( أن الشعوب التي تمتلك حضارة عريقة وعميقة موغلة في القدم تمتد جذورها آلاف السنين ولها بصمة واضحة ومؤثرة على الحضارات المجاورة لها والدور الفاعل في تقدم الإنسانية والمجتمعات الأخرى تكون شعوبها أكثر تمسكا بأرضهم وحضارتهم وتأريخهم الذي بناه أجدادهم القدماء وبقي ارتباطهم بالأرض قويا لا يكاد يفارق نفوسهم وعقولهم وقد تصل هذه التضحيات تقديم أرواحهم وأجسامهم لتربة وطنهم دفاعا عنه ويعتبرون حب الوطن واجب مقدس والمساس به خطا أحمرا لا يمكن التعدي عليه وعلى حرمته على العكس من الذين يهاجرون إليه من بلدان أخرى ويستوطنون فيه يكون ولائهم أقل درجة من الشعوب الأصلية وخصوصا عندما يستلمون زمام السلطة والمراكز المتقدمة في الحكم وقيادة البلد حيث تراهم يتمسكون بدفة الحكم وعروشهم بشتى أنواع التشبث على حساب القيم والمبادئ وهمهم الوحيد هو كيفية ديمومة السلطان وهذا المنصب وقد يصل بهم الحال المناورة والمساومة على حساب الآخرين من أقرانهم وشركائهم في الوطن لأن نظرتهم للوطن هو ملك عضوض والاستعلاء والتكبر ووضع الفوارق الطبقية بين المجتمع ليكون لهم الفضل على الآخرين ودفاعا مستميتا عن المكاسب التي تدر عليهم بالكثير من المال والثروة . وهذا ينسحب على ما هو عليه في العراق الآن وما يعانيه من تكالب الأعداء وفي خضم الفوضى العارمة التي تجتاح أرضه وشعبه حين حكموه حكام على مدى سنين من عمره بالحديد والنار واستعباد شعبه بكل أطيافه الذين لهم الفضل الأكبر في بناء وإرساء حضارته وصموده أمام متغيرات الزمن ونوائبه غير مستعدين للتفريط بأي شبر من أرضهم ولو على حساب دماء وأرواح أبنائهم وهذا هو المقياس الحقيقي للانتماء للوطن وهذا ما يشهده التأريخ للعراقي الأصيل من أبناء أهل الجنوب والوسط بالذات حيث أن كل الثورات التي وقفت أمام تدنيس أرضه واحتلال شعبه من بعض المجموعات الفاسدة الحاكمة نهضت وولدت من رحم أمهات الجنوب ورايات رُفعت للنضال والمنازلة تحملها أكتاف أهل الجنوب والوسط دفاعا عن مقدسات وحضارة العراق الغالي لأنهم يعرفون امتدادهم الحقيقي لوجودهم على هذه الأرض المقدسة على مدى قرون عدة حيث ما زال هذا الشعب المعطاء يقدم ما هو الأغلى لديه من دماء مقدسة زكية طاهرة حفاظا على هذا الوطن العزيز ودفاعا شرسا ضد كل طامع ومحتل وسالب لحقوقه وتطلعات شعبه على العكس من غيرهم الذين يقفون في الجهة الأخرى من نهر الدم الجاري للمواجهة متفرجين ينتظرون الفرصة السانحة والجاهزة لركوب الموجة في السلم والهدوء والعودة إلى المركب على أكتاف ورقاب الضحايا والشهداء , فإلى متى سيبقى الطرف الآخر يتفرج من برجه العالي وهو يرى سقوط أبناء الوطن من الجنوب والوسط المدافعين عن حقوقهم ومقدساتهم ووطنهم المُضاع والمسلوب والمُباع بأبخس الأثمان والمتفرقة مكاسبه وثرواته في جيوب الآخرين وأحضان الأحزاب والفساد والسؤال إلى متى يبقى أهل الجنوب وقودا لنيران الأعداء في مواقد الحروب للدفاع عن وطنهم كما في ثورة العشرين وانتفاضة عام 1991 ميلادية وما يجري الآن على ساحات التحرير في المنازلة على خطى آبائهم وأجدادهم )