23 ديسمبر، 2024 5:08 م

حاكم العراق .. كيف يحفظ هيبة بلاده أمام العالم؟

حاكم العراق .. كيف يحفظ هيبة بلاده أمام العالم؟

من يحكم العراق ، عليه أن يؤمن بحقيقة ،أن المكونات العراقية وحدة واحدة متماسكة، حتى وإن اختلفت في الرؤى والتوجهات والاديان والمذاهب، فهو بلد التعدد القومي والمذهبي والفكري، وهو منبع الحرية ، ومن أرسى دعائم القانون وسن شرائعه، لهذا ينبغي على من يحكم العراق، أن يضع كل هذه الشواخص القيمية في عين إعتباره ، ومن يحكمه عليه أن يدرك انه عندما يحكم  ينزع عن نفسه أهواء  قوميته ومذهبه وطائفته وملته ونوع الفكر والحزب والتكوين الذي ينتمي اليه، ويكون عراقيا عربيا في المقام الاول، يعد انتماءه للعروبة والاسلام شرفا ما بعده شرف، ويدافع عن مصالح العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ويحفظ مصالح العباد ومصلحة الشعب كله، لايحكم بإسم طائفته أو مذهبه أو قوميته، حتى وإن إعتز بعروبته، وعليه أن يحرص على خدمة شعبه حرصه على حدقات عيونه، ويعامل العراقيين كلهم سواسية ، على انهم شعبه، الذي ينبغي أن يحفظ هيبتهم أمام شعوب العالم وحكوماته، ويحقق لهم الامن والأمان والاستقرار، وان يعمل على إبقاء البلد متماسكا فكريا وقوميا ومذهبيا ودينيا، لابظهر ولاءه لغير العراق، ويسعى لأن يتقلد بلده مايستحقه من مكانة، ويعلي شأنه بين الامم، حتى يبقى العراق كبيرا في نظر الآخرين، يكنون له الحب والاحترام، وحتى لايظهر من بني آوى ، من يحاول أن يمسه بأذى، أو يلدغ جحره، عندما تدلهم به المخاطر ، او يتعرض لخور لاسمح الله..

والعراق يعد من أكثر دول المنطقة من حيث التركيبة الاجتماعية والقومية وحتى الدينية  تنوعا، وهو في كل الأحوال يمثل جناح ( التطرف ) في كل شيء ، حتى في الحب والكراهية، ونوع الانتماء ، فالعراقي جبل على حب انتمائه السياسي والمذهبي والقومي، اوهو يعتز بإنتمائه الى دينه الذي يؤمن به، حتى وان لم يكن مؤمنا او يؤدي فرائضه، وهذه سمة متعلقة بطبيعة مناخ العراق المتطرف في الحر والبرد ، وفي طبيعة تكوين الشخصية العراقية، المتعددة الأهواء والرؤى والتوجهات، ومع كل هذه المتناقضات فأن العراقيين على مختلف مشاربهم وأمزجتهم والوانهم السياسية يفخرون بإنتمائهم الى هذا البلد، بلد التاريخ والحضارات والدور المؤثر في موازين القوى، وكونه البلد الوحيد الذي لن يركع الا  لله الواحد الاحد، وليس بمقدور أية قوة في الكون أن تقهره، حتى وان إحتلت ترابه، أو تحكمت لفترة بمقدراته، تجده بعدها وقد عاد الى عراقيته، يزهو بها ويفاخر بها الكون، على أنه صاحب كل هذا الارث الحضاري الموغل في عصور التاريخ وفي إشعاع الحضارات، وهذه ميزة تعطي العراقيين ارجحية في ان يكونوا من أكثر الشعوب إنسجاما مع قدرهم ومع تأريخهم وهويتهم، وهم يعتزون بها حد التمسك بالحياة وقيمها الأصيلة ومنبعها الضارب في اعماق التاريخ عمقا وأفكارا ورؤى وايدلوجيات، وهو مركز الكون ومقر توازن الأرض، وعلى أرضه هبط أغلب الانبياء والرسل، وعلى ترابه أقيمت أروع الحضارات الشامخة، فالعراقي هو أرث كل هذا الموروث الحضاري والديني والقيمي، وهو يعتز بعراقيته حد العشق بها والهيام في غرامها، وهو إن أحب يحب بصدق، وإن عشق، فعشقه يملأ الدنيا حبورا وهياما وشوقا وانقيادا أعمى للحبيب، فكيف لا ، وهو بلد الشعر والبلاغة والبيان وبلد القران ، الذي حفظه اهله ، وحافظوا عليه ، وهم يحملون لواء عروبته الى أصقاع الأرض.

