يصدر السلوك الواعي عن منظومةٍ معرفيةٍ ممنهجةٍ تجعل صاحبها في مصاف العقلاء ، و لا حاكميةَ لأحدٍ عليه سوى من يحتكم لدائرة العقل و العقلاء ، أما أن يغيبَ الوعي خلف كواليس الجهل ويتصدر الأخير المشهد ليتحكم في إرادة الموقف وتنتهي حكايتنا بسيادة الانسياق الجمعي وتٌغلَبُ العاطفة على نواميس العقل وتذوب الجماهير في شخصية القائد الرمز، وتنشغل به عن القيم التي يقدمها ، والكارثة كل الكارثة حينما ينصاع القائد خلف صوت العاطفة ويجذبه زبرجها ويطربه صدى نغمها ، ليكون مقودا بعد ما كان قائدا وتابعا بعد أن كان متبوعا ، ولامن موقف حكيم أو بصيرة نافذة أو رؤية يستشرف بها أنامل المستقبل .
وبغض النظر عن الأسماء المهم أن تناقش المسميات لأن المشكلة فيها وليس في الأسماء ، إذ إن الاهتمام و التركيز على الأسماء سيخرج الموضوع عن أصله ويكون خارج دائرة العلاج والنقاش وسيتحول النقاش إلى جدال ( لنا أٍسماؤنا ولكم أسماؤكم ) ، وفي حقيقة الأمر يبدو لي أن هذه الظاهرة موجودة في أغلب التيارات الدينية و السياسية ولاتخلو منها جهة إلا مارحم ربي ويزداد حضورها في الجهات ذات القيادة الرمزية التي تكون رمزا في نظر أتباعها .
والسبب الرئيس في وجودها قوة وضعفا بحسب درجة حضور الوعي لدى أتباعها من جهة وبدرجة حضورالعقلية الرسالية في شخصية الرمز من جهة أخرى ، فحينما يزداد الوعي لدى القاعدة الجماهيرية بالدور الرسالي الذي يقوم به القائد المتبَع تتعلق به وتتبعه لكنها تنصاع إليه ضمن دائرة العقل وهو ما يمنع انسياقها خلف العاطفة ويقف سدا منيعا أمام الانسياق الجمعي فلا تذوب في شخصية القائد على حساب مبادئها وقيمها وتكون حاكمة على القائد تراقبه وتقيمه ضمن هذه القيم والمباديء ، وحينما يكون القائد الرسالي واعيا لدوره ومدى تعلق القاعدة فيه يبدأ بالتأسيس لثقافة الوعي الرسالي بين أتباعه ويحول دون تغليب العاطفة عندهم في التعامل مع المواقف وهذا ما يستلزم منه الحضور المتواصل مع قواعده يتابع تصرفاتهم ويقدم الحلول لما يعترضهم من شبهات فتنمو وتكون في أحضان الوعي بعيدا عن الجهل .
ومن هنا ينبع الحب للقائد الرسالي ذلك الذي الحب الواعي الذي يدفع بالأتباع طاعة قائدهم دونما اعتراضٍ أو تردد ليجعلهم مسؤولين أمام الموقف يتخذون القرار المناسب في الموقف المناسب ، لا أن تكون تصرفاتهم مسيرة ومحكومة لعوامل خارجية فإذا بهم تراهم حميعًا وقلوبهم شتى ، وهكذا نحن في مسيرتنا مترددين بين حاكمية الوعي في سلوكايتنا و تغييبه في دهاليزٍ مظلمة ، والأولى حاكمية الإنسان على حساب البهيمية و الثانية لامكان للفكر والتفكر ونكتفي بقراءة الفاتحة عزاءً و تأبينا .م