منذ نعومة أظفاره ، كان الكاتب والصحفي والاعلامي البارز حامد شهاب قد عشق مهنة الصحافة وتعلق بقصور صاحبة الجلالة ، ودخل عالمها قبل أن تطأ أقدامه أرض قسم الصحافة بكلية الاداب جامعة بغداد عاد 1974 ، الذي كان محطة إنطلاق قطاره الابداعي المتميز ، الى حيث يأمل أن يكون!!
مسيرة الكاتب والاعلامي والصحفي المبدع حامد شهاب ، الذي رافقنا رحلة العمر الصحفي الطويل ، أردنا من خلال سرده لنا لسفر مسيرته الشخصية والصحفية ، ان نلج عالمها منذ أيام صباه ونشأته بإحدى قرى محافظة الانبار التابعة لمدينة الرمادي ، وهي منطقة البوذياب ، ذات الارث العشائري الواسع ، حيث تتميز تلك العشيرة عن بقية العشائر من حيث سعة إمتداد رقعتها الجغرافية وعدد نفوسها ، التي هي إحدى عشائر الدليم المعروفة ، لتشكل مصدر إنطلاقته الاولى في الدراسة الابتدائية في الستينات من القرن الماضي .
الزميل حامد شهاب من مواليد الرمادي 1954 ، دخل مدرسة الرائد الابتدائية في العام الدراسي 1960 _ 1961 ، حيث كان مديرها المرحوم الاستاذ فاضل الجنابي ، وكان الزميل حامد شهاب ـ كما يقول ـ يساعد والده في مجال الزراعة ، كون المنطقة زراعية ، واصبح لديه خبرة في زراعة بعض المحاصيل الزراعية ، ومن ثم انتقل الى مدينة الرمادي لاكمال مرحلة الدراسة المتوسطة في متوسطة الاحرار ومن ثم مرحلة الثانوية في ثانوية الرمادي ، والتي قضى فيها مرحلة الصف الرابع العام ، ومنها انطلق الى اعدادية فلسطين بمنطقة الصوفية، وقضى مرحلتي المتوسطة والاعدادية يقطع مسافة عشرة كيلومترات يوميا على دراجة هوائية، في الصيف اللاهب وفي برد الشتاء وامطاره الكثيرة ، واكمل دراسته الاعدادية برفقة زملاء بينهم الزميل سعدون جوير الدليمي ، الذي اصبح فيما بعد وزيرا للدفاع ووزيرا للثقافة .
ومن هناك انطلق عام 1974 الى بغداد ، حيث كانت رحلته الاولى الى عاصمة الرشيد ليقبل بقسم الاعلام بكلية الاداب / جامعة بغداد ، ومنها انفتحت أمامه عوالم الصحافة من أوسع ابوابها!!
في المراحل الاخيرة من صفي الخامس والسادس من مرحلة الدراسة الابتدائية في الستينات ، كان الطالب حامد شهاب من الاوائل على مدرسته كل عام ، لكن أحد إهتماماته الاخرى هو الراديو ، كونه وسيلة الاعلام الاولى التي كانت تعرفها منطقته في ذلك الوقت ، ولم يعرف التلفزيون والصحف ربما الا في مراحل الثانوية!!
كان الطالب حامد شهاب في نهايات الستينات وبداية السبعينات شغوفا بمتابعة اخبار اذاعات البي بي سي وصوت أمريكا وصوت المانيا وراديو موسكو وصوت العرب من القاهرة ، وكل الاذاعات التي تبث برامج ذات طبيعة اخبارية باللغة العربية وبخاصة صوت اسرائيل التي كان يتابع ما تبثه من مقالات صحفية لمعرفة كيف يفكر الاعداء ، وتوجهات الصحافة العربية انذاك ، وكذلك بقية الاذاعات ومنها اذاعة لندن واذاعات بغداد واغلب اذاعات الدول الاشتراكية!!
ومن خلال متابعته الطويلة لاخبار ومقالات تلك الاذاعات تولدت لديه ثقافة اولية والمام أولي بكيفية كتابة المقالات والفنون الصحفية الاخرى ، كما كان مولعا بالشعر العربي وحفظ قصائد كثير من الشعراء العراقيين والعرب.
وكان قد قرأ اول مطبوع ادبي شعري وهو كتاب ( مقدمة وستة شعراء ) للشاعر طلال سالم الحديثي وهو ما يزال في الصفين الخامس والسادس الابتدائي ، وفيه قصائد لشعراء عراقيين ستة أبرزهم الاديب والشاعر العراقي الكبير سامي مهدي وشعراء آخرين .
