كتب أحدهم هازئاً في سنة 2009 بالاحتفال بحادثة هدم قبور البقيع في أحد المواقع الالكترونية، وقد كتبت حينها رداً على كلامه ذكرت فيه أسمه ونادراً ما افعل ذلك-أي الرد على الشخص وليس الموضوع وذكر الاسم بوضوح- وأثار الرد وقتها ضجة وتحملت بسببه الكثير من الشتائم والافتراءات.
أكثر ما اثارني في موضوعه إنه كان يريد أن يصور حادثة الهدم على إنها حادثة بسيطة عابرة وإنها تخص الشيعة فقط والاحتفال بها استفتزاز طائفي!
كثيرة هي الحوادث التي يتم تبسيطها عبر الاهمال التاريخي أو التي يتم تغيير معالمها عبر ذلك وعبر التحريف أيضاً ومن هذه الحوادث حادثة هدم قبور البقيع التي تغيرت صورتها بسبب الاهمال حتى صارت بصورة تختلف عن واقعها بكثير.
فلم تقع عيني على كتاب يؤرخ لتفاصيل الحادثة خلا كتاب واحد يتحدث عن وضع قبور البقيع قبل هدمها بعنوان “قبور أئمة البقيع قبل هدمها” ورغم كونه يؤرخ لمرحلة ما قبل الهدم إلا إنه مفيد في تصور حجم الكارثة لاحقاً.
اتمنى على بعض الباحثين المختصين ان يكتبوا عن هذه الحادثة بكل تفاصيلها لأسباب سأذكرها بعد سرد بعض التفاصيل عن تلك الحادثة مستعيناً بما كتبته في مقالي السابق الذي أشرت له في بداية كلامي:
إن حادثة البقيع لم تكن خاصة بهدم قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام فقط وإنما شمل الهدم قبر العباس عم الرسول صلى الله عليه واله وسلم وقبر الصحابي عثمان بن مضعون والمئات غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومقبرة بقيع الغرقد كانت مقبرة عامة تم تسويتها على يد الوهابية بشكل كامل وقد روى مسلمفي صحيحهعن عائشة أنها قالت ” كان رسولالله ص كلما كانت ليلتي منه يخرج من أخر الليل إلىالبقيع فيقولسلامٌ عليكم دار قومٍ مؤمنين , واتاكم ماتوعدون , وانّا أن شاء اللهبكملاحقون , اللهم أغفر لأهل بقيع الغرقد ”
وحدّث محمد بنعيسى بن خالد عن عوسجة قال ” كنت أدعو ليلهإلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التيتلي الباب , فمر بي جعفربن محمد – يعني الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام – فقال ليأعن أثر وقفت هاهنا ؟قلت لا , قال هذا موقف نبي الله ص بالليل إذا جاءيستغفر لأهلالبقيع “فبقيع الغرقد كان مزاراً لكل الطوائف الإسلامية، وعملية الهدم لم تكن خاصة بمقبرة البقيع فقط بل شملت كل المعالم الإسلامية في مكة والمدينة وجدة والطائف كمقبرة المعلى في مكة والبيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والمسجد المقام على قبر الحمزة عم الرسول صلى الله عليه واله وسلم ومسجد الزهراء عليها السلام وقبة إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه واله وسلم وقباب زوجات الرسول وعماته ووالده وجده وعمه أبو طالب وقبة حواء عليها السلام ومسجد الكوثر ومسجد الجن ومسجد أبي القبيس ومسجد جبل النور ومسجد الكبش وغيرها كثير ولم تسلم إلا الكعبة ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعض المعالم الأخرى. وسلامة هذه المعالم ليست طيبة من الوهابية!
وقُتل في الحادث الكثير من العلماء والشخصيات الدينية أهمهم الشيخ الزواوي مفتي الشافعية وجماعة من بني شيبة (سدنة الكعبة) وقد شجب الحادث علماء كل المذاهب الإسلامية في حينها بل إن الحكومة العثمانية أرسلت جيشاً –بعد حادثة التهديم الأولى سنة 1220 هـ أي قبل الحادثة الثانية والأخيرة بأكثر من مئة سنة-لمحاربة الوهابية وفعلاً تم طردهم على يد إبراهيم ابن محمد علي باشا وتم إعادة بناء كل الآثار بأموال جمعت من كل البلاد الإسلامية ،انتهى الاقتباس.
وهذا غيض من فيض من تفاصيل الحادثة.
الوهابية في بداية تاريخهم لصوص وقطاع طرق مسيرون بفتوى!
ولازالوا كذلك رغم إدخال بعض التحسينات!
وكان خطرهم واضحاً للجميع وموجه ضد الجميع!
وهدم قبور البقيع ومحاولة هدم الكعبة وقبر الرسول كما قيل-الأمر يتطلب تحقيقاً- مع اخذ مذكرات مستر همفر بنظر الاعتبار يعطي صورة واضحة لأكبر عملية إعادة تسويق!
فالوهابية الحاقدون على الرسول وأهل البيت والاسلام وصنيعة الغرب أصبحوا في نظر نسبة كبيرة من المسلمين يمثلون صورة الاسلام الصحيح وتم تسويقهم على إنهم سلفية(اتباع السلف الصالح) وكنا ولا زلنا نعاني من تبعات عملية إعادة التسويق هذه ولا أظن إنه يختلف معي اثنان إن للوهابية النصيب الأكبر في صنع الصورة السلبية الموجودة حالياً عن الاسلام والمسلمين وإنهم السبب في تعطيل وإرباك الكثير من المشاريع الصحيحة.
خلاصة ما أريد قوله إن واقعة هدم قبور البقيع تؤشر لبدايات الخطر الوهابي-آخر صيحات الفكر التكفيري- فهي ليست مناسبة شيعية فقط ولا ينبغي لنا تسويقها بهذه الصورة لأننا بذلك نقلل من اهميتها، ولكي تتضح لنا صورتها ينبغي أن نسوقها بواقعها بعد كتابة تاريخها كما حدث وذكر كل التفاصيل عبر مؤلفات ومقالات وبحوث ومؤتمرات لكي نستفيد منها في التنبيه على خطر الفكر التكفيري، لذا أكرر حادثة هدم قبور البقيع ليست مناسبة شيعية فقط!