البنفسجية، سيكون القول الفصل على الارض لأمراء الحرب و قطاع الطرق و شذاذ الافاق – كلها مظاهر متناقظة تتكدس مجتمعة واحدة فوق الاخرى و انت تقف مشدوها لا تعرف اين تولي وجهتك بينما تتجه الامور من سيئ الى اسوأ كل دقيقة.
سوريا و العراق، الكويت، السعودية، الاردن، تركيا، ايران روسيا و جنوبها لن يتم تقسيم ايا منها باحتفالات و مقاعد و أعلام جديدة لدى الامم المتحدة فتجد اقاليمها الجديدة الاستقرار في خرائط اصغر تنطلق منها نحو المستقبل، التنمية و السلام تاركة الماضي الاسود وراءها بل انما ستبقى جميعها مقطعة الاوصال بلا دول كما نعرفها من القرن الماضي، فقط اختام سيحتفظ بها للتوقيع على ديون البنوك الدولية، مساحات شاسعة من الارض من شرق الاورال الى المغرب و من جازان و الصومال الى شمال اليونان و مئات ملايين من الناس لا يعرفون ما الذي يجري لهم بالضبط، يقتلون ببطئ شديد، بشع و هادئ افتتاحا لفصل جديد في الحضارة، حضارة النظام العالمي الجديد.
مرحبا بك مواطنا جديدا قبل غيرك من شعوب المعمورة في حضارة النظام العالمي الجديد المرعبة، الحضارة رقم II.
[email protected]

أحدث المقالات