وكانت تلك القصائد التي كتب أغلبها بأسلوب الشعر الحر ، قد حركت فيه كوامن الكتابة الادبية ، ومن ثم كانت مرحلتا المتوسطة والاعدادية في منتصف الستينات والسبعينات ، ليبقى يتصدر المراتب الاولى في تلك المراحل .
كان يعشق اللغة الانكليزية وكان أمله ان يدخل عالمها بعد تخرجه من الاعدادية ، لكنه دخل عالم الصحافة لان معدله باللغة الانكليزية كما يقول ، كان يحتاج انذاك الى درجتين بكلية الاداب لكي يلج عالمها ، ورضي بقسمته بعالم الصحافة ، وتخرج من قسم الاعلام / فرع الصحافة عام 1978 ، لكنه دخل دورات صحفية في اللغة الانكليزية في الثمانينات ، وكان من أوائل طلبتها المتخرجين ، في أحد معاهد تدريس اللغة الانكليزية ، واعد في وقتها قصيدة باللغة الانكليزية في دورة دخلها في التسعينات ، كونها كانت دورة متقدمة لفترة ستة أشهر بمنطقة الوزيرية !!
قصته مع الصحافة برزت في مرحلة الرابع العام الاعدادي ، عندما طلب منهم أستاذ اللغة العربية سهام الكبيسي طيب الله ثراه ، كتابة مقال انشائي عن القضية الفلسطينية والسلام وموقف الامم المتحدة من القضية الفلسطينية ، التي كانت تشغل العالم انذاك من أقصاه الى أقصاه .
وما أن إطلع أستاذه على دفتر إنشائه حتى علق عليه بالقول : (هذا مقال صحفي وليس موضوعا إنشائيا ) ، بالرغم من انه لم يعرف أساليب كتابة المقال الصحفي بعد ، ولم يتعلم أسس وفنون الصحافة ، لكنها كانت محطته الاولى التي إنطلق منها الى الكتابة .
وكان حامد شهاب مولعا بقراءة القصص الادبية وبخاصة كتب ومؤلفات الكاتبين المصريين الكبيرين أنذاك سلامة موسى ومصطفى لطفي المنفلوطي ؛ حيث كان كتابه / العبرات والنظرات / من أوائل القصص التي عشقها ويكاد يقرأ قصصها كل يوم ، وهي من أضفت على عالم الكتابة لديه إسلوبا ادبيا نما وترعرع ، فاصبح مولعا بهذا الفن الادبي الذي له صلة بالقدرة على التعبير .
وكانت اللغة العربية عالمه الكبير الذي عشقه وابدع في علومها واجاد قواعدها وحفظ الكثير من قصائد الشعر العربي في الحماسة والغزل ، حيث كانت قصائد الثورة هي التي كانت تحرض الشباب انذاك لولوج عالم السياسة ، ودخل عالمها بداية السبعينات ، وكانت توجهاته عروبية أصيلة ، وكان وفيا لتلك المثل العليا ، على امتداد مسيرته المكللة بنجاحات كثيرة!!
وما إن دخل قسم الاعلام بكلية الاداب / جامعة بغداد عام 1974 في عهدي الدكتور خليل صابات واستاذ العلاقات العامة الدكتور مختار التهامي رحمهما الله وهما من مصر ، والدكتور سنان سعيد ، والدكتور ابراهيم الداقوقي رحمهما الله واخرون ، حتى دخل جريدة الجمهورية وتدرب فيها ، وكان اول بداية انطلاقة مرحلته التدريبية في العمل الصحفي في 11 / 11 / 1974 ، واستمر يعمل بالمكافأة فيها سنتين ، ثم صدر أمر تعيينه بقسم الاخبار بجريدة الجمهورية في 1 / 6 / 1976 ومنذ ذلك الوقت كانت انطلاقته في جريدة الجمهورية محطته نحو ولوج عالم الصحافة من أوسع أبوابها .
ومن زملائه بقسم الاعلام ، كاتب هذه السطور ، واصبحوا أساتذة فيما بعد الدكتور هاشم حسن الذي اصبح عميدا لكلية الاعلام قبل سنوات ، والدكتور كامل خورشيد عميد كلية الشرق الاوسط في الاردن ، ويشغل الان معاون العميد فيها ، والدكتور طه جزاع استاذ الفلسفة بجامعة بغداد وزملاء كثيرون ، ومنهم الدكتور عبد الرزاق الدليمي والدكتور صباح ناهي والدكتور عبد المطلب محمود والدكتور محمد صاحب سلطان .
