23 نوفمبر، 2024 12:35 ص
Search
Close this search box.

حبيب السامر يحاور المرآة بمحورية الآخر حبيب السامر يحاور المرآة بمحورية الآخر

حبيب السامر يحاور المرآة بمحورية الآخر حبيب السامر يحاور المرآة بمحورية الآخر

دال السارد و انقسام زمن الدلالة
ان القصيدة في تجربة ايقونية الشاعر حبيب السامر ، تبدو هي اللحظة التي تستمر عبر ماهية الاستفسار و التساؤل و البحث في اعماق الذات المتكلمة و امتحان لضمائرية الانا الواصفة في اكتشاف واقع نظرية الكلام و وصفية دلالة الآخر المتحاور في أفق تجلياتها الالتزامية في مديات الخطاب الشعري . و على هذا الاساس فأننا اليوم لنا قراءة تكوينية و تأويلية لقصيدة ( و لا على المرآة حرج ) . هذه القصيدة التي احتلت لذاتها ، حيزا مؤثرا في مسارية نفسانية المتلقي و القراءة ، حيث أنني كلما عاودت قراءتها في مرات عديدة ، أجد الشاعر السامر ، قد راح يحفظ من خلالها كل اختياراته الدلالية و المقصدية و العلاماتية ، و دون أدنى توقف منه ، أو كلل أو تأجيل :

غرفة

تحدها الشمس ذات اليمين

و القمر في ليال عسر

مرآة تتوسطها ،

على حائط املس

تفضح ، أو تكتم خيباتي .

من خلال هذه المدخلية النصية القارة في القصيدة ، نلاحظ بأن السامر يقودنا ، داخل روابط مكانية و وصفية ، تقترب من حدود نمطية المسرود القصصي ، فيما تتوجه فضائية الدوال على نحو صياغات افتراضية زمنية ، من قيمة المعنى المشهدي المطروح في الاداة المكانية في النص . فمثلا لعلنا سوف نتعامل مع فقرة هذه الجملة ( غرفة : / تحدها الشمس / ذات اليمين ) على اساس ابعاد هندسية معمارية ، و ليس شعرية موضوعية في حالة الموصوف ، لأن في الواقع ما قد جاء في ترسيمة هذه المقطعية ، ما يوعز إلى تكوينات دوال تتطلب من قارئها ، ثمة وعي رياضي في استخدامات مسافات الاشكال و البنيات المكانية : ( غرفة / تحدها / شمس / اليمين ) . ان ملفوظات هذه المساحة التكوينية من الحس التصوري بالأشياء ، راحت تتبع جملة تواصيف مشروع ظاهرة غرضية ما ، خصوصا في حال هكذا توصيف

( القمر في ليال عسر ) ان ملفوظية دال ( قمر : عسر ) تقودنا نحو فضاءات تجاورية القيمة و التنافر في الوقت نفسه، فمثلا ما شكل تحول ( ليلة قمرية ) إلى حلولية مزاولة صفة

( عسر ) و بطريقة يشوبها الاغتراب و المفاجئة : أهناك أمرا ما مخبوء من زمن الخطاب النصي ؟ أم ان طبيعة القمر هي من بات يعد كمرجع تحولي من قيمة ذلك المتغير العلائقي في الشكل الملفوظي ؟ . ( مرآة تتوسطها / على حائط أملس ) ان الحال على ما هو عليه لحد الان في فضاء المتشكل الكلامي و دون معرفة ثمة معطائية جديدة في جوهر القول ، بأستثناء احتمالية التطابق و عدم التطابق في دلالات هذا الربط الوصفي في المقطع الشعري : ( تفضح أو تكتم خيباتي ) . ان ما تفصحه هذه المقطعية الأخيرة , هو ما يشكل في الأن نفسه , نشاطا ضمائريا واضح , من جهة المعلوم المتكلم و الذي هو

بمثابة الاداة الراوية في النص ( تكتم خيباتي ) . و بهذا الحال صار معروفا صوت المتكلم في المقاطع , و إلى ماذا هو يشير اليه : ( لأنني عالق بها / تحدثني كل صباح / بايماءات مصقولة / تقول كل شيء / و أيضا تحتفظ بكل شيء) . ان هذه المرحلية من مقاطع القصيدة ، تحاول الافصاح عن أفق استحضاري ، من دليل اشتراطات العلامة التصورية من فضاء حوارية ( الأنا الشاعر ) مع عين كاميرا تلك المرآة ، و إلى حد وصول الأمر ، إلى مثل هذا القول

( لأنني عالق بها / تقول كل شيء / وتحتفظ بكل شيء ) . ان وصول العلاقة ما بين ( الأنا / المرأة ) إلى زمن متحرك من ذاكرة حلمية و وهمية ، ما جعل موقعية المشار اليه ، تتعزز بحدود انتماء متحاورية شفرة الآخر في ضمير تلك المرآة .