أن أي عراقي لن يقبل ان يكون مستوى العراق على هذه الشاكلة من نظام حكم ، تتحكم به الدول الاقليمية ، وهي التي تفرض شروطها المذلة على شعبه، وهي التي تحكم من خلف الحدود، واهل الدار ( غرباء ) عن وطنهم واهلهم وانتمائهم ودينهم ، بل وسرق الآخرون حتى مذاهبهم وشوهوها، وأدخلوا العراقيين قي صراعات وحروب وفتن ومؤامرات تحاك من شتى دول الجوار، بلا إستشناء، كل يعمل على ان يكون العراق من حصته هو، ولكن العراق يأبى أن يكون من حصة أحد ، فهو ( السيد ) وهو الرجل الذي ينبغي أن يحكم بإسم التاريخ وبإسم الحضارات الشامخة ، ويكون علما من أعلام الدول التي يحسب لها الكثيرون ألف حساب ، ويدافع عن العراق وعمن يتعرض له بالسوء ، ومن يريد ان يتحكم بمقدراته او يحاول سرقة أفكار شعبه وبيعها عليه، بعد ان يتم تشويهها وتعقيد رموزها، وتصبح طلاسما يصعب على العراقيين فك جفرتها، لانها مليئة بالألغام والتعقيد الذي يحفر خادق وآسفين بين المكونات العراقية لكي يبقيها متصارعة متنازعة متخاصمة على الدوام، لاتعرف واحة للاستقرار وتذهب مكانة العراق الى حيث الهوان والضعف والخور، وحاشى للعراق ان يتنازل عن كبريائه وعن شموخه، فهو إن تخلى عن تاريخه، فأنه سيذهب هباء منثورا، تتقاذفه أمواج الصراعات والحروب والفتن، ويتحول الى دويلة مشلولة ، ليس بمقدورها ان تحكم شعبها، فكيف يكون بمقدورها ان تصبح مهابة ، تحترمها الدول قبل ان تخافها، ومن لايضع له العالم مكانة واحتراما، يكون في آخر منازل الدول والكيانات، ولن يضع له أحد اعتبارا،  أو يمنحه قدرا مما يستحق من الاحترام.

ومن يضع كل هذه الاعتبارات ، يستحق أن يحكم العراق، وبعكسه لن يكون هناك حاكما يحترمه شعبه ، حين يظهر أمامهم وهو خائف يرتجف، يدور يمينا وشمالا، ولا أحد يضع له إعتبارا، والتاريخ سوف لن يرحم الجبناء ومن تخاذلوا في الدقاع عن الاوطان والقيم والعقائد السامية، وعلى من يريدون أن يقودوا العراق، فعليهم أن يتذكروا فضائل العظماء من أهل العراق، ويحكموا بإسمهم وتحت عناوينهم، ويضعوا نصب أعينهم الارتقاء بعراقيتهم نحو إعلاء شأن العروبة، فهي وعاء العراق وسر ديمومته، ومن لم يضع للعرب وللعروبة إعتبارها سوف يخسر الرهان في نهاية المطاف، لان العراق أكبر من الدين والمذهب والعرق ، فهو بودقة الحضارات الشامخة عبر كل ألازمنة ، وهو موئل الاديان والعقائد ، وربما كان الاسلام آخر دين آمنوا به، أو إطمئنوا من خلاله على مستقبلهم، ولكنه لن يكون العراق كله، لأن العراق فوق الاديان والعقائد والانتماءات، ولن يتحمل جسده ان يحتويه دينا او مذهبا او عرقا، أو تشكيلا سياسيا او اجتماعيا بعينه، ويبقى منجذبا الى كل هذا العمق الحضاري، يغرف من نبعه ما يداوي جراح كل مكلوم ويروي عطش كل من قاسى من عطش الصحارى، ويتزود من التقوى ومن العقائد والافكار ما يبني دولا وحضارات، أما بغير كل هذا فلن يكون للعراق معنى ولا قيمة، ومع هذا سيبقى العراق القلعة الشماء التي تبقى عصية على المتصيدين في المياه العكرة أو من يتحينون الفرص للايقاع به، وسيصل الى مرتبات التقدم والنهوض ، أن وجد له الرجال الذين يحفظون له هيبته امام العالم، وهو ما يتمناه العراقيون فيمن يحكم، وفيمن تهيئه الاقدار ، ليتولى عرش العراق، وعلى من يتولى امره أن يكون العدل أساس حكمه، وبدون هذا تختل الموازين ، وبالعدل وحده يكون بمقدورنا، أن نحكم الدنيا كلها لو احسنا اقدارنا وارتفعنا بقيمتنا الى حيث المكانة التي ينبغي أو نحتلها عن جدارة، وليس منة من احد، ونكون نحن عندها الدولة العظمى التي لاينازعنا أحد على مكانتنا، ولن يكون بمقدور بنات آوى التمحلق في عيون العراقيين،  وسيقيمون لنا قرابين المحبة وليس الطاعة والولاء الأعمى ، لاننا نريد ان نكون إنقاذا للبشرية من فجورها وسباتها وظلمها وجورها واختلال عدل موازينها، ونحن اهل العراق، تشهد لنا الدنيا بأننا أهلوها على كل حال.