18 نوفمبر، 2024 3:15 ص
Search
Close this search box.

حتمية وجوب المطالبة بالحماية الدولية لمسيحيي العراق

حتمية وجوب المطالبة بالحماية الدولية لمسيحيي العراق

“سيأتي اليوم الذي يسألنا فيه الشتاء عمـّـا كنا نفعله طوال فترة الصيف” – هنري كلاي

وصلت الحالة المزرية للأمة الآشورية بعد 9 سنوات على سقوط صدام على وجه التحديد، بالآشوريين إلى أخطر ميـّـزة على الإطلاق، ألا وهي التأقلم مع عمليات القتل والتهجير والأسلمة والتكريد، وذلك استسلاما أمام الخيبة الكبيرة من السياسة الآشورية في العراق، المبنيــّـة على أسس ركيكة قوميا، معاقة أيديولوجيا، فيما تجيد التعامل مع المحيط المعادي بإنهزاميتها وتغطيتها لكافة الجرائم ضد الوجود القومي الآشوري والديني المسيحي، والتي لم تستـثنِ أية طائفة آشورية (سريان، كلدان، مشرقيين وغيرهم …) وقد أصبح من النادر ملاحظة أي موقف مـُـنتفـِض ضد هذه السياسة سواء في المهجر الآشوري الحرّ أو في آشور المحتلة (شمال العراق الحالي)، حتى بدأت الأمة الآشورية تطرق أبواب مرحلة الزوال.

إن انعدام ثقة الشعب الآشوري بساسته في العراق “كان” سيعدّ إيجابيا فيما لو كانت هناك ردّة فعل آشورية معاكسة خصوصا من المهجر؛ مصدر الأموال والأصوات الإنتخابية لتلك النماذج، التي لم تأت طروحاتها المشبوهة حتى الآن إلا لإلهاء الشعب الآشوري بسكاكر التكريد (الإدارة المحلية، المنطقة الإدارية، الحكم الذاتي التابع للإحتلال الكردي) وتضييعا للوقت فيما العراق يـُـقســَّـم قوميا وطائفيا ويـُـنهـَـب مقابل تهجير الشعب الآشوري من مدنه وبلداته، وفيما بدأت تستنتج حكومات الدول العظمى (دول المهجر الآشوري) بأن الآشوريين شعب خائب لا قضية له وأرضه سائبة للدخلاء ولا من يسأل …

والمزيد من العوامل الداخلية التي أدخلت الأمة الآشورية في مرحلة خطر الزوال، تعود إلى حالة كسل عام، وتخدير قاتل على يد كافة المؤسسات السياسية الآشورية، بسبب الإفتقار إلى الثقافة القومية لدى السياسي الآشوري وهذا واضح في إهمال المؤسسات السياسية الآشورية لمسألة “الأمن الآشوري” الذي يجب أن يكون فوق كل اعتبار، وقد انعكس هذا إلى ضعف في المواقف وعدم محاولة استغلال “القوة الآشورية” مما أدّى إلى عدم احترام مافيات العراق للسياسي الآشوري.

أما أهم العوامل الخارجية التي كان ولا يزال لديها الأثر الكبير في إضعاف الوجود القومي الآشوري على أرض أجداده فهي كالتالي:

أولا: الإفتقار إلى الحسّ الوطني لدى الساسة العراقيين، فالمناطق التي يحتلــّـها الأكراد لا تدخل ضمن الديموغرافيا الشيعية والسنية العربية وطالما الأكراد لا يحتلون أراضي “سنية” أو “شيعية”، فإلى الجحيم بشمال العراق (بحسب منطقهم)، خصوصا أن الفيدرالية جاءت قيحا من جرح مساومة “كردو – إسلامية”، حين وافق الأكراد على أسلمة العراق فيما يوافق الآخرون بالمقابل على تكريد آشور تحت شعار الفيدرالية، ما يعتبر إهانة للأمة الآشورية كما للعراق الذي تحوّل وفقا لدستوره، إلى البلد الوحيد بدون “شمال” في تاريخ البشرية.

