23 ديسمبر، 2024 11:06 ص

حدث معي ولابد من اعلامكم بالتفاصيل !!

حدث معي ولابد من اعلامكم بالتفاصيل !!

الزمان : الثانية بعد الظهر .
المكان : منطقة العلاوي وتحديدا مقابل الجدار الخارجي للمتحف الوطني العراقي من جهة اليمين ” وهذا المتحف العريق لمن لايعرفه يضم نفائس العراق الحضارية والتأريخية وقد قامت القوات الاميركية الغاشمة بضرب بوابته الخارجة الكبيرة بقذيفة دبابة من طراز ابرامز ، لأن رعاة البقر هؤلاء لقطاء لا اصل ولا فصل لهم ولا تأريخ ولاجذور ،وذلك بعيد ساعات من – احتلال – بغداد الحضارة والعراقة والاصالة عام 2003 بذريعة وجود اسلحة دمار شامل تهدد السلم والامن الدولي والاقليمي بما تم فضح زيفه لاحقا من قبل مئات الناشطين والساسة والباحثين الاميركان انفسهم ،وماهي الا دقائق معدودة اعقبت قصف البوابة الخارجية حتى تكالبت كقطعان ذئاب جائعة على فرسيتها ، وكضباع مفترسة على ضحيتها ، وهرولت من اللامكان تلهث الى هذا المكان عصابات الجريمة المنظمة وسراق الاثار ، يسيل كالكلاب المسعورة لعابها وقاموا بنهب ما لايقدر بثمن من لقى ونفائس وقطع آثارية من هذا المتحف ليقوموا بتهريبها الى خارج الحدود السائبة وبيعها في السوق السوداء ، ليتم اعادة العشرات منها لاحقا ولكن – بالقطارة – وعلى مدار 18 عاما من سرقة المتحف وليتبين بأن العديد من هذا المعاد وبرغم التطبيل والتهليل ، مزيف أو- فالصو – مصنوع من الجص والبورك ، وما تزال المئات من مقتنيات المتحف العراقي التي لاتقدر بثمن اسوة ببقية الاثار في ضمير الغيب تتقاذفها ايادي شذاذ الافاق وتتار الالفية الثالثة ، وسط صمت دولي واقليمي وعربي مطبق ومذل ومريب ومخجل لم يتطريق الى اسبابه العجيبة كثير من المجعجعين والمثرثرين ممن ادمنوا الصراخ من على شاشات الفضائيات وعلى اقل من تلكم المأساة المروعة بسنين ضوئية ” .
حدث اليوم ان مررت بمعية صديقي والذي كنت قد حدثتكم عن دعائه العجيب قبل ايام في بوست سابق حين دعا للقطط المشردة والطيور الحرة بأن يقيض الله تعالى لها من يداويها ويطعمها ويسقيها ويوفر لها سكنا أمنا يأويها ، ولا اكتمكم سرا فقد ساورتني بعض الشكوك ساعتها من إن الأخ وبصرف النظر عن حبي واحترامي الكبيرين له ، وبرغم اعجابي بدعائه وبإنسانيته ، قد يكون رومانسيا اكثر من اللازم ، أو أنه من عشاق الروايات الحالمة والمجموعات القصصية الهائمة ،ومن المتيمين بالقصائد الناعمة ، او انه من النوع الذي يهتم بالحيوان اكثر من اهتمامه بالانسان بما هو مشاهد ومعروف ومألوف في اوربا واميركا عامة وكثيرا ما تشاهد شخصا رجلا كان أو امرأة وهو / هي يطعمان عشرات القطط والكلاب والطيور والى جوارهم وعلى بعد امتار قليلة منهم مجموعة من الآدميين المشردين ممن لايحصلون ولو على فتات خبز