في مواجهة معرفية فكرية خاضها السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) في كتابه ” فلسفتنا ” فنَّد فيها نظرية الفكر الماركسي بالأساليب العلمية والأخلاقية دون أن يفتي بتكفيرهم وقتلهم وتصفيتهم ، وكذلك فتوى السيد محسن الحكيم المشهورة ” الشيوعية كفر وإلحاد ” صدرت حينها للحد من تفشي الشيوعية التي أخذت تسري في المجتمع العراقي آن ذاك ، ولم تصدر أي فتوى من العلماء منذ ذلك الوقت تجيز إستباحة دماء الشيوعيين أو قتلهم أو تهجيرهم أو تسمح بتكفيرهم ، بل يستطيع المتتبع لهذه الظاهرة أنه تم الحد منها في العراق منذ أن نوقِشَت وفُنِدَت معرفياً وفكرياً وفق مباني الأسلام الحنيف من قبل أهل الأختصاص وقت ذاك ، لذلك يُعَد ماصَدَرَ من السيد مرتضى القزويني وهو يصف الشيوعية والشيوعيين ( بالملحدين والمرتدين ) هو تحريض على قتلهم وتصفيتهم ضمن قراءة وتفسير لآية من آيات القرآن الكريم في إجتهاد شخصي لايمت لثقافة الأسلام التي تحترم كل الظواهر والأفكار والرؤى الأخرى حتى المخالفة منها ، فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو يتجول في الأسواق يتفقّد رعيته رأى يهودياً يستجدي فأستوقفه الأمام ( عليه السلام ) وسأله : لماذا تستجدي ؟ أجاب الرجل : أنا يهودي . فرد الأمام ( عليه السلام ) : وإن كنت يهودياً ألا تُعْطى حقك من بيت المال ؟ . قال الرجل : لاأحد يعطيني . أخذَ الأمام ( عليه السلام ) بيده الى القائم على بيت المال وأمره أن يعطيه حصته وحقه حاله حال باقي المسلمين ، فقال مسؤول بيت المال للإمام ( عليه السلام ) : هذا الرجل يهودي وليس بمسلم . فرد الأمام ( عليه السلام ) : لكنه يعيش معنا في ظِل الأسلام له ما لنا ( وفقط أعفي اليهودي من الواجبات والتكاليف التي تقع على المسلمين بأعتباره من دين آخر غير الأسلام ) ، فأين أنتم من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي جميعكم يدعي الأنتماء والولاء له ؟ لذلك مثل هذه الفتوى ! تُعَد سابقة خطيرة لم تشهد مثلها الساحة العراقية في هذا الوقت بالذات !! كما لم يشهد مثلها تأريخ المذهب الأمامي في العراق لحد الآن ، ولو نوقِشَت هذه الفتوى بِتَجدرُّد ونزاهة وحيادية تامة ! لَعُرِفَ وَفُهِمَ أن هناك دوافع ونوازع وأهداف مخبوئة ورائها أهمَّها هو خلخلة توازن النسيج الأجتماعي والثقافي بين ثقافات المجتمع العراقي بما يخدم أعداء العراق والعراقيين ، وإلا فماهو الداعي لمثل هذه الفتوى وهذه التصريحات في هذا الوقت المتأزِّم بالذات ؟ علماً تجمع بين الحزب الشيوعي والشيوعيين في العراق روابط وطنية وأجتماعية وأنسانية ! هي نفسها الروابط والمشتركات التي جمعتهم بغيرهم مع باقي الأفكار والتوجهات العلمانية والعقيدية والدينية الأخرى في العراق فلماذا يُقْصَد هؤلاء بالذات ؟ .
لم يُعْرَف عن الحزب الشيوعي خلال مسيرته منذ تأسيسه في العراق ولحد الآن ! أي توجه وإحتكاك عدائي لامَعَ الدين الأسلامي ومذاهبه ولامَعَ شخوصه ورموزه ، إنما هو حزب مُبْتَنى من نظرية فكرية لهُ أُسُسَهُ ومَبادِئه ُالخاصة حاله حال كل النظريات والأفكار الأخرى في العالم والعالم الأسلامي ، ولم يعرف عن الشيوعية في العراق أي نوايا أو غايات أو أي ستراتيجية ومطامع تزاحم المكونات الأجتماعية والسياسية الأخرى غير الوطنية التي يسعى الجميع كما هو ظاهر في شعاراتها .
وسواء علم القزويني أو لم يعلم : أن مثل هذه الفتاوى والتصريحات في الوقت الراهن ستظر بالأخلاق والأنسانية في العراق أكثر مما تخدُم أو تنفع وستخدم الشرق والغرب وأمريكا وأيران والصهيونية والأرهاب والأرهابيين المشتَرِك على العراق من قبل الجميع ، وَسَتُبْقِيْ وَتُوافِقْ وَتَقْبَلْ وَتُمْضِي على إستمرار نزيف الدم العراقي البريء ! بدلاً من إيقافه وحقنه فأين فتاواكم من الأرهاب والأرهابيين ، والكفر والتكفيريين ، والقتلة والدمويين ؟ ، ألا يكفينا ظلماً من الظالمين ؟ كفى ظلماً ، كفى قتلاً ، كفى إستباحه لدمائنا ، كفى تلاعباً بديننا ، كفى تشتيتاً لأمرنا ، كفى فرقةً لِجَمْعَنا ووحدتنا ، كفى لَعِباً على أعصابنا ، كفى تَفْرونَ لُحْمَتَنا ، كفى تمزيقاً لوطننا ، كفى كفى كفى .