23 ديسمبر، 2024 1:01 ص

حب الحسين بصيرتي.. لهذا نحيي ذكرى عاشوراء

حب الحسين بصيرتي.. لهذا نحيي ذكرى عاشوراء

ليس غريباً أن نسمع لحناً ما، فنجده ينساب في أعماقنا ويمتزج مع كلِّ ذرة في وجداننا وإيماننا.. ذلك لأن من أبدع هذا اللحن أودعه جزءاً من روحه؛ يتنقَّل معه من عالم الى آخر من خلال صوت مفعمِ بكرامة والانسانية والعدالة والمشاعر الجياشة.. وأحياناً يكون المبدع انساناً ساعيأً من نوع خاص، يرسل إلينا رسائل تتلاقى أرواحنا فيها مع الحروف لانها توضح لنا معنى الحياة السليمة والحرة النابعة من النفس الأبية والعزة والكرامة الصادقة بعيداً عن الشعارات الخاوية الملونة التي يطلقها البعض وتتشدق بها بعض المكاتب المنحرفة..

أو أن يكون اللحن من طائر يأخذنا بأعذب ألحانه كرسائل تسبيح تتهافت فيها نفوسنا الى عالم الملكوت شاغلة ألسنتنا بترديدها قياماً و سجوداً شكراناً وتحميداً لما منّ به الله سبحانه وتعالى من نعم لا تحصى ولا تعد.. فكيف إن كان العزف لحن شهادة والكلمات وصايا سيد شباب أهل الجنة ريحانة رسول الله (ص) أبي الأحرار وسيد الشهداء الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام داعياً الأمة للعودة الى الإصلاح الذي جاء به جده خاتم المرسلين (ص) أبيه سيد الأوصياء والأولياء (ع)، بقوله عليه السلام “

انه لحن ثورة عاشوراء الحسين السبط واهل بيته واصحابه الميامين المنتجبين التي تنادينا كل عام لإحياء ذكراها، حيث هناك حجم كبير من الأمة الاسلامية والبشرية لم يقف بعد على الأسباب والأهداف الرفيعة والسامية لثورة الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام وحفيد رسول الله (ص) في السنة 61 للهجرة بأرض كربلاء المقدسة ودوافعها، بسبب إعلام التزييف والتزوير الأموي الانحرافي المستمر في عالمنا الحاضر رغم اختلاف وسائله وحداثتها وتطورها ولكن الهدف واحد وهو إخفاء الحق والحقيقة عن المسلمين كي يبقوا على جاهليتهم النفاقية التي أرادها بنو أمية، كي لا تصلح الأمة وتعود الى اسلامها المحمدي الأصيل فذلك يسلبهم عروشهم وفرعنتهم وسطوتهم على الرقاب.

انقلابهم على أعقابهم بعد بيعة الغدير كما جاء تحذيره من قبل في القرآن الكريم “ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ” – سورة آل عمران، الآية 144، كان بداية الإنحراف عن مسير رسالة السماء السمحاء نحو العودة الى الجاهلية الأولى والقبلية والوثنية لكن من نوع آخر وبغطاء الشورى والتوريث وتزوير حقائق الدين حتى بلغت ثروته ببلوغ “يزيد بن معاوية بن أبي سفيان” الفاسق الفاجر شارب الخمر مداعب القردة قاتل النفس المحرمة السلطة عنوة وغدراً بعد أن نكث أبيه “معاوية” الصلح والميثاق الذي أخذه على عاتقه مع الأمام الحسن (ع) بأن يوكل الخلافة لأبناء الرسول (ص) كي يعود المسلمون الى رشدهم ودينهم القويم والصحيح الذي جاء به النبي محمد (ص) وليس ما يدعيه بنو أمية ومن قبلهم من جاء بشورى السقيفة.

الأمر هذا دفع بالامام الحسين بن علي (ع) القيام والانتصار للدين المحمدي الأصيل وتبيين ما جاء به جده الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى اهل بيته واصحابه المنتجبين، ووقوف المسلمين على حقيقة الدين الحنيف وإصلاح مفاسدهم والحيلولة دون استمرارهم في مسيرتهم النفاقية – الزائفة باسم الاسلام،  ومن هذا المنطلق كانت ثورته الخالدة في يوم عاشوراء من عام 61 ثورة اصلاح وتقويم الأمة ونهي عن المنكر الذي جاءت به بنو أمية بحلة الدين مما بلغت القلوب الحناجر لدى المؤمنين والخلص القلة من اتباع خاتم المرسلين (ص) ممن كان يحيط بأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام هذه الثلة التي سار بها الامام الحسين  بمعية أهل بيته الى أرض الغاضرية في العراق ليرسم لوحة التضحية والفداء والإباء بأروع ما يمكن أن تصور وتبقى شمس زاخرة لجميع الأجيال على مر العصور والقرون الماضية والحالية والقادمة.