ثانيا: عدم وجود تيار قومي عربي في العراق ليكون الندّ القوي بوجه العنصرية القومية الكردية بعد عقود من غباء هذا التيار في عهد صدام مما سبب النفور من كل ما هو عروبي أو حتى “عربي”، وبذلك استغلّ الأكراد غياب هذا التيار بوجود الصراع الطائفي المتخلف المزمن بين السنة والشيعة لتحقيق مآربهم بفرض الورقة الكردية في تحالفات مع الشيعة ضد السنة وأحيانا مع السنة ضد الشيعة، لا بل حتى مع الشيعة ضد الشيعة.

ثالثا: الفساد وانعدام الأخلاق والأمانة لدى الساسة العراقيين بحيث أتوا من مجتمعات فقيرة ومتخلـّـفة ووجدوا أنفسهم محاطين بأموال طائلة من عائدات النفط، ومرجعيات الخارج السياسية والدينية، مما سهّـل في إباحة المساومات على توزيع الأدوار في سرقة ثروات العراق بين المتـنفذين في النظام “الكردو-إسلامي” البغدادي بعد النظام البعثي، بحيث تحوّل العراقيون إلى أفقر شعب في أغنى بلد.

رابعا: التحوّل المفاجئ في العراق من الدكتاتورية ضد الشعب والتيارات المتخلفة، إلى حرية التيارات المتخلـّـفة بتسلـّـطها على الشعب ومقدرات العراق …

كلّ هذه العوامل نختصرها بجملة صغيرة قبيحة، وهي أن هؤلاء ليسوا إلا دخلاء على ما يسمّى اليوم “عراق”، لذلك فهم لا يشعرون بالغيرة عليه ولا يهتمون لسلامته أرضا وشعبا وإقتصادا وأمنا وثقافة.

وبعيدا عن صراع مافيات دولة العراق، نعود إلى خطورة محيط الآشوريين من تيارات إسلامية متخلفة يتم استغلالها من سلطة الإحتلال الإسلامي في بغداد أو سلطة الإحتلال الكردي في آشور، فالمواقف المعسولة بعد الإعتدءات “الإسلامية” (إفتراضيا) ليست سوى لتبييض صفحة مطلقيها بحيث يوجدون المشكلة لينتقدوها فيعلو رصيدهم أمام غباء أوروبا، وخبث أميركا مهندسة “الفوضى الخلاقة” التي تنمو على بناء أنظمة إرهابية لتأجيج الصراعات وإيجاد الحجة القوية للتدخل ساعة تشاء مجددا ومجددا…

لم يتمّ تصنيف “الإرهاب” عالميا حتى اليوم… فهو بالمفهوم الأميركي الغير مُعلـَـن، ذريعة لبسط السيطرة على بعض النقاط الإستراتيجية الهامة تحت شعار “حماية الأمن القومي الأميركي”، والملفت هو أن كل طرف معادي لأميركا يتم ضربه من قبل تنظيم القاعدة، وحتى أميركا نفسها تم ضربها في أيلول/2001 لصالحها وهذا واضح من خلال الإنقلاب في سياسة أميركا الخارجية وتصرّفها بوقاحة مبررّة تحت شعار”مكافحة الإرهاب” لمدّ سيطرتها على بقاع استراتيجية من العالم (أفغانستان والعراق خير مثال). أما المفهوم العلمي المشترك (المُعلن) هو كون الإرهاب وسيلة للضغط على طرف ما بقبول واقع ما، بوسائل خارجة عن المفاهيم الإنسانية أو المواثيق الدولية، مثل قتل المدنيين وترويعهم لغايات سياسية أو إقتصادية أو ديموغرافية.