( الزمن الشعري في اتصالية الدال الحاضر)

لاشك ان قراءة قصيدة ( و لا على المرآة حرج ) تضعنا داخل شبكة زمنية مرتبطة بمسارات دوال حاضرة من فاعلية حرية اختيارات التنصيص المتخيل في الصورة الشعرية , و على هذا وجدنا من الضروري معاينة الزمن في القصيدة , بموجب اتصالية فضاء الدال المتصل و حدود الافتراضات الفضائية من بنية تحاور مقاطع النص :

تطيل المكوث أمامي

تتأمل جسدي ,

شكل شعري

لون عيني

و لا على المرآة حرج .

ثمة على القارىء في هذه المقاطع معرفة استدراك تحركات الزمن في مقاطع دوال و أفعال هذه المقطعية ، فعلى سبيل المثال ، نلاحظ هذا التشكل السكوني الذي في بداية مقاطع النص الأولى ( غرفة تحدها الشمس ) ثم كيفية تحول الأمر بعد ذلك في حدود هذه الجملة الجديدة ( تطيل المكوث أمامي) أمام هذا هل بوسع المتلقي معرفة ، مجريات زمنية المحكي ، و كيف هو الأن في منطقة المغايرة الملفوظية من مساحة هذا القول ( لون عيني / شكل شعري / تتأمل جسدي / ولا على المرآة حرج ) . ان اتصالية الدال المركزي المعنون بباقي فعاليات فضاء المقاطع الأخرى , راح يوظف الأشياء و الأوصاف ، بطريقة المروي الظرفي ، و على نحو بات تصعيدي , مزاوج لتمظهرات الحالات الضمائرية الاخرى ، من نسق التسمية الدالة في النص : ( تطيل المكوث / ولا على المرآة ) . ان هذه الافتراضية من الشاعر في هذا القول ، اخذت تدير شؤون اتصالية أفعال الدال المركزي ، على نحو يضمن لعلاقة السياق بالأشياء الواصفة ، سلامة مروية خاصة على شرعية المتخيل العام في النص , و ما يترتب على هذا الأمر ، من روابط بنائية حيوية الاتصال بهوية الأنا و الآخر . ان حبيب السامر من كل هذا , كان يحاول ربط علاقة الآخر بماهية الدال المركزي , الذي هو ( ولا على المرآة حرج ) حيث أضحت لنا الأشياء في القصيدة ، بمثابة المحاولة لأكساب النص محورية عامة من حضورية المعنى المتماسك ، وحساسية تناظر المتن و البنية الخطابية المتضافرة .

أنت ..

كاتمة سري ، حافظة عهدي

كم بكيت و أنت تلتقطين سخونة دمعي

و كم شكوت انكساراتي

يا أنت ..

بالأمس تركنا بقايانا

ضحكنا طويلا

على وقت مضى .

تظهر في هذه المقاطع بوضوح تام ، شكلية طبيعة اتصالية الزمن المتني بدال المركز العام في القصيدة ( المرآة ) لتتوضح من خلالها حقيقة ( المسكوت عنه ) فيها : ( أنت / سري / عهدي ) لكن من جهة ما تبدو علاقة الترابط في هذه المقاطع , قد حلت اتصاليا بزمن تصعيد الضمائر المخاطبة

( الأنا / الآخر / المرآة ) حيث تبدو أكثر ايغالا في رسومية السعي نحو السؤال في منطقة الآخر ، و منطقة حركية الحوار مع المرآة : ( كم بكيت / و أنت تلتقطين / سخونة دمعي ) من هنا تبدو هذه الاتصاليةالزمنية في دال هذه الجملة بمثابة الحصول الاستنطاقي لضمير النتيجة المقطعية المضمرة في القول الآخر ( و أنت تلتقطين ) لاسيما و ان الشاعر كان يحاول من خلالها الأفصاح عن هوية المتكلم ، و ذلك بموجب استنطاق خلفيات العلاقة مع تلك المرآة التي هي طويلا ما حملت ، صورته و هو يفرغ بما تحمل هواجسه الذائبة على سطح احتضاناتها المعكوسة في ذاتية المتكلم :

( بالأمس تركنا بقايانا / ضحكنا طويلا / على وقت مضى ) .

