23 ديسمبر، 2024 4:55 ص

حافّة الهاوية ومآل الصراع في سوريا

حافّة الهاوية ومآل الصراع في سوريا

طالما برعت الولايات المتحدة في استخدام سياسة حافّة الهاوية التي ابتدعها السيد جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة خلال الخمسينيات من القرن الماضي ، من خلال تصعيد الصراع الى ذروته سبيلا لتحقيق هدف أو مجموعة من الاهداف في آن واحد . ساحة الصراع هنا سوريا بوتين .
منذ تدخّل روسيا في صلب الصراع في سوريا ، كان بوتين اللاعب الاساسي وصاحب القرار في كل ما يتعلق بتطورات الصراع على المستوى السياسي والعسكري . دخل بوتين الى سوريا ليحقق مجموعة من الاهداف يأتي في مقدمتها الحفاظ على زخم اندفاع روسيا على المستوى الدولي بعد النجاحات التي حققتها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا ، لتكون قوة كبرى موازية للولايات المتحدة كما كان الحال اثناء الحرب الباردة، اضافة الى الحفاظ على بقاء الاسد على رأس النظام في سوريا من اجل زيادة نفوذها ، وربما التفكير بترؤس مجموعة شرق أوسطية تقف بالضد من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة ، من دون ان نهمل انّ انخراطها في هذا الصراع ساهم في الترويج لأسلحتها في اسواق السلاح العالمية .
وفيما يتعلق بالجزء المتعلق بالحفاظ على الرئيس الاسد انتهج الرئيس بوتين مسارين . في المسار العسكري دعم قوات الاسد بمختلف الاسلحة الهجومية والتخطيط والمشاركة معه في المعارك ، وفي المسار السياسي اقصاء الامم المتحدة أو ما يسمى بمسار جنيف ليحل محله تدريجيا مسار سوتشي الهادف الى تحقيق تسوية سلمية تضمن بقاء الرئيس الاسد على رأس النظام ، ومسار استانة الهادف الى خفظ التوترات بين قوّات المعارضة وقوّات النظام وصولا الى انهاء الصراع . وبات المشهد بعد معارك الغوطة في الثلاثة ايام الماضية وهزيمة المعارضة المسلحة فيها ، مشهدا بوتينيا بأمتياز ، واصبح بقاء الاسد على رأس النظام في سوريا امرا لايجادل فيه اثنان ، لاسيما بعد اعلان ترامب عزمه على سحب القوات الامريكية من سوريا ، وتصريح ولي العهد السعودي ببقاء الاسد . بيد ان هذا المشهد سرعان ما تغيّر كليّا ، أو كما يقال انقلب رأسا على عقب في برهة من الزمن ، بعد تهديدات امريكية وغربية جدّية بشن ضربات جوية قوّية على المواقع السورية السيادية والعسكرية ، على خلفية اتهامات باستخدام النظام السوري الاسلحة الكيمياوية في معاركه الاخير في الغوطة الشرقية ، وما يزيد المشهد تعقيدا وخطورة ان الاتهامات تخطت النظام السوري لتصل الى روسيا باعتبارها شريكة معه من دون اي تحفظ . وبات الكلّ متيقنا بان الضربة آتية لاريب فيها ، وينتظر وقوعها في اية لحظة .
نشهد الآن الذروة في حافة الهاوية ، وامامنا أمران لا ثالث لهما . الاول الاندفاع الى ما بعد الحافّة ، عند ذاك ستكون الضربة مدوّية وربما تطيح بالنظام السوري ، واذا ما ردّ بوتين عليها فهو الشروع في حرب عالمية ثالثة . والامر الثاني تراجع الولايات المتحدة وهذا يقتضي ان تحقق سياسة حافة الهاوية اهدافها ، والتي هي بالنقيض تماما من الاهداف الذي اراد بوتين تحقيقها عندما دخل بكل قوتّه في دعم الرئيس الاسد. سيطالب الغرب بالعودة الى مسار جنيف ، وهذا يعني ان الاسد في طريقه الى الرحيل قبل مرحلة الفترة الانتقالية التي نصّت عليها قرارات الامم المتحدة للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية . وتداعيات رحيل الاسد ستنعكس بشكل خطير على مرشد ايران وسياساته الخارجية ، فسيضعف نفوذ ايران ليس في سوريا وحدها ، بل في المنطقة عموما ، سيضعف في لبنان وفي العراق وفي اليمن وفي دول الخليج العربية. وسيضعف نفوذ روسيا في المنطقة الى حدّ كبير، وستتراجع قوّة روسيا على المستوى الدولي كقوّة موازية للولايات المتحدة كما كان يتوقع لها الكثير . واذا ما حققت سياسة حافة الهاوية الاهداف اعلاه ، فان روسيا ستتراجع الى موقعها كقوّة اقليمية ، كما خططت وتخطط له الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة . انها لحظة الحقيقة بالنسبة للقيصر بوتين الطامح باستعادة امجاد الاتحاد السوفياتي . ليس من السهولة ان يتخلى شخص مثل بوتين عن طموحاته ، ولكنه في الوقت نفسه يدرك الأثمان المترتبة على المواجهة . في مثل هذه الاوقات تتجلى عبقرية سياسة التسويات ، فهي وحدها القادرة على نزع فتيل المواجهة . الايام القريبة القادمة ستكشف لنا أي نوع من التسويات ستتمخض عنها سياسة حافة الهاوية ، وأيّ مآل للصراع في سوريا .