23 ديسمبر، 2024 6:14 م

حاضنات الأعمال .. وحالة التغيير الجديد

حاضنات الأعمال .. وحالة التغيير الجديد

انعقدت في مركز تطوير الملاكات بهيئة التعليم التقني أربعة ورش خلال شهر آذار 2014, واشتركت بهدف واحد وهو التهيئة لانطلاق حاضنات الأعمال التي من المؤمل أن تحتضن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لكي تكون ملاذا لخريجي الكليات والمعاهد التقنية لاسيما الذين لم يجدوا فرص عمل لحد الآن, وقد شارك بأعمال هذه الورش السادة عمداء الكليات والمعاهد التقنية أو معاونيهم أو رؤساء الأقسام , وقد أسفر انعقادها عن اقتراح حاضنات في التخصصات الهندسية والإدارية والزراعية والفنون التطبيقية , ومن المؤمل أن تكون هذه الورش هي اللبنة الأساسية للمضي قدما في إشاعة ثقافة الحاضنات بما يمكن الخريجين والعاطلين عن العمل في صياغة فرص العمل لهم بمشروعات خاصة ليجنبهم البحث عن الوظائف الحكومية التي باتت صعبة المنال  .
ولغرض الاستثمار الأفضل لأوقات العمل في ورش عمل الحاضنات فقد تصميم منهاجا لها ينطوي على نوع من الصعوبة , حيث يمتد العمل في كل ورشة لمدة عشرة ساعات يوميا ابتداءا من الساعة الثامنة صباحا ولغاية الساعة السادسة مساءا وتتخلل هذه الساعات الطويلة استراحتين فقط , الأولى صباحية ومدتها (15 ) دقيقة لغرض شرب الشاي والاستراحة الثانية لمدة نصف ساعة بالضبط لغرض أداء فريضة صلاة الظهر وتناول وجبة خفيفة تبوب على أنها غداء , وقد تمت صياغة مواد تدريبية في الورش غاية في الدقة وتصب في صميم الموضوع وتبتعد كل البعد عن الجوانب النظرية, وآخر الجلسات في المنهاج التي أدارها السيد المساعد العلمي الدكتور ماجد حميد تستمر لمدة أربعة ساعات متواصلة , هدفها إجراء عصف فكري لوضع مقترحات عملية لوضع تسميات وأماكن مقترحة لتلك الحاضنات.
وعند تصميم البرنامج لهذه الورش من قبل فريق العمل المكون من الأستاذ المساعد طلال ناظم علوان مدير مركز تطوير الملاكات ومدير البرنامج ( وهو صاحب هذا المنشور ) والأستاذ المساعد الدكتور محمد المعموري وبإشراف السيد المساعد العلمي , اعتقد البعض ممن اطلع عليه إن تنفيذ مثل هذا المنهاج ولشريحة السادة العمداء ولمشاركين قادمين من خارج بغداد ضربا من المستحيل لأنه يتطلب جهدا كبيرا اخذين بنظر الاعتبار حالة التعب من السفر لأغلب المشاركين وفئاتهم العمرية , ولكننا قلنا لهم : في زمن الياسري بقيادته للهيئة ألغيت ثلاثة مصطلحات من قاموس الأداء بمقياس التضحيات وهي التعب والتكرار واليأس , وحدثني احدهم بان النظرية الفلانية وصاحبها فلان قال إن التركيز لايمكن أن يستمر لعدد محدد من الوقت, فقلت له ادخر نظرياتك وراقب معنا النتائج .
وفي الورشة الأولى المخصصة للتخصصات الهندسية تم تطبيق المنهاج المكثف, ولم يجد أحدا أية شكاوى من طول الجلسات والالتزام الدقيق في مواعيدها وقد تجاوزنا الوقت المحدد دون أن نجد مايشير إلى نظريات صاحبنا ومضى الأمر بخير وسلام وبتحقيق أهدافا أكثر من المستوى المخطط بكثير , وحين ودعنا المشاركين وجدنا سعادة تغمرهم وهم يعتذرون من فريق العمل لأنهم اشغلوا الجهة المنفذة لهذا الوقت الذي كان في حدود الساعة السادسة مساءا كما أسلفت , وقد كان من أصول اللياقة أن نعتذر لهم لان المنهاج أتعبهم ولكنهم سبقونا في إيجاد أعذب العبارات, أما الفريق المساند من العاملين في المركز( واغلبهم من مستويات التنفيذ )  فقد بقوا لآخر اللحظات وهم يؤدون واجباتهم بأكمل وجه , مما أكد واقعية وفاعلية المنهاج وتوفر المتطلبات الأساسية للتنفيذ .