تتحرك مبادرة الاعتراف و الافصاح هنا ، من جهة الراوي و على نحو يوفر لمتاهة المتكلم ، ثمة زمانية و حياتية ، محملة

بدموع و أوصاف الشاعر , حيث نجدها مؤسطرة بصورة انكساراته الذاتية و العاطفية ، لتكون النتيجة القصوى بعد ذلك ، مجرد الاستذكار و الاستحضار من ملامح فضاء صوت

( الأنا ) و هي تستسلم لراحة الصورة الحلمية في المرآة ، و المتصلة بزمن اختزالات القول الآخر من الصورة الشعرية :

( أتذكر أني تركت وشما / على جبهتك / و أنت تلمحين تساقط الرذاذ على سريري ) . الراوي في هذه المقاطع من القصيدة , يحاول توسيع القراءة النواتية ، بفعل صلة المشار اليه ، ولا حد ان القارىء ، يتوهم أحيانا بأن المتكلم هنا ، هو صوت المرآة الآخر ، و ليس ضمير الشاعر المباشر في صورة المرآة :

كم أخاف عليك من أبخرة تتطاير في فضاء الغرفة

سأمكث معك

في غرفتي

تحدها الشمس الهابطة من عرشها

و في الليل يرافقك القمر في رحلة اللذة

أتقمص عاطفتي

أخلع معطفي

و أنت تنظرين الي .

ان حبيب السامر في متابعة و بناء أجواء هذه المزاوجات الصوتية و الدلالية المشتركة في قصيدته ، قد خلق لنا ثمة انطلاقية ابتداعية و ابداعية ، غير ملحوظة هذه الايام في القصيدة لدى الشعراء أو أشباه الشعراء . ان نموذجية قصيدة المبدع حبيب السامر ، لربما هي بمثابة لحظة الانفلات عن تقليدية وصايا قوالب الموضوعة و الشكل المتني و البناء

المضموني بصفة عامة . بل و الأكثر من هذا ، ان هذه القصيدة للشاعر ، قد جاءت خطابا تداوليا واضحا و صريحا ، في طرح انطباعات و تصورات الشاعر ، و بمفهوم راح يسوغ لذاته كافة مسببات وجوده الجوهرية و الحسية و الخطابية ، و بصياغة تستدعي الايقاع القرائي المتواصل و الموثق من حياة القصيدة الجادة و الجديدة ، في تقديم توالداتها الشارحة و الواصفة لمقومات ، خصوبة الافكار و النموذج النصي .

( ما لم تستطع ان تقوله القصيدة )

إلى جانب انطباعات كلام مقالنا هذا عن قصيدة الشاعر ، أود ان أشير إلى ثمة وجهة نظر شخصية خاصة برؤية كاتب هذا المقال ، في الحقيقة كانت قد لازمتني طويلا و أنا أدون و اسجل وقائع قراءتي عن فضاء قصيدة الشاعر : كم كان جميلا لو ان الشاعر بات يخصص مجالا ما أو مرحلة ما في مسافة النص ، تكون بدورها مقتصرة على ما تقوله المرآة بدورها للشاعر ، طالما ان صوت الأنا في القصيدة ، قد أخذ لذاته نصيبا كبيرا من القول عن صورته و حياته فوق تلك المرآة : فإذن لماذا لم يتيح الشاعر لمرآته ، الحق في البوح عن صورتها المعكوسة و المرسومة في ذائقة الشاعر و أشياءه . أليس لصوت المرآة ذلك ثمة دور في تجسيد تصورات و هواجس الشاعر فيها . فإذن لماذا لم يجعل الشاعر لصوت المرآة ذلك الحضور التمسرحي و الخطابي في دلالة الافصاح عن خلجات الشاعر في صورتها الباطنية في ذاتها . على أية حال يبقى الشاعر حبيب السامر ، مع أجواء شعريته بشكل عام ، يشكل ظاهرة شعرية ملفتة و هامة

، حيث ان شعريته لاتميل إلى الزوائد و الثرثرة و كثرة الكلام ، فيما انها تنشغل بالكيف لا بالكم ، و تنقل اشتغالها من المستوى الكمي إلى المستوى النوعي ، موظفة مقصدية الايجاز و التكثيف ، مركزة اشتغالها على الدال المركزي ، إلى حد يجعلها تبدو أشبه بالضربة الشعرية المفاجئة و المؤثرة على فواصل انتهاك الحدود ما بين لغة الواقع و لغة المتخيل ، و استنطاق الغريب و المهجور و اللامتوقع من فضاء مسارية محورية الآخر في النص الشعري .

أحدث المقالات

أحدث المقالات