إن أسهل طريقة لفهم هذا التعريف للإرهاب هي دراسة أخلاق الدولة العراقية، كما مواقف المرجعيات السياسية والدينية وحتى الرسميين على أعلى المستويات، وهي لا تخلو من خطابات الحقد والكراهية والتخلف، وأبرز مثال على ذلك هو تصريح رئيس البرلمان العراقي الأسبق محمود المشهداني لصحيفة “المدى” العراقية (عدد 05/كانون الأوّل/2011) بما يلي :

[وصلنا إلى السلطة ولن نتنازل عن أسلمة العراق، ولا نوافق على ما تقوم به التيارات الليبرالية في سبيل الحفاظ على الحريات المدنية المنصوص عليها في الدستور، وإن اسلمة المجتمع واجب ضروري من خلال فرض الأيديولوجية الإسلامية على أفراد الشعب العراقي بكل مكوناته… أما بخصوص الباب الثاني من الدستور، فإن الحريات المدنية هي انفلات أخلاقي والديمقراطية هي تدمير للمجتمع العراقي…]

ليست أمام دولة العراق أية ذريعة بخصوص هذا التصريح لأن قائله لم يكن نتانياهو ولا أوباما ولا بن لادن ولا صدّام، بل هذا رئيس البرلمان العراقي بين عامي 2006 و2008 في عصر “العراق الجديد”، أي أنه رئيس مؤسسة “دستورية” عراقية تمّ استفتاء الشعب العراقي عليها وعملت لمدّة سنتين فيما كان (ولا يزال) يتم تهجير مسيحيي العراق ومصادرة بيوتهم ولا من يهتم، وهنا نسأل: “كيف وصل هذا النموذج القبيح إلى سدة رئاسة البرلمان ؟ وبأية مساومات وعلى حساب مَن وبمعيـّـة أية نماذج ؟”

هذا ناهيك عن المواقف الغير مشرّفة من باقي الإسلاميين ورسائل التهديد إلى العوائل الآشورية التي أرسلتها التيارات الإسلامية المتخلفة في مناطق بغداد، وأخرى في الموصل، وسياسة التكريد التاريخي المتمثلة بتصريحات المسؤولين الأكراد على أن الآشوريين “ضيوف” في شمال العراق كما قال الأفغاني ملا بختيار، القيادي في حزب الطلباني، أي أن الآشوريين بمفهوم حزبه نزلوا من القمر وحلــّـوا في الكيان الكردي بينما الأكراد هم بناة نينوى وأربيل والآثار الآشورية في المناطق الخاضعة لإحتلالهم، واعتبار نيجرفان برزاني للآشوريين كـ”مسيحيين أكراد” في كتاباته، أضف إلى ذلك، السياسة التكريدية العملية، والمتمثلة بالتغيير الديموغرافي وقد تلخــّـص ذلك في استصدار قوانين كردية تعجيزية لمن يريد استعادة أرضه المصادرة من قبل الأكراد وتشجيعيـّـة للكردي على شراء الأرض التي صادرها غصبا عن صاحبها الآشوري، والمشاريع “الإنمائية” التي تسهّـل تغلغل الأكراد داخل البلدات الآشورية الكبيرة مثل مشروع الأبراج الأربعة في بلدة عنكاوا الآشورية ومطار أربيل الذي تم بناؤه على ما يزيد عن 25.000.000 متر مربّع (10.000 دونم عراقي) من أملاك آشوريي عنكاوا التي ورثوها عن أجدادهم حين لم يكن هناك كردي في العراق، وفرض التعويض المادي الرخيص عليهم (أي شراؤها بالقوة وبأسعار بخسة)، ومخطـّـط “الضيوف المؤقتين” الذين أرسلهم حزب البرزاني إلى البلدات الآشورية في سرسنغ وإينشكي وغيرها على أنهم “لاجئون مؤقتون” واليوم تزيد أعدادهم على أعداد الآشوريين في تلك المناطق منذ عقود، مصادرين الأراضي الآشورية رغم تكرار الشكاوى من قبل أصحابها، والخطر الكردي يتزايد يوما بعد يوم خصوصا مع اكتشاف مناطق نفطية داخل المثلـّـث الآشوري (بين الزلب الكبير ودجلة) وتحديدا بين منطقتي شيخان وألقوش وإتمام عقود كردية- تركية حول استخراج النفط في هذه المناطق – أضف إلى ذلك سياسة تكريد الماضي والحاضر والمستقبل من خلال المنهاج التربوي الكردي الذي يمجــّـد مرتكبي المجازر من الأكراد بحق الشعب الآشوري كأبطال، فيما ليس هناك ما يذكر عن التاريخ الآشوري في تلك المناهج التي يدرسها الجيل الآشوري من الأطفال.