اعلنها سيد شباب أهل الجنة انها ثورة ضد بني أمية هذه الطغمة الفاسدة والظالمة والمتجبرة والتي عاثت في الأرض فسادا تلك المجموعة الفاسدة التي كان هدفها إعادة أمجاد آبائهم وأجدادهم في الجاهلية ومواصلة مسيرتهم في محاربة الرسول الأكرم والدين الإسلامي الحنيف بجميع ما يملكون من وسائل وإمكانيات استخدموا بذلك شتى ادوات البطش والقهر للمؤمنين الضعفاء واتباعهم، فقدم جسده واجساد أبنائه وإخوانه وأهل بيته وأصحابه الميامين الخيار مقطعة إرباً إربا بحقد أبناء هند آكلة الأكباد دفاعاً عن حقيقة الإسلام والعودة الى قيمه الأصيلة ومعيبداً له عافيته وسلامته وللامة أمنها واستقرارها وهدايتها.. فكانت عاشوراء انتصار الدم على السيف درساً لا يستوعبه إلا أصحاب الضمائر الحية التي تبحث فحوى حقيقة رسالة السماء الإصلاحية السمحاء.

 

الامام الحسين عليه السلام أوضح ذلك بقوله: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين”- العوالم ترجمة الامام الحسين(ع) ص 179 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص188 والفتوح لابن أعثم ج5 ص21 وغيرها من المصادر.. فكانت فاجعة عاشوراء في أرض كرب وبلاء لوحة جسدت كل الإرهاب التكفيري بما تعني الكلمة من معان، حيث لم يسلم من بطش بنو أمية الطلقاء حتى الرضع ذوي الأشهر الستة لتريق دمائهم الطاهرة أرض العراق وتبقى نبراساً وصدحاً صاعداً للمقاومة والتضحية والصمود والإباء والفداء والوفاء بعز وكرامة نصرة للدين القيم والحق والمنطق والتصدي لظلم وجبروت وفرعنة وطغيان وعصيان الديكتاتوريين على طول التاريخ، معلماً تعلم منه حتى غير المسلمين.

البعض يعيب علينا إحيائنا سنوياً لذكرى عاشوراء, ويعتبرون ذلك الاحتفال لونا من البدع وخارجة عن الدين والملة, أو أنها اتباع ومحاكاة لما يفعله الأباء والأجداد دون تفكر أو تعقل؛ لكنهم لا يفقهون من أن سبب ذلك لن يعود كون الامام الحسين عليه السلام إمام معصوم مفترض الطاعة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية فحسب، بل ارتباطنا بالإمام الحسين وثورة عاشوراء الاصلاحية انما هو تجسيد للصراع بين الحق والباطل في أجلى صوره وأعمق معانيه وأبرز معالمه وأوضح طرقه.. فذكرى العاشوراء الحسيني يقوي فينا وفي نفوس أحرار العالم روح الاستقامة والمقاومة والكرامة والصمود والتضحية والفداء من أجل الدين والوطن والعزة والكرامة، وهو القائل في يوم عاشوراء “ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا شقاءاً وبرما”؛ ناهيك عن أنها تشدنا ارتباطنا الى الله سبحانه وتعالى أكثر فأكثر بإتباع ما جاء في القرآن الكريم “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ” – سورة الحج، الآية 38.

سيدالشهداء كان ثائراً بأسلوب داعية، وداعية في خط الإصلاح والتغيير.. بدأ نهضته وثورته الألهية عندما قيل له: “إنزل على حكم يزيد وابن زياد” فقال الحسين بن علي مخاطباً حاكم المدينة الوليد «أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله».. فقال الوليد: يا أبن رسول الله قولها أنها كلمة، فرد عليه الامام الحسين عليه السلام “أتعرف ما معنى الكلمة؟!”.. هنا صور الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي قول الامام الحسين عليه السلام: “أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمة دخول النار على كلمه وقضاء الله هو كلمه الكلمة لو تعرف حرمه زاد مزخور … الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري الكلمة فرقان بين نبي وبغي بالكلمة تنكشف الغمة الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة . عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم .. الكلمة زلزلت الظالم الكلمة حصن الحرية إن الكلمة مسؤولية إن الرجل هو كلمة، شرف الله هو الكلمة”.

دروس في الصمود والمقاومة والعزة والفداء والتضحية بأغلى ما يمكلك الانسان من أجل رسالة السماء وعزته وكرامته وحريته، اعطائها الامام الحسين عليه السلام في ثورته ضد الانحراف الأموي حتى خلال خطبته الشهيرة في جيش يزيد في يوم عاشوراء «أَيُّهَا النَّاسُ ! اسْمَعُوا قَوْلِي‌ ، وَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّي‌ أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ لَكُمْ ؛ وَحَتَّي‌ أُعْذِرَ إلَيْكُمْ ! فَإنْأَعْطَيْتُمُونِي‌ النِّصْفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ ! وَإنْ لَمْتُعْطُونِي‌ النِّصْفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو´ا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ! إنَّ وَلِــِّيَ اللَهُ الَّذِي‌ نَزَّلَ الْكِتَـ’بَ وَهُوَ يَتَوَلَّي‌ الصَّـ’لِحِينَ»، لتبقى كلماته نوراً ساطعاً في سماء المعمورة على طول التاريخ البشري يستنير به الأحرار والمقاومين الشرفاء من كل دين ومذهب وعقيدة بلوغنا للنصر المؤزر على المحتل والطاغية والفرعون والإرهاب التكفيري.

[email protected]