كما كتب الزميل حامد شهاب محاولات شعرية ومقالات بمجلة الف باء في سنيها الاولى ، ومن اوائل من عمل معهم في ميدان الصحافة بقسم الاخبار بجريدة الجمهورية الصحفي الكبير نصير النهر والزملاء الاعزاء زهير العامري ومنذر آل جعفر والشاعر سالم كاظم وسكرتارية التحرير فيما بعد الزملاء عماد آل جلال واكرم سالم والشاعر عيسى العبادي والصحفي المرحوم ضرغام هاشم والصحفي زيد الحديثي والاستاذ حسين فوزي رئيس قسم الاخبار في عهد رئيس التحرير الاستاذ سامي مهدي ، وقبله رئيس قسم التصحيح الاستاذ فاضل العاني رحمه الله والاستاذ حسام ، وزملاء كثيرون بينهم الاستاذ باسم الشيخ والاستاذ مجيد السامرائي.
وقبلهم في السبعينات ، تدرب مع الاساتذة الكبار في الشأن الصحفي انذاك مظهر عارف وحسن السعدي واخرين ، وكان الاستاذ سجاد الغازي احد اعمدة الصحافة ومخضرميها الاوائل بعد رئيس تحرير جريدة الجمهورية المرحوم الاستاذ الكبير سعد قاسم حمودي ، الذي كان له الفضل الكبير في تعيينه بجريدة الجمهورية منتصف السبعينات ، كما يقول ، والاستاذ المرحوم عبد الله حياوي الذي كان معاونا لرئيس قسم الاعالم ، وهو من ادخل بعض طلبة الاعلام للتدريب بجريدة الجمهورية عام 1974 بضمنهم الزميل حامد شهاب والزملاء هاشم حسن وكامل خورشيد ، يوم كان يعمل الاستاذ حياوي بصفحة آفاق التي هي أحد أهم صفحات جريدة الجمهورية في قسمها الثقافي والادبي !!
عمل الزميل حامد شهاب في انشطة الاتحاد الوطني لطلبة العراق بكلية الاداب جامعة بغداد منذ منتصف السبعينات ، وكان من مسؤوليه المثابرين في العمل النقابي الطلابي ، في عهد تولي الاستاذ الكبير محمد دبدب رئاسة الاتحاد الوطني لطلبة العراق لسنوات ، وزملاء آخرون بينهم الاستاذ جاسم الشيخ والاستاذ طه جزاع والاستاذ هاشم حسن .
وفي عام 1978 زار الصحفي حامد شهاب دولة الكويت مع وفد طلابي كبير من قسم الاعلام بفرعيه الصحافة والاذاعة والتلفزيون ، وقد إستقبلهم الاخوة الكويتيون على أعلى المستويات في دور الصحافة الكويتية بترحاب واهتمام كبيرين ، وزاروا صحف القبس والانباء والرأي العام والوطن ودائرة الاذاعة والتلفزيون الكويتية ، واطلعوا على طبيعة عملها ، التي كانت في ذلك الوقت في أعلى مراحل تقدمها ونهوضها الصحفي المتسارع والكبير ، وكانت أول سفرة صحفية له منذ ان كان شابا في مقتبل العمر الصحفي ، ويعدها من أجمل سفرات العمر في حياته!!
وللفترة ما بين 1978 و2003 كان الكاتب والصحفي حامد شهاب يعمل باحدى دوائر رئاسة الجمهورية في ميدانها الاعلامي والصحفي في اعداد نشرات اخبارية ومتابعات خاصة للاحداث العربية والدولية المهمة انذاك ، حتى وصل الى درجة رئيس تحرير قسم الاخبار فيها ، ثم انتقل في اعوام 2001 و 2003 للعمل الدبلوماسي باحدى السفارات العربية ، وبقي فيها سنتين ، في الميدان الخاص بمتابعة العمل الصحفي والثقافي العربي وتوطيد دعائم علاقات العراق مع أشقائه العرب ، وزار قبلها دولا عربية ودولا اشتراكية في الثمانينات ، حيث كانت تونس الخضراء محطته الاولى وقضى فيها عشرين يوما ، كما زار باريس واثينا .
كما زار يوغسلافيا عام 1982، برفقة وفد اعلامي برئاسة الدكتور ماجد السامرائي مدير عام دائرة الاذاعة والتلفزيون والاستاذ جواد العلي مدير اذاعة بغداد وزميل آخر للاعداد الاعلامي لمؤتمر قمة دول عدم الانحياز الذي كان مقررا ان يعقد ببغداد.