وكان الأصعب بالفعل هي الورشة الثانية المخصصة للتخصصات الإدارية , فهم يقتربون كثيرا من مواضيعها ومفرداتها في المنهاج وتضم في مشاركتها لكفاءات عالية  في التخصص الإداري, ولكننا وجدناهم شعلة في الرغبة للتعلم وولوج كل ما هو جديد فكانوا مساعدين بحق وليسوا ممانعين وأضافوا الشيء الكثير كما أضيفت لهم خبرات ومعارف مهمة , ومما زاد الأمر رونقا هو حضور الدكتور الياسري لوقائع الورشة , إذ كانت له اضافات وطنية ومهنية وإنسانية , بحيث أعطت لموضوع الحاضنات أبعادا أخرى لم تخطر في الحسبان من قبل , فقد دعا بمداخلاته في أن تكون تشكيلات هيئة التعليم التقني الأقرب لتلبية احتياجات أسواق العمل بحيث تتحول جهود العاملين في الهيئة لمساعدة الخريجين ليعملوا بصيغة العمل بروحية العمل الجماعي كفريق  وبذلك أضاف لهم واجبات إنسانية وليست تعليمية فحسب.
أما في ورشة التخصصات الزراعية فقد كان الأمر أكثر يسرا لان الورش السابقة أضافت الشيء الكثير للمحاضرين كما إن أفكارهم بخصوص الحاضنات كانت موجهة لأهدافها بدون أية تعقيدات , وضمن المدة المحددة للورشة تم انجاز ماهو مطلوب واقتراح الحاضنات الأقرب للواقع الملموس , وعند الانتقال لحاضنة الفنون التطبيقية وجدنا تفهما عاليا للموضوع , وقد تشرف المركز والمشاركين بحضور الدكتور المهندس عبد الكاظم الياسري رئيس هيئة التعليم  التقني الذي أضاف أفكارا غير مطروقة سابقا بشان الحاضنات , وفي توجيهاته طلب بان يتم التدخل في سياسات التوسع بهذا الاختصاص ليكون بعشرة أضعاف من العدد الحالي خلال السنوات القادمة باعتبار إن مخرجات الفنون التطبيقية يمكن أن تكون لها رواجا في الأسواق , كما تداول مع السادة العمداء سبل توفير متطلبات التوسعين العمودي والأفقي .
وخلاصة القول , إن انعقاد الورش الخاصة بحاضنات الأعمال قد جسدت الحالة الجديدة التي تعيشها هيئة التعليم التقني وهي تنهض بحلتها الجديدة , فالجدية واضحة على الجميع والإصرار على تعويض الذي فات بات القاسم المشترك بين العاملين بمختلف مستوياتهم والرغبة في التطور هي الحافز في التغلب على كل الصعاب , مما يدل على إن العمل الجماعي هي السمة التي ستكون سائدة في السفر الجديد , فالمساعد العلمي يساهم في بناء الحاضنات ورئيس الهيئة حاضرا في الميدان ليس زائرا أو متفقدا وإنما متفاعلا  لكي يطرح آراء جديدة تختصر الزمن والتكاليف للوصول إلى الأهداف , ومن الأمور الجديرة بالاحترام هي ترسيخ سلوكية تتعلق باعتماد العمل الجمعي من خلال توزيع الأدوار بحيث يكون لكل واحدا دورا محددا بغض النظر عن مركزه الوظيفي لتعزز الشعور بحب العمل والانتماء الوطني .
ويصح القول صدقا (وبضوء معاينة الميدان لكل التفاصيل) إن هيئة التعليم التقني بوضعها الحالي ليست عراقا مصغرا (كما يردد فحسب ) وإنما عراقا جديدا في تبني الأهداف وبلوغ الغايات النبيلة بأقصر المسافات وباستخدام السهل الممتع وليس الممتنع لان كل من يؤدي إنما ينجز ما مطلوب منه بإيمان وليس لأجل أن ينهي يوم عمله المعتاد , وفوق كل هذا روحية العمل التي تتسم بالتجرد عن تحقيق المنافع والمكاسب والمردودات , فصغار الموظفين وكبارهم لم يفكروا قط بالمكافآت وبكتب الشكر والتقدير لأنهم عملوا وبقوا لساعات طويلة بعد أوقات الدوام المحددة لكي تكون لهم أدوارا في البناء والتجديد , ولا يسعنا إلا أن نقول هنيئا للعراق بمثل هؤلاء البناة وهنيئا للدكتورعبد الكاظم الياسري لأنه زرع فأثمر هذه الروحية الرائعة في هيئة التعليم التقني بعد سنة واحدة فقط من استلامه مسؤولية قيادتها باقتدار .