28 مايو، 2024 12:38 ص
Search
Close this search box.

حب ؟ … حب ايه اللي انت جاي تقول عليه

Facebook
Twitter
LinkedIn

 الحب شعور أزلي يسمو بالنفس ويجعل لحياتنا قيمة ومعنى . ففي الحب تمضي الحياة ، ومنه تنبع الرحمة التي لولاها لتحولت الحياة الى صحراء قاحلة تسكنها وحوش متقاتلة .
   الناس تعيش الحب كل لحظة  ، في حين أننا لا نتذكره الا في عيده السنوي لنقلد كألببغوات بعض مظاهر احتفال الناس برة به كتنفيس لتراكمات  كامنة في الصدور . وحتى هذا العيد يأبى ان يمر بصورة طبيعية. فتحسبا من أي اتفلات شعبي في التعبير عن الحب ، عززت الحكومة اجراءاتها الوقائية  للجم مثل هذا الانفلات وسد أية ثغرة  محتملة قد يتسلل منها الحب الى ظمائرنا فيفسد لود الشعب للشعب والشعب للحكومة الف قضية ، واصدرت الاوامر لعساكرها بتسكير جميع مداخل ومخارج العاصمة ، لأبقاء الحب خارج الاسوار لحين انتهاء عيده الميمون  أو الى حين اصابته بألياس فيقفل عائدا خاسئا الى قمقمه ، وان لم تنفع الاجراءات ، فسيتم عندها التصدي لحاملي فيروسه بقبضة حديدية ( لا تستخدم  عادة الا في حالات الخطر الكبير على الامن الوطني)  .
  لا يراد للناس ان يحنفلوا بعيد او فرح لأن ذلك يضر المزاج الوطني الذي يراد له ان يبقى متشنجا ، وينطلق هذا من وحي الواقع . فالحب مفقود بين طبقات السياسيين بالرغم من الابتسامات المصطنعة ، كما هو مفقود بين مكونات الشعب وأن كان بفعل فاعل . فنحن شعب عزمنا على تجفيف كل منابع الحب من عروقنا وغلق كل أقنية الرحمة التي تصب في نهر الحياة . وأحللنا بدلا منهما مشاعر الكراهية والضغينة والبغضاء .. وحتى التكفير.. بين مكوناتنا المختلفة ، وكل حزب بما لديهم فرحون .
   لا للحب ، ولا للفرح … ونعم ألف نعم لمواكب الندبة والنحيب ومهرجانات ومظاهرات الكراهية والتطييف . نعم وألف نعم للاقتتال القومي والطائفي ، ونعم للكاتم والساطور في صولاتهما لاستئصال الرؤوس التي مازالت تنبض بحب الجميع … او تؤمن بقيمة المحبة كوسيلة لغسل القلوب الملآنة ، فخطر هؤلاء على العملية السياسية أخطر من اولئك المجاهرين بالعداء .
   في عيد الحب يتبادل الناس الزيارات ويتهادون الورود تعبيرا عن مشاعر الود وتجديد الثقة ببعضهم البعض ، وفي عيد الحب نتبادل نحن التخوين والشتائم واتهامات العمالة الى غير ذلك ما تيسر في قاموس السباب … ونضرب منع تجول على مدننا واحيائنا ونقطَع اوصال شوارعنا لمنع الناس من التزاور وتبادل التهاني ومنع العشاق من التلاقي ، لان في “اختلاط ” الاجناس والاعراق والطوائف مفسدة ما بعدها مفسدة ورجس من عمل الشيطان يجب تجنبه ، والا بطلت صلاة الحاكم والحاشية المبجلة.
   نأبى ان نكون بشرا سويين ، ونصر أن نكون جنسا متمايزا عن خلق الله فنسبح دون الاخرين عكس تيار الحياة  لا هدف يوجهنا ولا غاية تجمعنا . نختلف في كل قضية ونضيع في تفاصيلها وعند كل زاوية نخفض اكتافنا ليركبنا الشيطان لنمضي معه الى المجهول .
   نحكم على انفسنا بجلد الذات والانغلاق عن الاخر ، في حين ان المنطق يقول اننا لو أمعنا النظر في مشاكل حياتنا لزدنا اقتناعا باننا بحاجة الى مزيد من الحب والرحمة  ” فالحب يجعل الحياة مقبولة بما يثيره فينا من احاسيس…والرحمة تلطف الحياة بخيرها ورقتها ” . وفي الحياة ليس هناك عداوة دائمة ، ” فكم من عدوً لعدوً بات صديقا له ……. وكم من صديق لعدوً بات عدوا له  “، ومن عتب على الدهر طالت معتبته .
   هل تتفقون معي اننا صرنا شعب غريب في وطنه بعد أن احتل غرباء الوطن وتحكموا به ؟ 
   ألا توافقوني ان الحياة في بلد كالعراق ، أصبحت عبئا ثقيلا ، أو أشبه بعقوبة أشغال شاقة ، ميدانها الرعب المستمر ، وفقدان ألامان ، وانعدام الثقة و… العيش الدائم في اللامعقول ( أين منها مسرحيات بريخت ) .
  لا ادري أية حياة تمضي بالانسان العراقي او يمضي بها … وكيف سيتناول المؤرخون دراسة هذه الفترة من تاريخنا والى أية استنتاجات سيصلون .
   ومن وحي عيد الحب أقول للطبقة السياسية  الحالية….المسؤولة الاولى عن اغتيال الحب في بلادي : في الطبيعة هناك شيء اسمه ” ما لانهاية ” ..فلا تحددوا فكركم وطموحاتكم في حيز محدود، وأحسنوا الظن بغيركم ، وسنكونوا ناجحين عندما تمنحوا الامل لليائسين . وامنحوا الحب للمكروهين وقدموا الخير حتى للحاقدين ، وكونوا كريمين مع المحتاجين . فالشجاع هو الذي يعتذر ، والقوي هو من يسامح ، والسعيد هو من ينسى ، فلا تكن مغرورا فتندم ولا تكن واثقا فتصدم . وتمثل بالشجرة الكريمة رمز العراق ، النخلة ، تتعالى بأخلاق فوق الاخرين وتنزًل الرطب اليك عندما ترميها بالحجارة . فأخرجوا من الشرنقة التي حشرتم انفسكم بها فحجبت نظركم عن رؤية شمس الحياة وحقائقها .
   ومن وحي عيد الحب اقول للشعب الصابر المحتسب : لا تيأس ، فكما في الرياضيات السالب بعد السالب يعني موجب ، فالمصيبة بعد المصيبة تعني الفرج . وكما أن بعض الكسور لا تجبر ( رياضيا ) ، فلا تشددوا الضرب لبعضكم كما يريدكم الاعداء . رصوا الصفوف تربحوا واحسنوا الظن بغيركم ، وغربلو امنياتكم ، فامنياتكم اليوم هي واقعكم غدا .
   والى أن تصفى القلوب ويحدث الحب الخرق الكبير في جدار الكراهية المصطنع والقائم اليوم ..سأبقى أردد وأياكم  : حب أيه اللي أنت جاي تقول عليه …. مع الاعتذار لكوكب الحب الخالد المرحومة أم كلثوم ………..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب