23 ديسمبر، 2024 12:25 ص

الطريق السريع يمتد الى مسافاتٍ بعيدة. أشعة الشمس تتكسر على ألأسفلت عند ساعات الصباح ألأولى. المحامية – هيام- تقف وحيدة تحت أشجار النخيل القليلة الرابضة قرب الطريق كأنها تحرس ذلك الطريق منذ ألأزل. تيارالهواء البارد يصطدم بوجهها ألأبيض الجميل . بين فترةٍ وأخرى تمسح أنفها بمنديل ورقي ناعم ذو عِطرٍ جميل. أمجد يقف على بُعد أمتار تحت واحدةٍ من تلك ألأشجار ينظر الى ساعتهِ بقلقٍ ملحوظ. ينبغي علية أن يكون هناك في المحل عند الساعة الثامنة صباحاً وإلا سيتعرض الى توبيخات وكلمات لاتنتهي من صاحب محل بيع ألأدوات ألأحتياطية لمختلف أنواع السيارات.الشارع السريع خاوٍ هذا الصباح من كافة أنواع العجلات. شيءٌ غريب أن يحدث شيءٌ كهذا. كانت – هيام- تتطلع هي ألأخرى الى ساعتها وتطلق زفرة مسموعة كأنها تلعن حظها العاثر لعدم جلبها سيارتها هذا الصباح. إعتادت أن تذهب بسيارتها كل صباح الى – دار العدالة- التي تعمل فيها منذ عدة سنوات. عند الساعة السابعة والنصف صباحاً راحت أصوات الطلقات تهز المكان بشكل مخيف كأن حرباً ضروساً كانت قد عصفت على الشارع السريع. نظرت هيام الى جهة الشاب وكأنها تستفسر عن سر ذلك الرصاص المتطاير في كل ألأتجاهات. إحتمى أمجد خلف إحدى شجرات النخيل وهو يصرخ ناحية الفتاة الواقفة وهي ترتعش من أخمص قدميها حتى قمة رأسها. ” لاتقفي هناك..الوضع خطر جدا. تعالي وأحتمي هنا” . كان أمجد يتكورعلى ألأرض ورأسهُ بين يديه. بلا تفكير ركضت هيام وجلستْ قربه كأنها تنشد حماية خفية من شخصٍ ما. كانت تلك السنوات الممتدة مابين 2005 و2009 من أخطر المراحل الزمنية في تاريخ العراق الحديث. الطرق السريعة خطرة وعمليات القتل والغدر تقع في أي لحظة. الصراعات الطائفية على أشدها وكل طائفة تحاول السيطرة على ألأخرى تحت حجج وذرائع كثيرة . الخاسر الوحيد هو ألأنسان الفقيرالباحث عن لقمة العيش في أماكن مختلفة من البلاد.كان أمجد يتضرع الى الله أن تمر تلك اللحظات بسلام . 
عند حالات الخوف والمصائب تزول الحواجز بين ألأشخاص ويبقى الهاجس الوحيد هو النجاة من تلك العواصف الخطرة. راح أمجد يردد مع نفسهِ بصوتٍ مسموع ” الى متى نعيش هكذا وكأننا مشاريع مستديمة لرعبٍ وموتٍ طيلة ساعات الليل والنهار؟ أيُّ حياةٍ هذه التي نعيشها. لو كانت لدي القدرة المادية لهاجرتُ منذ زمن بعيد ” . كانت أنفاس هيام المتسارعة تصل اليه بوضوح. نظر اليها عن قرب وكأنه ينظر في وجهِ شبحٍ شارف على الذوبان من شدة الخوف. قالت بصوتٍ ضعيف ” هل ستصل إلينا الرصاصات المتطايرة على قمم اشجار النخيل؟ أشعر بالخوف . لو لم تكن سيارتي في التصليح لكنت قد وصلتُ الى المحكمة منذ زمنٍ طويل.” نظر اليها عن قرب وهو يقول ” أعتقد أن صاحب محلات بيع ألأدوات ألأحتياطية سيطردني هذا اليوم. أمس أعطاني إنذار نهائي في حالة التأخر عن موعد العمل. الثامنه والنصف صباحاً هو الحد ألأقصى للتأخر. كيف سندفع إيجار البيت؟ ماذا سأقول لأمي؟ شيء مؤسف حقاً هذا الذي يحدث لنا” . نظرت هيام الى وجه الشاب وهي تحاول تهدئتهِ هذه المرة ” لاعليك..الله كفيل بكل ألأرزاق. إذا طردك صاحب المحل سيفتح الله باباً آخر للرزق” . قال بعصبية ” أين ومتى ؟ جميع اصحاب رؤوس ألأموال لايعترفون بنا نحن الفقراء ولايهتمون للظروف التي نعيشها. كل يوم حينما أتأخر أبرر سبب تأخري بحالةٍ منطقية واجهتني في الطريق إلا أنه لايصدق أي شيء. يتهمني بالتحايل لدرجة أنني سأمتُ العمل معه” . إشتدت اصوات الرصاص من كل ألأتجاهات. راحت هيام تصرخ وتبكي وهي تمسك يد أمجد ” سنموت هنا هذا الصباح.. والدتي وحيدة في البيت. أريد الرجوع اليها. لن اذهب الى العمل. هل تستطيع أن ترافقني الى البيت؟ اشعر بالخوف الشديد .” نظر إليها بيأس وهو يقول ” حسناً سنعود معاً . 
لن أتحمل كلام صاحب العمل. سأترك العمل وأبحث لي عن شيء آخر. لكن لانستطيع الخروج ألآن . الرصاص في كل مكان. ننتظر بعض الوقت ثم نركض الى الوراء بأتجاه منازلنا.” عرف أنها تسكن في الشارع المقابل لشارعهم. سكت قليلاً بعدها أردف قائلاً ” حينما يهدأ الرصاص نركض بسرعة. سأحمل حقيبتك كي تتمكني من الركض بأقصى سرعة” . دون تفكير أعطته حقيبتها الدبلوماسية المليئة بألأوراق. على حين غرة صاح ” لنركض ألآن” . كان يمسك يدها بقوة كي لاتسقط على ألأرض. إستسلمت بطريقة عجيبة كأنها تعرفه منذ عشرات السنين. كانا يركضان وسط الطرق الضيقة بين المنازل المنتشرة على طول المسافة الممتدة من الشارع السريع الى المنطقة التي يسكنونها. عند باب منزلها سلمها حقيبتها ليعود الى منزلةِ. أصرت أن يدخل منزلها إلا أنه أخبرها بضرورة العودة للأطمئنان على والدتة. ” حسناً في المرة القادمة سأدعوك لتناول وجبة فطور جيدة” .إبتسمت وهي تودعة. على بعد خطوات التفت الى الوراء ليجدها لاتزال واقفة تنظر اليه. إبتسم لها . رفعت يدها وهي تصرخ سنلتقي في نفس المكان غداً. صرخ بأعلى صوته …غداً سابحث عن عمل جديد