كل هذا يفتخر به الساسة الآشوريون في العراق على أنه من إنجازاتهم ويتسوّلون لأموال المهجر والمنظمات الدولية تحت شعار “مساندة المدارس السريانية”، بالإضافة إلى كل ما يسهم بالإبادة المهذبة البطيئة للوجود الآشوري مما يسبب المزيد من الخيبة لدى الآشوري الأعزل المتحضـّـر في محيط مسلـّـح متخلف، خصوصا أنه ليس لديه من يدافع عنه لا بالمنطق ولا بالقوّة.

بعد هذه التهيأة لضرب الأمة الآشورية، والمدعومة سلفا وعن سابق الإصرار والتصميم بمهازل السياسة الآشورية في العراق في سبيل المال والمنصب، وبالتضحية بالقيم الآشورية من هوية وأرض وبسكوت الحزبـيـين الآشوريين الأتباع والمنتفعين الذين لا ينتقدون أحزابهم إلا بعد خروجهم منها بسبب حرمانهم من حصصهم، لا بدّ من ذكر الإيجابيات التي ترسّخ الأمل الآشوري المتبقي : “القوّة الآشورية” المـُهمَـلة.

“الخوف مفيد أما الجـُـبن فعديم الفائدة” – مهاتما غاندي

فيما يشكك “الشعب” الآشوري المغلوب على أمره بمحيطه المتخلف، تسيّر المؤسسات السياسية الآشورية في العراق أمورَها على أحسن ما يرام وذلك بمشاركتها في إرهاب الدولة العراقية ضدّ الشعب الآشوري النائم، ولكي لا يبدو هذا الكلام غريبا نطرح لماذات بسيطة :

لماذا نعتبر كآشوريين،  كل من شارك في نظام التعريب خائنا بينما من يشارك في نظام الأسلمة والتكريد حكيما يعمل وفقا للواقع ؟

لماذا لم نعتبر كآشوريين، سياسة التعريب “واقعا” كذلك، علينا مراعاته أيام صدام القوي كما علينا مراعاة واقع اليوم، في المرحلة الأضعف وفي ظل عراق ضعيف منقسم على ذاته ؟

لماذا تم اغتيال عدة ساسة عراقيين من كافة القوميات بينما لم تتم حتى الآن دغدغة أي سياسي آشوري في العراق ؟

الخوف يولــّـد الحذر والحسبان لمستقبل أفضل كردّة فعل معاكسة، بينما نرى المؤسسات السياسية الآشورية العاملة في العراق تنشر اللاعقائدية والأنهزامية في المهجر الآشوري الحرّ الذي من المفترض أن يكون “القوة الآشورية”، هذا لأنها تريده مثلها تماما؛ عديم الفائدة، وذلك عبر فروعها في المهجر التي نادرا ما يترأسها إنسان مثقف، وهنا نستنتج في محاولتنا الإجابة على هذه الأسئلة بأن الشعب الآشوري “خائف” فعلا، أما الساسة الآشوريين في العراق فعَديمي الفائدة (بالعودة إلى مقولة غاندي).

كمثال بسيط سنتطرّق إلى موضوع المنطقة الآمنة المطروح منذ سنوات من قبل السيدة نينا شيا (مديرة “مركز الحرية الدينية” في الولايات المتحدة) وذلك من خلال لقاءاتها وخطاباتها في الكونغرس الأميركي وكتاباتها في الإعلام الغربي ومنه صحيفة “الناشيونال ريفيو”، وكان الردّ الكردو-إسلامي كالعادة، على لسان يونادم كنــّـا : “لا نريد منطقة آمنة بل نريد العراق كله آمنا”، هذا فيما كانت الحركة الديموقراطية الآشورية (شركة يونادم كنـّـا لللإستثمارات الإنتخابية) تنشر انهزاميتها في المهجر وتبث الدعاية بين البسطاء ضدّ هذا المشروع على أنه مجرّد مشروع مخيمات لاجئين، أي كما كانت حال آشوريي الجبال إثر إبادتهم على يد الأتراك والأكراد وتهجير من تبقــّـى منهم عام 1918 إلى سهول آشور (قبل صناعة العراق في مختبرات لندن)، مُستغبيـَـة أتباعها وبدون أية مقارنة بين مفهوم “المنطقة العازلة” التي يتم إنشاؤها للاجئي الحروب، و”المنطقة الآمنة” التي تنصّ عليها القوانين الدولية لحماية كرامة الشعوب الأصيلة التي تعيش تحت حكم الأنظمة المتخلفة.