الصنفين المذكورين ولا بقايا طعامهم مع انهم – واعني الادميين المشردين – يتضورون جوعا على مرأى ومسمع منهما ، وقد يورث الصنفان المذكوران من مدعي الانسانية وبوصية مكتوبة توضع في عهدة المحامي الخاص بكل منهما ،قصورا وسيارات ومزارع وضياعا وممتلكات ومقتنيات لاحصر لها من بعد موتهم الى كلابهم وقططهم بدلا من الادميين ولاسيما منهم المحتاجين ،لأن القطط والكلاب اوفى واخلص وأحق بميراثهما من بعدهما من غيرهم بزعمهم ..الا ان ما قام به صديقي اليوم قد بدد كل ما راودني من شكوك سابقة تجاهه بعد ان تخطى حدود الرومانسية وهام في عالم الواقعية والانسانية الرحمانية الحقة بما اذهلني بحق ، فهناك والى جوار جدار المتحف تجلس امرأة خمسينية مشردة تفترش الرصيف وتلتحف السماء صيفا وشتاءا وهي ليست مجنونة ولا معتوهة ، والله تعالى وحده العالم بظروفها الاجتماعية والعائلية القاسية التي ساقتها الى حيث رصيف المتحف فصار لها مأوى تراه المسكينة من وجهة نظرها سكنا ، فقام صديقي وفور ان وقع بصره عليها بإعطائها مبلغا من المال ثم سألها ” تتغدين حجية …اجيبلج اكل ؟” فقالت له ومن غير تردد وبكل وقار وادب ” شكرا ..تغديت قبل شوية ” …ومضينا في حال سبيلنا نحث الخطى قدما على ذات الرصيف وعلى بعد ستين مترا واذا بنا نرمق مشردا ستينيا هذه المرة يعيش ظروف المرأة الخمسينية عينها وكان يسند رأسه الى جدار المتحف مغمضا عينيه وكأنه يقيل من الظهيرة فتنحح صاحبي بصوت مسموع ليوقظه وبالفعل انتبه الرجل فما كان من صاحبي الا ان دس في يده مبلغا من المال ثم بادره بسؤال ظننا ان جوابه سيكون مماثلا لسابقه ” محتاج شي حجي ؟ فقال الرجل ” والله اخوية اني جوعان !” .
– شتحب تاكل حجي ؟
* تمن ومركة …وماء !
– شنو نوع المركة اللي تحبها ؟
*سيبناغ .
– انتظرني دقائق وارجعلك .
هنا فاجأنا الرجل المشرد – وهو بدوره ليس مجنونا ولا معتوها ولا ابلها – بعبارة اظنها ستظل عالقة في ذهني مدى الحياة حين قال لصاحبي ” اخوية …استحلفك بالله .. اذا امورك المادية تعبانة لا تكلف نفسك وعوف الموضوع !” .
– لا عمي انت على راسي من فوك ، دقائق وراجعلك !
عبر صاحبي الشارع وتركني الى جانب الرجل المشرد ويمم وجهه شطر المطعم المقابل ثم جاء بالطعام – تمن ومرق سبنانغ ومقبلات وخبز- الا انه نسي الماء !
* ولو زحمة عليك يمكن نسيت المي ” هنا اراد الرجل المشرد ان يعيد لصاحبي المبلغ الذي اعطاه اياه ليشتري له بجزء منه سيت مياه معدنية ” قائلا ” اما الغداء والماء ، واما المال ، ما يصير اثنينهن ..عيب وماترهم !!
– بل الماء والمال والغداء وتدلل ” عاد صاحبي فعبر الشارع تارة اخرى وجاء بسيت المياه المعدنية ” واعطاها للرجل فما كان منه الا ان قال لنا وقبل ان نودعه ” حاللوني وواهبوني على ما اعطيتموني !
