23 ديسمبر، 2024 2:22 ص

ولدي المولع بلعب كرة القدم قد اختص في الأيام الأخيرة بحراسة المرمى. يروي لي دائماً بطولاته في صد الأهداف وتسببه في فوز الفريق وإنقاذهم من الخسارة. الكل يفتخر به والكل يعمل لجذبه إلى فريقه ليكون حارساً لمرماهم ويظفر لهم بالفوز المبين. إنه يدعوني لحضور المباريات التي يخوضها لأطلع عن كثب على صولاته وجولاته في الميدان.

الفضول دفعني لأحضر في الساحة التي يشارك فيها ولدي لأشاهد بأم عيني انجازاته البطولية. دخلت السّاحة ولوحت بيدي إليه وهو واقف كالأسد يحمي المرمى. فرح ولدي لأنني جئت لأشاهده وهو يصطاد الكرة ويصدها طائراً كالنسور ويحمي الشباك من الأهداف ويقتنص الكرة.

ما أن عدّت الدقائق الأولى حتى تمكن الفريق المقابل من تسجيل الهدف الأول. لكن عزيمة ولدي القوية كانت قد محت عني اليأس، فهو ممتلئ بالثقة بأن الفوز سيكون حليفهم في نهاية المطاف. استمرت اللعبة وقبل نهاية الشوط الأول كانت شباك ولدي قد اهتزت بأربعة أهداف صحيحة بالتمام والكمال. وأنا بصدد التفكير بهذه الخسارة سمعت ولدي يناديني من أمام المرمى وبعلو صوته:

– أبي.. ما رأيك بلعبي؟ هل أعجبتك؟

الحقيقة لم أكن أجد الكلمات لأجيبه. وماذا أجيبه وهو قد فوت الفرصة على فريقه بالفوز بعد أن تلقى أربعة أهداف. الأمر واضح للعيان والنتيجة هي التي تتكلم وإن قلت أنا غير ذلك.

اضطررت أن أجيبه:

– ما شاء الله عليك يا ولدي.. لم أكن أتوقع منك كل هذا الأداء الجميل. إستمر باللعب والإبداع.

استمرت اللعبة وانتهى الشوط الأول، وقد تركت الملعب دون أن أحضر الشوط الثاني لتلافي المزيد من الحزن.

أحياناً لا تجد عملاً ملموساً على أرض الواقع. لكنك تجد الكلام والخطابات والصياح الذي يطبل لهذا العمل غير الموجود أصلاً . أحياناً تكون الأعمال على الورق حصراً دون أن تترجم إلى الحقيقة. ومن الطبيعي أن تشاهد من يمتدح أدائه دون أن يكون مستحقاً لهذا المديح. وغالباً ما يكون الفرد مقتنعاً بأدائه بل ويفضله على الآخرين حتى وإن تحدثت الأرقام بغير ما يدعي. وكثيراً ما نسمع شيئاً ونرى شيئا آخر تماماً.

الحقيقة لا عجب ولا غرابة من إدعاء ولدي الصغير إن كنا نعيش الكثير من الأمور المستهجنة في يومنا هذا. فكم من لعب خسرنا تفاصيله ونفتخر بالفوز به. واللعب ما زال مستمراً.