إن تدخــّـل الإنهزاميين في شؤون المهجر الحر، يطرح علامة استفهام كبيرة حول كون الواقع المرير سببا حقيقيا لإنهزاميتها، وقد عمدَت هذه المؤسسات، وبشكل خاص الحركة الديموقراطية الآشورية، إلى إضعاف العزم الآشوري في المهجر بسيطرتها – من منطلق عشائري أو نوستالجي- على المؤسسات الآشورية التي كان بإمكانها إيصال القضية الآشورية الحقــّـة إلى المنابر الدولية، وبالتالي تبرير تبعيتها للسياسة الكردو-إسلامية وذلك بلوم المهجر الآشوري واتهام الآشوريين بالجبن (نيابة عن المحتلـّـين) على أنهم “تركوا أراضيهم وهربوا” متناسية بأنها باعت أراضي الآشوريين للدخلاء الأكراد من خلال البند السادس من برنامجها الإنتخابي المقرر في مؤتمر شقلاوه عام 1997، ثم مؤتمر نوهدرا في 2001، وكذلك متناسية بأن أهم أسباب هجرة الشعب الآشوري هو الخيبة من حــُـزيباته كونها مؤسسات غير عقائدية وعقيمة لا يرى الشعب الآشوري في خطابها السياسي أي مطلب ضامن لمستقبل الآشوريين حتى تحت سيطرة الغزاة.

وقد سارت بهذه المسيرة المخجلة كافة المؤسسات السياسية الأخرى التي تم إيصالها إلى المنابر السياسية بواسطة الناخب الكردي مثل الحـُـزيب الوطني الآشوري ومجلس نيجرفان البرزاني المعروف بـ”المجلس الشعبي السرياني الكلداني الآشوري”، أما ما تسمّى بـ”المنظمة الديموقراطية الآشورية” الناشطة في اسطنبول، فقد نأت بدورها المفترض وتهرّبت كأوّل مؤسسة سياسية آشورية (كما تدّعي) في مجرّد المطالبة بحقوق الأمة الآشورية وتعمل اليوم على دعم المشروع الكردو-إسلامي في سوريا تحت شعار “نحن ضد التعريب” – حالها حال حركة كنــّـا في العراق أيام صدام.

إن هذه النماذج من المؤسسات السياسية (الغير قومية)، لا قضية مركزية لديها، لا بل لا قضية لها من الأساس، فسياستها لم تكن عبر تاريخها سوى مناهضة الأنظمة التعريبية حيث لا خبز لها في البرلمانات البعثية، لذلك نراها تناهض الأنظمة البعثية ليس حبا بقضية آشورية بل بالكرسي “المسيحي” بعد سقوط تلك الأنظمة، وما حال الآشوريين في العراق اليوم إلا خير مثال على ذلك وهذا مترجـَـم في القــِطرية للحــُـزيبات الآشورية بحيث نرى كل حــُـزيب آشوري يهتم ببلد معيــّـن بدون اتباع أية سياسة تجاه مركز القضية الآشورية:  آشور المحتلة في شمال العراق الحالي.