الجميل في الموضوع انه وفي منتصف المسافة بين المسنة المشردة ، وبين المشرد المسن كانت هناك لافتة كبيرة على جدار المتحف الخارجي مكتوب عليها مامضمونه منسوبا الى احد الصالحين ” اذا قصرت في الحصول على الحسنات لتكفير ذنوبك ، فلاتنسى كثرة الصلاة على النبي ﷺفإنها كفارة لكثير من الخطايا والذنوب ” وما ان رأها صاحبي حتى ظل يصلي على النبي ﷺبين الاولى والثاني ، وبعد ان اذهلني كل ما شاهدت من صاحبي ، وكل سمعت من المشردة المتعففة ، والمشرد كريم النفس الذي لايريد ان يكلف الفقراء والعاطلين والمجهدين عناء مساعدته لأنهم وبدورهم ربما بحاجة الى مساعدة قلت بيني وبين نفسي ” ماهذا الكرم المتبادل ، ما تلكم العفة ،ماهذا الايثار العجيب ، وبأيهم اعجب ..ترى كيف تحلى الجميع بكل هذه الصفات الرحمانية الحميدة والانسانية الراقية ؟!” ولم اكد افرع من تساؤلاتي الحائرة واذا بي ارمق على الجدار الخارجي لجامع عبد السلام عارف ، فلكسا كبيرا عموديا انيقا وجميلا مكتوب عليه الاية الكريمة التي اهدتني الاجابة الشافية الوافية على تساؤلاتي الحائرة : ” إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا”….
اللهم اجعلنا ممن للجياع يطعمون ، وللعطاش يسقون ، وللعراة يكسون ، وللعاطلين يشغلون ، وعلى رؤوس الايتام يمسحون ، وعلى اكتاف الكادحين يربتون ، ولدموع المحزونين يكفكفون ، ولأيادي المسنين يقبلون ، وعلى الصغار يعطفون ، على الفقراء والمساكين ينفقون ، وللضيوف يكرمون ، وللمرضى يداوون ، ولذوي الاحتياجات الخاصة يعالجون ، وعن المكروبين ينفسون ، وللملهوفين يغيثون ، وللمشردين يأوون ، وعن المدينين يسددون ، وعلى المال العام والخاص يحافظون، اللهم اجعلنا اصحاب السنة ناطقة نيابة عن الصم والبكم وعن مأساتهم يتحدثون ، اللهم اجعلنا ونيابة عن المكفوفين عينا مبصرة توثق للذاهلين عنهم مايجعلهم الى ما خفي عن معاناتهم ينظرون ، اللهم اجعلنا ممن عن حقوق المظلومين والمضطهدين يدافعون ، وبوجه الظالمين ايا كانت عناوينهم ورتبهم ومناصبهم كصخرة صماء لايهابونهم يوما وعن قول الحق بوجوههم لايخافون ولايترددون و لايتزعزعون !
ولن اختم قبل ان اذكر يغريني ويشجعني على ما سأذكره بأن صاحبي ليس ضمن اصدقاء صفحتي الشخصية على الفيس لأنني في العادة لا اضيف الكثير من الاقرباء كذلك الزملاء الذين اعمل معهم في مكان واحد الى صفحتي بل ولن اقبل صداقتهم في حال طلبوا ذلك وبالتالي فهو لن يتابع كل ما كتبته واكتبه حاليا، واقول بأنه كان قد تغدى قبيل مجمل الاحداث اعلاه وكان غداءه عبارة عن – لفة بطاطا وباذنجان بـ 1000 دينار فقط لاغير – !!
ملاحظة :لم اسمح لنفسي ادبا واحتراما ورحمة وانسانية من التقاط صورتين للمسنين المشردين المذكورين ، واقترح اخوية على كل من لديه معرفة بادارة احدى دور المسنين في بغداد الكرخ أو الرصافة – الحكومية منها أو الاهلية – ان يلفت عنايتهم الى وجود المسنين المذكورين لعل احدى هذه الدور تتكفل بإيوائهما ضمن نزلاء الدار بدلا من تشردهما هكذا في العراء وعلى الارصفة ونحن على اعتاب فصل الشتاء القارس …اين ؟” في بلاد النفط والغاز والكبريت والفوسفات ، وبجوار المتحف الوطني العراقي الذي يضم لقى واثارا تعود الى 7000 الاف عام في عمق التأريخ …واصرخ بعالي الصوت ..ياضمييير ! اودعناكم اغاتي.