واستقبل الوفد العراقي ، كما يقول الزميل حامد شهاب ، بحفاوة بالغة على أعلى المستويات ، لكن احداث الحرب العراقية ـ الايرانية أجلت انعقاده ببغداد ، بالرغم من ان العراق انهى كل ترتيبات عقده ، وكان متهيئا لاستقبال وفود وقادة دول العالم ، حيث كان التقدم في هذا البلد قد احتل مراحل كبيرة في عهود التنمية الانفجارية!!
وما بين أعوام 2005 وحتى عام 2021 عمل الزميل حامد شهاب في عدة صحف وقنوات فضائية ، حيث عمل بجريدة الفرات وصحيفة الافق مع الدكتور طه جزاع ، والوكالة الوطنية العراقية للانباء / نينا/ مع زميل عمره حارث محمد فرج ، وجريدة بغداد في عهد تولي الدكتور اياد علاوي منصب سكرتير التحرير فيها ومع رئيس تحريرها الاستاذ الكبير زيد الحلي.
كما عمل في جريدة الدستور مع الاستاذ باسم الشيخ كمسؤول عن قسم الاخبار ، ومن ثم في صحف اخرى وكانت قناة الرشيد الفضائية احدى القنوات التي عمل فيها مع الاديب والروائي والاعلامي الكبير الاستاذ أمجد توفيق ، الذي قضى معه ما يقرب من عشرين عاما من العمل برفقته ، كما عمل معه في إحدى المكاتب الاعلامية لاكثر من خمس سنوات!!
إنشغل الكاتب حامد شهاب بتأليف كتبه في مجال الاعلام والحرب النفسية وتسريب الاخبار خلال الاعوام الاخيرة ، حيث أصدر كتابه الاول عام 1919 بعنوان ( فن تسريب الاخبار والحرب النفسية ) الذي صدر عن دار الجواهري للنشر، وكتابه الاخر الذي صدر في الاردن بعنوان (تسريب الاخبار والحرب النفسية في اجهزة المخابرات) عن دار أمجد للطباعة والنشر ، وهو أهم كتاب بحثي في ميدان لم يطرق أبوابه أحد من العاملين في الشأن الاعلامي من قبل ، كونه يتعلق بمهمة إعلامية تدخل ميدان تسريب الاخبار في احد اختصاصات الاجهزة الامنية المهمة وهو جهاز المخابرات ، وهو يعده خلاصة عمره الصحفي واهم مطبوع له على الاطلاق!!
وعلى صعيد حياته الشخصية فللزميل حامد شهاب ابنه البكر .. ضياء الذي عمل في اختصاص البكتريولوجي بمستشفى اليرموك منذ عام 2002 ، وهو الان حاصل على شهادة عليا بعد البكالويوس في علم البكترويولوجي ، وبناته الستة وقد حصلن على شهادات البكالوريوس والدبلوم وبعضهن موظفات في دوائر الدولة ومعلمات واحدى بناته حصلت على شهادة الماجستير بالاحصاء وهي منذ سنوات تعمل مدرسا مساعدا بكلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد ، وله من أبنه وبناته أحفاد يعتز بهم!!
هذه هي سيرة الكاتب والصحفي والاعلامي حامد شهاب ، ليطلع عليها العاملون في الشأن الصحفي ، وهي سيرة معطرة بالابداع والانجازات الكبيرة ، التي لابد وان تترك بصماتها في عالم الصحافة ، وهو الذي قدم لها خلاصة عمره ، وقد أفناها في هذا العمل الابداعي الاعلامي وميادينه المتألقة في الحرب النفسية ، فكانت فتحا مبينا في عالم الصحافة وميادين الحرب النفسية وعلم المخابرات ، يسجل له بأحرف من نور.
وقد نهل زملاء كثيرون من ابداع وفيض الرجل ما يمكن ان يشكل مفخرة لمن ولج ميدان الصحافة وقصور صاحبة الجلالة ، بعد ان ملأ عالمها ما يشكل مفخرة للكثيرين ممن عرفوا الرجل في رحلته الابداعية هذه ، والتي استمرت لاكثر من 45 عاما في رحاب مملكتها الصحفية ، وما يزال يتوقد إشعاعا حتى كتابة هذه السطور في بداية شهر تشرين الثاني من عام 2021 ، من عمره البهي !!