وفعلا لقد أثبتت هذه التصرفات الغير مشرّفة فعاليتها في إفساد قسم كبير من القوة الآشورية في المهجر الذي قلـّـما يهتم للقضية المركزية الآشورية (الأمن الآشوري) حيث تحوّل بعض ناشطيه الغيورين الشرفاء إنما البسطاء، إلى أبواق حزبية تتستــّـر تحت شعارات نوستالجية عاطفية مثل “مساندة أخواننا في أرض الوطن” و”الأفضلية لمن يعمل في العراق”، وقد تترجم ذلك إلى خداع القوميين الآشوريين المستقلين الذين وثقوا لسنوات بالساسة الآشوريين في العراق، علما أن ناشطي المهجر هم القسم الذي كان من الممكن أن يقوم بمهامه كما يجب، بينما نراه يؤسس مجموعات ناشطة بكل صدق إنما تعمل بدون أن تدري، لصالح أشخاص أو مشاريع معادية أو مضيــّـعة للوقت، وفقا للدستور الكردو-إسلامي والمادة /125/ التي نصّت على ألا تنصّ على شيء، أو وفقا للمادة /35/ من دستور الإحتلال الكردي التي تنصّ على إضافة ما يُسمّى “سهل نينوى” (جنوب المثلث الآشوري)، إلى الإحتلال الكردي رسميا، مما سبب ردّة فعل تعريبية في استصدار قوانين لتعريب المناطق الآشورية في “سهل نينوى” وبذلك وقع الآشوريون بين ناري التعريب والتكريد، وأخيرا “التشبيك” في دولة تعد اليوم من أكثر الدول تخلفا في العالم بحسب التقييم الدولي.

إنّ الضعف الآشوري في المهجر سببه نفسي وليس فكري ولا ميداني، كما أن العالم اليوم هو عالم الفكر والإعلام وقد ولــّـت أيام السيف والترس، وقوّة الأمة الآشورية تكمن في المهجر حيث يتواجد أكثر من 70% منها، موزّعين على دول عظمى تكتب دساتير دول الشرق الأوسط وتعيــّـن رؤساءها، ورغم ذلك لم تسمع هذه الدول العظمى حتى اليوم بالقضية الآشورية علما أن آشورييها يتمتعون بكافة العوامل المهيــِّــأة لنشوء حركة قومية فعالة تعرف كيف تتعامل مع المسألة الآشورية في المنابر الدولية، وأهم هذه العوامل: الحرية أوّلا، ثم الإيمان القومي والعلم والعلاقات والمال.

وما “الواقع المرير” (ذريعة الساسة الآشوريين في العراق) إلا الدعم بذاته لمطلب الأمن الآشوري في العراق كون اضطهاد الآشوريين في العراق يجب أن يتحوّل إلى حجة قوية وسلاح سياسي مبرمج بيد القوميين الآشوريين في المهجر من مبدأ “قوتنا تنمو من خلال ضعفنا” (بالإذن من المفكـّـر الأميركي رالف إيميرسون)، وذلك وفقا للقوانين الدولية ومنها شرعة حقوق الإنسان، والإعلان العالمي حول الشعوب الأصيلة الصادر في أيلول عام 2007، حيث تنصّ موادّه على ما يلي :

المادة الثالثة : “للشعوب الأصيلة الحق في تقرير المصير، وبمقتضى هذا الحق تقرر هذه الشعوب بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية لتحقيق تنميتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية”.

المادة الرابعة : “للشعوب الأصيلة، ضمن حقها في تقرير المصير، الحق في الإستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي في المسائل المتصلة بشؤونها الداخلية والمحلية، وكذلك في سبل تفعيل مهام الحكم الذاتي  التي تضطلع بها”.

هذا عدا عن المواد الأخرى التي تكفل وجود الشعب الآشوري بكرامة في أرضه التاريخية، بغض النظر عن مواقف دولة العراق ودستورها – الشتيمة كون الدول المتخلفة مـُـجبرة دوليا على تنفيذ هذه المواد حين يكون هناك من يطالب بها. وهذا المطلب منطقي وشرعي ضمن ميثاق الأمم المتحدة أيضا، من خلال المواد التي تتعلق بإنشاء الأقاليم وذلك كما يلي :

الفصل الحادي عشر: الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي (المادة 73) : [ يقرر أعضاء الأمم المتحدة – الذين يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تـنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي – المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق ].

الفصل الثاني عشر: في نظام الوصاية الدولي (المادة 75 ) : [ تنشئ “الأمم المتحدة” تحت إشرافها نظاماً دولياً للوصاية، وذلك لإدارة الأقاليم التي قد تخضع لهذا النظام بمقتضى إتفاقات فردية لاحقة وللإشراف عليها، ويطلق على هذه الأقاليم فيما يلي من الأحكام اسم “الأقاليم المشمولة بالوصاية” ].

