لمن لا يعرف الحجية نورية نخبره.. هي إمرأة كبيرة السن جاوز عمرها العقد السابع من السنين.. تسكن إحدى الخرائب في العاصمة بغداد.. هذه المرأة تعيش المرض والفاقة ويكفي أن نشير بأنّها فاقدة لنعمة البصر!. رغم كل هذا الذي ذكرناه، تعيش نورية بلا معيل أو أنيس أو ونيس يخفف عنها وطأة العوز والمرض.. إلتقى بها الفنان محمد هاشم وعرض قصتها من على شاشة فضائيته إلى الملأ، إضافة إلى قيامه وبعد أن راعه حالها بالطلب منها أن يقوم بترميم الخرابة التي تعيش فيها.. رفضت عرضه وقالت له.. إنّ هذه الخرابة أمانة عندي ولا يحق لي التصرف بها، بل الواجب يحتّم عليّ أن أحافظ عليها كما هي!.. جدد محمد هاشم الطلب وقال لها.. أريد أن أشتري لك على الأقل أثاثاً وحاجيات تعينك في المكان الذي تسكنين.. كان ردها حازماً وهو الرفض القاطع الذي كشف معدنها وعزّة نفسها وشمم العراقية الأصيلة.. لتضيف وهي تخاطب هاشم..إذهب يا ولدي وإبحث عن غيري، فهناك من يستحق ما تعرضه أكثر مني!..
هزّني الموقف الذي رأيته من هذه المرأة لإيثارها أبناء جلدتها على نفسها وأيضاً لأمانتها التي فاقت كل تصوّر مع أنّها تعيش ضنكاً شديداً تنوخ له الجبال..
استوقفتني هذه الحكاية الأليمة وأنا أرى بطولة الفروسية للأندية والمنتخبات التي أقامها الاتحاد العراقي المركزي للفروسية والتي روّج لها قسم من الأبواق التي تقبض باليمين والشمال، ليضحكوا على الناس ويقولوا أنّ هناك بطولة أقيمت.. رغم علم الجميع أنّ ما رأيناه لم يكن سوى تجمّع استمر لأقل من ساعتين فقط، حضره عدد من الفايخين ودعمه المنفوخين.. أردوا تمرير البطولة الأضحوكة علينا ونسوا أن لا أندية ولا منتخبات على طول العراق وعرضه تمارس هذه الفعالية الأكذوبة وما جرى في البطولة (المهزلة) كانت الغاية منه هي سرقة المال بطريقة يقال عنها بكونها قانونية!.. أجل تهدر الأموال وتنهب مع أنّ الأحق بها هم أولئك المحتاجون من أمثال الحاجة نورية وغيرها من النازحين والمعوزين الذين يرون أموال بلدهم تلقى تحت أقدام وحوافر خيل الأغنياء، كون فعالية الفروسية ومنذ أصبح لها اتحاداً في العراق لم يمارسها سوى البرجوازيين والأغنياء والإقطاعيين والسياسيين ومن يعمل بخدمتهم هم الفقراء فقط!..
ترى هل نزعت نقطة الحياء عن جباه الذين حضروا البطولة التي كشفنا عنها؟ ألم تهتز مشاعركم وأنتم ترون آلاف المحتاجين ممن لا تهتمون بهم يفترشون العراء ويلتحفون بالسماء، وأنتم تركضون خلف بطولةٍ كذب من نظّمها عليكم حين قال أنّها (بطولة)؟..
خافوا واتقوا الله بشعبكم وبدل أن تصرف هذه الملايين على لهوكم وفرحكم ومن حضر معكم، إجعلوها للمساكين الذين سيسألونكم أمام الله عن أعمالكم وتشجيعكم للسرّاق الذين يمارسون أفعالهم المشينة على مدار سنوات وأنتم لا تحاسبونهم.. ابحثوا عن رضا الله والوطن والشعب وبخلافه، فإن الله والوطن ومعهما الشعب براء منكم إلى يوم يبعثون..