يعد الزميل المبدع حارث محمد فرج من القلائل الذين يتعمقون في منهج التحليل السياسي ، ليس على طريقة محللي اليوم ، إذ يتوفر لديه منطق فريد عند اعداد رؤية متفحصة عن المخاطر والتحديات التي واجهها العراق منذ الثمانينات، وكانت أراءه وتوقعاته صائبة وسديدة ، نالت احترام وتقدير الكثيرين ، كونها اقتربت من الواقع كثيرا، واصبحت في كثير منها من المسلمات التي لاتقبل التأويل!!
لقد وهب الله الزميل والصديق العزيز حارث محمد فرج منذ ان كان معنا طالبا بقسم الاعلام عام 1974 – 1978 الكثير من المميزات ، اهمها التعمق في الرؤى والتصورات عن مختلف الاحداث ، وهو يتابع الأحداث ، ويغوص في عرض مدلولاتها التاريخية ، ولديه من المخزون التاريخي عن فترات العراق ومراحل حكمه القريبة ما يمنحه القدرة على إستشراف الملاحظات التي تقودك الى الاستدلال على احداث قد تقع ، او يضع لك تصوراته عن احتمالات وقوعها، وما ان تمر فترة حتى تجد نبوءات هذا الرجل وقد تحققت فعلا، ما اكسبه اهتمام الكثير من كبار مسؤوليه ومن زملائه الذين يرون في طروحاته انها كانت قريبة الى الواقع في أغلب الاحيان، لما امتلكه الرجل من موهبة وبعد النظر وعمق الرؤية التي اوصلته الى المراحل العليا ضمن مسؤوليات الصحافة ، حصل من خلالها على ثناء وتقدير مرؤسيه وزملائه على حد سواء!!
كانت إحدى هوايات الزميل حارث محمد فرج في ايام زمان هو البحث عن الاكلات المميزة في مطاعم بغداد الشهيرة ، فلم يترك مطعما تحدث أحد عن أكلاته الطيبة الا وكان الرجل سباقا في تذوق طعامه ، كي يشفي توقه الى كل طعام طيب المذاق ، يوم كانت مطاعم بغداد في الثمانينات تقدم أكلات رائعة، لم نعد نألف الكثير منها هذه الأيام!!
أما نهمه الى القراءة وبخاصة في تاريخ العراق المعاصر فليس له حدود ، اوصله اهتمامه بالاطلاع على سير الملوك والرؤساء الذين تعاقبوا على حكم العراق الى ان يتحول الى موسوعة سياسية ، لكي يتعلم الكثير من دروس الماضي القريب، حتى تكونت لديه تصورات مهمة ، وكانت ملاحظاته محل اهتمام زملائه ، لما تتضمنه من استشراف ورؤى تغطي تقديرات قريبة الى الواقع بشكل كبير!!
تقلد الرجل مواقع صحفية كثيرة وبخاصة في وكالة الانباء العراقية ومواقع صحفية كثيرة وآخرها في الوكالة الوطنية العراقية للانباء / نينا / التي يعمل فيها حاليا ، واعد خلال كل تلك الفترات تقارير رائعة نسج فيها بين القصة الخبرية والمعلومة المفيدة ، ثم أضاف لها المقبلات والمطيبات والبهارات لكي تبدو أكلة شهية وزادا هنيئا لمن يهوى تذوق الطعم الجميل ، وابدع طيلة تلك الفترات من عمره الصحفي الذي تجاوز الاربعين عاما ، كانت كلها حافلة بالعطاء والمثابرة والرؤية الثاقبة، بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي عاشها هذا الانسان البسيط ، لكنها لم تثنه عن الاستمرار بالريادة الصحفية وهو يعد اليوم علما من اعلام الصحافة العراقية يشار له بالبنان!!
تحياتنا للاستاذ حارث محمد فرج ( ابو مثنى ) الصحفي المبدع بلا حدود ، فقد ترك بصمات يشهد لها تاريخ هذا الرجل بأنها كانت سفرا خالد العطاء ، وله من زملائه ومحبيه كل محبة وتقدير، وهذه الكلمات بعض من قيم الوفاء لرجل زاملناه لأربعة عقود ، كانت تعد الفترات الذهبية لرجال الزمن الصعب ، وهم يقارعون تحديات الحياة غير هيابين ، بعد ان منحتهم الحياة ما يستحقون من منازل المجد ، وهو يستحق كل هذه الذكر الطيب عن جدارة!!