هذه القوانين التي يجب أن تكون عماد حركة قومية آشورية (مفترَضة) في المهجر الآشوري، متوفـّـرة في منظمة دولية تعمل على مبدأ “لا قيمة للقوة أو الضعف أمام قانون الأمم، حيث يتساوى القزم والعملاق” (المادة /18/ من قانون الأمم– المشرّع الدولي أيمريك دوفاتيل) – فيما لا يزال المهجر الآشوري حبيسا في الكابوس العراقي وتخلـّـف قمقم البرزاني والمالكي ودستورهم الإجرامي المهين للشعب الآشوري، ويعدّ سكوت المهجر الآشوري عن ذلك جريمة كبرى بحق الأمة الآشورية كونه ليست هناك أية منظمة آشورية تعاملت مع الواقع الآشوري من خلال أية منظمة دولية، سوى ما سمعناه مؤخرا عن انتقال التسوّل المادي لدى الساسة الآشوريين في العراق إلى الأمم المتحدّة بعد انخفاض رصيدهم الشعبي في المهجر الآشوري وذلك بانضمام حركة يونادم كنــّـا تحت قناع “الجمعية الخيرية الآشورية” إلى المجلس الإقتصادي الإجتماعي للأمم المتحدة (الإيكوسوك) التي عبرها يكتفي كنــّـا بالمطالبة بالدعم “المادي” للمدارس التكريدية التي أتينا على ذكرها، هذا فيما يهاجر العراق يوميا مئات الآشوريين (هذا في أيام السلم) بسبب ما أتينا على ذكره وفيما يتم احتلال الأرض الآشورية شبرا شبرا.

وإن أهمّ وأقوى رسالة من المهجر الآشوري إلى الساسة الآشوريين لا يمكن أن يتم فهمها إلا من خلال مقاطعة الإنتخابات الكردو-إسلامية في العراق، ووقف المساندة المادية نهائيا وطردهم من المهجر كلما تسللوا إليه لبث أفكارهم الفاسدة، ولو تطلب ذلك أساليبا جديدة.

ولكي يبدأ آشوريـّـو المهجر بالخطوة الأولى نحو مشروع “الأمن الآشوري”، عليهم أولا أن يبرزوا المسألة الآشورية في العراق كمشكلة على الساحة، فمشكلة الآشوريين اليوم هي أنهم ليسوا مشكلة، وأنهم لا يقرأون التطوّرات الدولية وسياسات الدول العظمى التي تعتمد على مساندة (ولو لمصلحتها) الشعوب المـُـضطهَدة…  خصوصا بعد التغيّرات السياسية العالمية التي من خلالها برز تيار معارض بوضوح ضدّ سياسة الولايات المتحدة ومخلفاتها السياسية – الإقتصادية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال الإنتفاضة الروسية – الصينية التي برزت مجددا كقطب قويّ في وجه صنــّـاع العراق، لا بل حتى الصراع الأوروبي – الأميركي على الميراث السوري المـُـفتـرَض خصوصا بعد أن تلقــّـت أوروبا ضربة إقتصادية قاضية تعيش نتائجها اليوم من خلال أزمة اليورو بعد إهمالها مسألة إسقاط صدام حسين وفقدانها حصتها من احتلال العراق.

