يدخل المجتمع السُني بالعراق في جاهلية جديدة، والسبب هي الطبقة السياسية السُنية منذ تأسيس جبهة التوافق عام 2005 إلى يومنا هذا بأسماء معروفة وعناوين سياسية لا حول ولا قوة سوى استعراض العضلات في الفضائيات والإعلام. لا أحد يعلم متى يعرف الحق طريقه إلى لسان زعماء أو قيادات السُنة، لا أحد يعرف متى سيسمع أبناء المكون السُني زعيما أو قائدا يزأر ويبرق ويرعد دون أن يرتعش صوته، ومن هو السياسي أو رئيس الكتلة الذي سينطق بكلمة استنكار.
الكوميديا السوداء أنه وبعد أكثر من ثمانية عشر عاما تعود بعض الوجوه البائسة سياسيا التي كانت تدعي أنها زعامات أو قيادات المكون السُني على القنوات الفضائية، يعلنون أنهم مصلحون وأنهم أصحاب قضية ويدافعون عن السُنة. المصيبة أن هذه الشخصيات الفاشلة سياسيا ترى وبعد سنوات عجاف مرت على العراق أن الحل بيدهم، بل أن الحلول السحرية لمشاكل السُنة بيدهم. لكن تاريخ هؤلاء الزعامات وكل الطبقة السياسية السُنية هو تاريخ فتن وصراع على المناصب والجاه والصفقات. التاريخ يذكرنا أيضا عندما كانت تشتبك الأدوار في الزعامة بعد كل صحوة عنترية يقوم بها آنذاك أمثال (صالح المطلك أو محمود المشهداني). لاسيما أن هذه الأسماء والعناوين السياسية الأخرى من زعامات سُنية كانت ترى نفسها في بداية العملية السياسية أنها منظومة مقدسة مطهرة ذات مصدر إلهي رفيع، لكنها في الحقيقة منظومة انتهازية استغلالية وبالكلام الأكاديمي الدبلوماسي (منظومة براغماتية).
بلاشك لا يريد السُنة زعيما مثل (المطلك) الذي طيلة زعامته للمكون كان استنكاره للأسف مصابا بالحمى. ولا يتمنى أهل السُنة زعيما عجوزا مثل (محمود المشهداني) كان ومازال استنكاره نوعا من الشلل الرعاش. في الوقت نفسه لا يرغب أبناء السُنة أن يكون من يمثلهم رموز أو عناوين صدعوا رؤوسنا بالشعارات والهتافات، تلك الشعارات والهتافات التي انقلبت عليهم مثل انقلاب (صينية الدليمية) على جلاليبهم أو بدلاتهم فلوثت تاريخهم قبل أن تغرق حاضرهم. وعليه فقد نجح ساسة السُنة في مصير التفتت الذي أصاب محافظاتهم ومدنهم، وسرطان التهجير الذي حرق نصف المكون.
من هنا اكتشف ومازال يكتشف أبناء هذا المكون اللذة في عدم الانصياع لزعامات وقيادات لا تقدم ولا تأخر، ويواصل سُنة العراق رحلتهم على خريطة الضياع مسافرون من الزعيم (س) إلى القائد (ص) وإلى رئيس الكتلة (ع) بروح جاهلية مفرطة. وتستمر رحلة الجاهلية، عندما نشاهد رجالات من أهل السُنة في الإعلام والدين والسياسة في الفضائيات والمنابر الإعلامية الأخرى، وكل من تصدى للمشهد السياسي والثقافي والفكري وحتى في المجال الرياضي، بذريعة الدفاع عن حقوق المكون السُني، كل هؤلاء يعيشون على مص دم أبناء المكون، وتعودوا النوم على نغم قضية جرف الصخر، ومسلسل المغيبين، لكن بلا فائدة. بالتالي فقد نُزع الملك منهم وسقطت الأقنعة عن وجوههم، وانكشفت يوما بعد يوم خططهم المسيئة.
وتأسيسا لما تقدم، أن ما يسمى (بالطبقة السياسية السُنية) هي كتيبة كبيرة من المنافقين العابرة للزمن المعاهدة لكل العصور، تلك الكتيبة التي بدأت من ايام جبهة التوافق، والقائمة العراقية، ثم اتحاد القوى العراقية إلى يومنا هذا. لاسيما أن هذه التجمعات والكيانات السياسية التي تدعي تمثيلها للمكون السُني، وكل شخصية منتمية إليها سواء كان نائب أو محافظ أو وزير أصبحوا ملوك أو أمراء، أما زعيم القائمة أو رئيس الكتلة فأصبح سلطانا أو شاهنشاه على حساب المكون.
في السياق ذاته، نلحظ أن المجتمع السُني دائما على موعد مع مجهول أو نوعا مبتكرا من الزعامات صاحبة الخطايا في الحياة السياسية والحزبية. ثم ينتظر السُنة كل مرحلة انتخابية، هل ستخرج إلى النور قيادات وزعامات جديدة بعد سنين طالت من الحمل الراكد؟ هل سيكون هذا المولود قويا أم ضعيفا كسابقه، متعاونا أم متمردا؟ لكن التجارب تدل على أنه لن يحتاج اختبار المولود الجديد وقتا طويلا، وإنما سيكشف عن نفسه فى أيام قليلة. وعندما يشارك أبناء السُنة في الانتخابات لاختيار ممثليهم، لا يريدون انتخابات مباغتة يفوز بها مثل (الكرابلة، أو فلان الجبوري وعلان الدليمي وآخرون) ربما انتخاب شخصيات سياسية كردية أو شيعية أو تركمانية أو مسيحية يخدمون السُنة أفضل من الآخرين، لأن السياسي أو النائب من المحافظات الغربية أيا كان ليس أكثر من مهرجا في قاعة مجلس النواب بحسب رأي الناس في تلك المحافظات.
الغريب بالأمر وبعد كل هذا العبث، يظهر خبراء الثرثرة الإعلامية السُنية في الفضائيات ليدافعوا عن الفاسدين دون أي خجل وحياء. ويستمر الدجل والنفاق الإعلامي لدرجة أن بعضهم من يطل علينا في الإعلام يوميا أصبح يقود عربة هوت دوجز يلف بها في شوارع بغداد يروج لقادته وزعمائه. عليه تسقط فيها كل النظريات السياسية، ضمن حسابات استراتيجية فاشلة.
تنويه: جزء من عنوان المقال مقتبس من الفيلم العربي (السفارة في العمارة)