18 ديسمبر، 2024 9:48 م

حاضر تائه بين جيشين النزاهة عشرة أيام في عاشوراء ويوم واحد في صفر والعام كله فساد

حاضر تائه بين جيشين النزاهة عشرة أيام في عاشوراء ويوم واحد في صفر والعام كله فساد

ما دمنا نحن ورثة الحسين! من أين يتدفق زخم الفساد الذي يبللنا.. فساد يغمرنا حد التشبع منقوعين فيه.. كل مسامة في جسد مسؤول يملؤها الفساد، بينما لسانه يلهج بحب الحسين ومعاني ثورته في الطف 61 هـ.

منظومة السلطة تمور بالمراءاة الظاهرة ولاءً لأبي عبد الله.. عليه السلام، بينما باطن العمل الميداني.. تحت التبن وأسفل الطاولات.. وعلناً في أغلب الأحوال، يستعر بلهيب وئيد يتلظى جمراً…

يمور واقعنا بفساد مكشوف بينما نعزي بعضنا البعض بإستشهاد الحسين.. عليه السلام، كما لو أن النزاهة عشرة أيام في عاشوراء ويوم واحد في صفر.. اربعينية الشهيد.. عليه السلام، وباقي العام فساد في فساد في… قتل إذا لزمت المصالح! يا ويل شعب يتداول القيم المثلى كالعملة المزورة.

إستشهاد الحسين.. عليه السلام، مفخرة إجتماعية تنطلق في فضاءات التاريخ، من تعاليم الاسلام التي وضعته في مفصل التاريخ، فأمسك بالمهمة الايمانية وإستشهد من أجلها.. وأعظم ما في الاسلام أن تتحول تعاليمه الى تقاليد إجتماعية.

فمن يريد أن ينهل من عطاء الموقف الإيماني، معاني لن تتكرر بسهولة في حياة الشعوب وبناء المجتمعات، عليه أن يتجرد من المطامع التي غلفت قدسية الحسين بمغانم يجني غلتها الفسادون.. بإسمه تقدس عهده الشريف.

المشكلة لم تقع في 61 هـ عندما واجه الحسين ع جيش يزيد الجرار، بإثنتين وسبعين رجلاً فقط، إنما هي أبعد من ذلك غورا.. تعود الى نكث معاوية عهده مع الحسن (ع) بأن تأول الخلافة الى العلويين بعد وفاته، ولم يلتزم العهد، إنما تنصل مما عاهد الحسن عليه متنكراً فثار الحسين في الوقت المناسب، تصحيحاً لما مضى وتأسيساً للمستقبل..

أسس الحسين.. عليه السلام مستقبلاً ثورياً في المجتمع الإسلامي، كما لو أن رسالة محمد توحى للمسلمين من جديد.. وهو واقع فعلاً.. فالرسالة الاسلامية أعيد تشكلها بعد الطف، إلا أننا نعيش بذاكرة مثقوبة.. تعاني محواً مستمراً لا تختزن مجداً قدر ما تختزن هزائم.

أحدث الحسين تحولاً في الإيمان، صار الناس بفئات عمرية مبكرة، يتداولون معطيات الثورة ومعانيها كالماء والهواء.. الثورة الحسينية عبأتنا إقتداءً ببطولاتها، تاركة للإنسان حرية الإختيار “وهديناه النجدين” عطفاً على الآية الكريمة “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” ما يسترسل مستفيضاً في المعاني القرآنية التي تفتح أمامنا مغاليق ثورة الحسين، كما فهم هو.. عليه السلام، الاسلام الحق، تشربه من علم محمد وعلي: “فألهمها فجورها وتقواها” كي تظل الحياة في تقدم إيجابي؛ ما دام المؤمنون يلتزمون نهج أبي عبد الله الحسين.. عليه السلام، فإن إشتط مسؤول يطيل الحديث عن النزاهة وهو من حماة المفسدين؛ فهذا حسبه وعليه وزر شعب تآكله الفساد الذي يغرسونه نبتاً شيطانياً يحيق مكره بهم، وتظل الطف معنى يدركه الناس لتتقدم حياتهم الواقعية.. ميدانيا ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ” لذلك ذهب يزيد وسيذهب الفاسدون ويبقى الحق عالي لا يعلى عليه.