عاشوراء وما جرى فيها من مصائب وأحزان وانتهاكات ومآسي وتعدي على بيت الرسالة والإمامة إلا من أجل دفع الناس الى بيعة الغدير اي الى الولاية ، فبعد أن ترك الناس لبيعتهم وعهدهم وميثاقهم الذي أعطوه في يوم الغدير ، وابتعدوا عن قطب الرحى الذي يدور حوله الإسلام كدين ، فأصبحوا كالهوام يسيحون في الأرض يتمرغلون بملاذ الدنيا ويأتمرون بأوامر الشيطان ويتعبدون الله بدين لم يرضى الله سبحانه وتعالى لهم أن يتعبدوا به بعد أن فقدوا أو أضاعوا شرط الرضا والقبول الذي أشترطه عليهم صاحب الرسالة العلي القدير في يوم الغدير إذ قال سبحانه وتعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ، إن الله لا يهدي القوم الكافرون) (سورة المائدة آية 67)، وبعد أن بلغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الأمر وأخذ البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والإمامة أنزل الله سبحانه وتعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (سورة المائدة آية 3) ، فأصبحت الأمة التي بذل من أجلها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الغالي والنفيس والجهد الكبير تترنح مابين طغيان الملوك وظلمهم ونزواتهم وظلال تعاليم الرسالة المحمدية السمحاء ، حتى أصبحت هذه الأمة على حافة الانزلاق في وادي الشرك العميق التي أراد بنو أمية أن يدفعوها الى أعماقه المظلمة النتنة المملوء بوحل الجهل والعبودية والرذائل والخبائث ، وكاد الأمر أن يتحقق لولا صرخة أبا الأحرار عليه السلام ( من مثلي لا يبايع مثله ) التي قلبت الموازين وفجرت الركود وصفعت الأمة من أجل إيقاظها من سباتها العميق وسحبها بعيدا الى عمق الإسلام وقلبه الصافي الصادق المتمثل بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم تكن هذه الصرخة كافية لإرجاع الأمة الى حضن الإسلام الحق بل أحدثت هذه الصرخة هزة عميقة في جسد الأمة وجعلتها تتوقف قليلا مع نفسها وتفكر في طريقها التي تسير به خلف سلاطين الجور الذين اتخذوا الشيطان خليلا وعباد الله خولا وعبيدا ، فقد تبعها الإمام الحسين عليه السلام بخطوات متصلة بعضها ببعض لكي تعطي ثمارها عبر الزمن وتعيد هذه الأمة بل ترشد الإنسانية قاطبة الى الإسلام الحق المتمثل بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فكانت القافلة المحمدية التي تركت المدينة ليلا في الثامن والعشرين من رجب عام 60 هجرية وحملت على ظهور جمالها أغلب نساء الرسالة المحمدية وأطفالهم وشبابهم ورجالهم ، وترك الإمام الحسين عليه السلام مكة في الثامن من ذي الحجة يوم التروية بعد أن أجتمع المسلمون للبدء بفريضة الحج ، وأراد الإمام الحسين عليه السلام من هذه الحركة أن يلفت انتباه الأمة الى هول الواقع المر الذي يعيشونه وينبههم بأن عرفات لا تتم إلا ببيعة الغدير التي تركوها وخانوها وراء ظهورهم ، فكانت الوجهة هذه المرة كربلاء ففيها ستتم الضربة القاضية لطغيان بني أمية وطغيان جميع الأنظمة الفاسدة التي تأتي بعدهم ، فكانت هذه الضربة القاتلة بالمثل والصبر والأخلاق فكانت الشجاعة إطارها والوفاء قلبها والصبر محتواها والدماء ألوانها والحزن والمأساة عنوانها ، فقفزت هذه اللوحة الى عالم الوجود في يوم عاشوراء فكان مخططها وراسمها سيد الأحرار عليه السلام الذي أبدع في دقائق محتواها فلم يترك فيها اي فراغ إلا وملئوه بما يناسبه لكي تبقى هذه الواقعة تعطي ثمارها وطاقاتها الى أخر الزمان ،فلم يترك ابا الأحرار عليه السلام هذه اللوحة الربانية المحمدية المأساوية تُدرَس تحت رمال صحراء كربلاء بل هيئ لها أبطال يحملونها من ذكر وأنثى الى الإنسانية قاطبةً فكان الذكر زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام وكانت الأنثى عقيلة الطالبين والصديقة الصغرى زينب عليها السلام ، الذين استماتوا وجاهدوا من أجل نقل محتوى عاشوراء بأروع الطرق والأدوات حتى أصبحت عاشوراء من خلالهم المشعل الذي تهتدي به الأمم الى الإسلام المحمدي الاصيل ، فقد كانت بحق واقعة الطف الأليمة أفضل الطرق وأقدسها وأكثرها تأثيرا في قلوب الناس وعقولها ونفوسهم من أجل دفعهم الى الطريق الذي أراده الله سبحانه وتعالى ان يعبد من خلاله ، فكانت بحق عاشوراء وما جرى فيها من أجل إرجاع الأمة الى بيعة الغدير حتى يسلكوا الطريق الذي عبَّده الله سبحانه وتعالى للعباد لكي يسعدوا في الدنيا ويفوزوا بالجنان في الآخرة ،