إذا هناك اليوم محاولة إثبات وجود في الشرق الأوسط من قبل قوى إقتصادية وحتى عسكرية وسياسيـّـة عظمى، منافسة إقتصاديا للولايات المتحدة (دول البريكس – دول اليورو)، ومنددة بتصرفات أميركا في الشرق الأوسط، وما رسالة الإتحاد الأوروبي للمالكي حول “وجوب قبول العراق بالحماية الدولية للمسيحيين” في أيلول/2011 سوى طعنة لسياسة أميركا التي تعتبرها أوروبا مهملة لمصير الشعوب الأصيلة في الشرق الأوسط ولكن كما جرت العادة، سكت المالكي وقفز يونادم كنــّـا مجددا بدون أن يطالبه أحد بذلك، مصرّحا عوضا عن المالكي وردّا على مطلب الإتحاد الأوروبي، بأنه ضد أي تدخــّـل خارجي في العراق متناسيا من الذي جلبه وأسياده إلى الحكم، وبأنه مجددا يريد “كل العراق” منطقة آمنة متناسيا بأنه يتمتع بحماية مسلحة بعكس شعبه الأعزل. ومن هنا، فإن مشكلة المهجر الآشوري هي أنه لا يدرس التغيـّـرات الدولية ولا يحاول دخول اللعبة الدولية، موهما نفسه تبريرا لكسله بأن “الواقع” في العراق على بعد آلاف الأميال، لا يسمح بذلك.

وكثيرا ما يتمّ تناول موضوع المنطقة الآمنة الذي طـُـرح مؤخرا من قبل ناشطين آشوريين مستقلين في المنابر الأوروبية والروسية، بشكوك غير مبررة، حيث يبدأ الساسة والمستكـتبون بالتحليلات السياسية والحكم على الأحداث قبل حدوثها… علما أنه ليست هناك أية مشكلة قانونية في طرح “المنطقة الآمنة” أو “الحماية الدولية” كون العالم المنفتح  يفهمها انطلاقا من حقوق المجموعات الثقافية المعرّضة للزوال، ووجوب الحفاظ على ثقافتها وفق القوانين الدولية أمام فرضيـّـة الواقع المرير… هذا لو تحرّك المهجر الآشوري بالشكل المطلوب تجاه قضيته العادلة… فما يحتاجه المهجر الآشوري هو تفعيل مسألة “الأمن الآشوري” في المنابر الدولية وبأسرع وقت، وكلما تأخــّـر في ذلك، كلما تعزّزت ذرائع الحــُـزيبات الآشورية وأسيادها من الأعداء حول “الواقع”، لأن هذا الواقع دائما يسير نحو الأسوأ مقارنة بالعقود الماضية … حيث لم يكن يوجد في السبعينات قبرا كرديا في نوهدرا (المكرّدة إلى “دهوك”)  –  بينما اليوم من النادر أن نجد آشوريا يعيش في منزل جدّه.

وفي النهاية، بعد أن جرب آشوريــّـو المهجر كل ذريعة لتغطية كسلهم وبعد أن أجبروا أنفسهم على تصديق ذرائع ساستهم لتبرير كسلهم، من الجدير بهم تجربة طرق أخرى، فالخوف لدى الشعب الآشوري هو الذي يجب أن يكون الدافع لنشر القضية الآشورية، والجبن لدى الساسة الآشوريين لن يعالـَـج إلا بالكيّ السياسي أو غير السياسي لو لزم الأمر، وبما أن قضايا الشعوب كلها تولد بعيدة عن الواقع ولكن من قلب الحقيقة، من هنا فعلى المهجر الآشوري الحرّ أن يعمل – على الأقل – حسب إمكاناته التي تختلف كليا عن إمكانات “الشعب” الآشوري تحت نير الإحتلال الكردو-إسلامي، وعدم الإكتراث للخطابات المملة للساسة الآشوريين المتسوّلين القادمين من تحت عباءة الإحتلال، وعندها فقط سيدرك المهجر مدى قوته، وهذا لن يتم إلا بواسطة الآشوريين الجاهزين فكريا وماديا، بالإضافة إلى الأغلبية الصامتة التي لا تشارك – مشكورة – في الإنتخابات الكردو-إسلامية في العراق، للقيام بتـأسيس مجموعات قومية ناشطة في بلدان المهجر وانتشار هذه المجموعات في الخارج ثم عقد مؤتمر عالمي يتبنـّى مطلب الأرض الآشورية بغضّ النظر عما إذا كان ذلك ضمن عراق واحد أو عشرة عوارق – فالأمن القومي الآشوري يجب أن يكون حتما فوق اعتبار عراق على هذه الشاكلة، إلى أن يتحوّل إلى “جمهورية أفلاطون” المثالية.

أحدث المقالات