يبدو ان العراقيين لم يتعودوا على رؤية الدخان الابيض وانما اعتادوا على كثافة الدخان الاسود المتصاعد في سماءهم الصافية . مرت (10) عشر سنين والعراقيون لا زالوا يتحدثون عن صناعة غدٍ افضل يحمل بين طياته ملامح الحياة الجديدة التي نحلم بها منذ عقود طويلة ، جراء تناقضات سياسية محتدمة لم يألفها البلد سابقاً . ولو اجرينا مقارنة بين العراق بعد تاسيس الدولة الحديثة عام 1920م وما يجري الان نراه يكاد متشابه والفارق الوحيد ان امكانيات الدولة المالية اليوم افضل حالا مما كان سابقا لمحدودية ثرواتها ، ولكن استطاعت نخبة سياسية ان تؤسس دولة وبالتأكيد ان مرحلة التأسيس اصعب حالا من مرحلة الترميم وادارة الدولة ، وكان من بينهم المرحوم ( نوري السعيد ) عندما شاهد برؤيته الثاقبة وبراغماتيته الواقعية وحنكته السياسية والعسكرية ان العراق مهدد من دول اقليمية ودولية وعلى راسها تركيا وايران واطماعهما فيه ، فضلاً عن قناعة الغرب بابقاء العراق ضعيفاً وعدم تزويده بالسلاح خوفاً على دويلة ( اسرائيل ) المُعلنة حديثاً ، ففهم اللعبة وراح يُقنع الغرب بانشاء حلف عسكري سمي بعدها بـ (حلف بغداد) فاجبر الغرب على تزويد العراق بالاسلحة لانه اضحى البوابة الامامية بوجه المد الشيوعي ، وبالتالي تمكن من حماية اراضي العراق من تدخل واطماع تركيا وايران العضوين في الحلف . ونال ما نال ( نوري السعيد ) من النعوت والصفات بالعمالة وخدمة الاجنبي . في المقابل تراه باسماً امام الاهوال لا تهزه اعباء الدولة الجديدة الخاوية ، وحذر من الاحزاب وقال ( ان الاحزاب هي التي حرمت العراق من الكفاءات ) . حريُ بساستنا ان يتمثلوا بهذا الرجل الذي لم يترك العراق الا وهو جثة هامدة ويتعلموا منه السياسة الناعمة التي تُستخدم اليوم من قبل امريكا وهو مارسها قبل اكثر من (60 ) عاماً . وعلمَ الشعب ان المسؤول ينبغي ان لا يتأخر طويلاً في اصدار القرارات المصيرية . اما ساسة اليوم لم نجد الا ازمة بعد اخرى يرافقها الويل والثبور و باتت السياسة لعبة قمار بايديهم . السؤال المطروح لماذا لا تطلقوا الدخان الابيض يوماً دلالة على اتفاقكم ، بدلاً من الدخان الاسود الكثيف الذي تنشروه ، ام اننا في حالة ترقب لنشاهد في سماءنا الدخان الابيض الموعود مثل كرادلة النصارى المجتمعين في الفاتيكان ليعلنوا انفراج الازمة وانتخاب بابا جديد .
[email protected]