18 ديسمبر، 2024 10:18 م

أخيراً وصل حاج آخوند الى بغداد، معلناً ان سماء الله أفقه الأوحد، فقد أفتتح الدكتور عطاء الله مهاجراني كتابه حاج آخوند، والذي قمت بترجمته الى العربية ببيت شعر لحافظ الشيرازي يقول فيه:

إسقني شربة راح يا مريد الخرابات فالشيخ السعيد هو الذي لا يملك تكية

يعتبر كتاب حاج آخوند رحلة سردية في الثقافة المجتمعية الأيرانية، فهو يأخذك الى القرى والأرياف ويقربك من داخل ودواخل بيوتها، ويحكي قصصها في إطار أدبي راق، يبدأ من مارون هو اسم القرية التي اقتطعها الله لهم، في هذه الجنة الأرضية حيث يعيش رجل دين مستنير ومثالي هو (حاج آخوند) يكشف استنارته أحيانًا عن طبقات الكون الخفية ولا يقتصر على الدين وحده، بل يناقش فلاسفة الغرب بفكر مفتوح يتقبل النقد الماركسي ويناقشه بالتي هي أحسن.

حاج آخوند يعتقد أن الإسلام دين سهل، إنما يجعل الأمر صعباً مَن وضع الشريعة بدلاً من الدين، يقولها بوضوح (إذا لم يكن الدين هو أسلوب الحياة فهو عبء، وعليك أن تتحمله).

أربعون حديثاً شيقاً ورائقاً متفرقاً وتِراً في سردية رائعة يربط او يُشفع بينها حاج آخوند بشخصيته ألأخاذة، فترى قصصاً تفيض حكمة وتصوف وأُخرى تغرق في إسقاطات ثقافية وسياسية. تسافر دون وعثاء سفر بل جذلان فرحاً بين المفردات وتراكيبها لتتعرف على العادات والتقاليد الإيرانية بين المدن والقرى وتمتد بك الحروف إلى التغييرات التي طرأت على المجتمع الإيراني خلال ستة عقود. لكن عبق الثقافة والأدب والتراث التاريخ لن يفارقك. فكلما أعجبك الغوص في بحر الدكتور مهاجراني كلما أكتشفت الدرر بين ثنايا الكلمات.

حاج آخوند يخصص سفوح ألِتلال مدرسة للأطفال ويدعوهم أن يتأملوا مياه الينابيع ولون الجبل خلال فصول السنة، ومن خلال آلاء الله يكشف لهم إن الإنسان مثل نور الله، يرى حاج آخوند في النبي محمد(ص) الشخصية الإنسانية الكاملة، فهو كل ما ذكرهُ امتلأت عيناه بالدموع ويقول أن الفرق بين (أحد ومحمد) هو حرف الميم، والميم هو الرسالة والمرسل.

وبرغم من عشق حاج آخوند للدين الاسلامي وولعه باللغة العربية ومعرفة عمقها والتلذذ بمفرداتها والتغني بنوادرها وشرحها كلما سنحت الفرصة لذلك، إلا أن حاج آخوند يعتبر الشاهنامه هوية روح الأمة الإيرانية ويُنزلها بمقربة من الكتب السماوية المقدسة، فهي عنده بطاقة الهوية التاريخية والثقافية الإيرانية، بالنسبة له الفردوسي هو روح نقية ومتألقة وعقل هادئ وواثق، صندوق الفردوسي المقدس مثل البحر يسبح الجميع في صدره، كلما ظهر الفردوسي وسط القصص، يكون مثل القاعة الجامعة للكل الجميع.

 

 

حاج آخوند أو المؤلف حين يتلبسه، يبرر لرستم البطل القومي في الشاهنامه قتل إبنه (سهراب) ويفترض أنه واجه في المعركة الخيار بين إبنه وإيران، وقارب قصص القرآن حين قرر أن رستم مثل النبي إبراهيم وسهراب مثل إبنه إسماعيل، (الإختبار الذي حدث لرستم هو أنه ضحى بعاطفته الأبوية من أجل قضية إيران)!

عوالم حاج آخوند كما فيها الفردوسي، فهي تنزع الى التصوف في ثنائية غرائبية لا يمكن أن تدركها ما لم تقترب كثيراً من تراث بلاد فارس، فترى الرومي وحافظ وخيام وشبستري وعطار، يتناوبون في الظهور بحثاً عن جوهر الروح لأجل الوحدة الإنسانية بعيداً عن اللون والعرق والدين.

حاج آخوند مسيرة في السير والسلوك العرفاني منذ صفحته الأولى حيث يبدأ ببيت شعر لحافظ الشيرازي ويُثني بإهداء الكتاب لذكراه المنتشية بالفرح (حاج آخوند) وجدِّ المؤلف السيد علي آقا مهاجراني وللسيد قاريء الشاهنامه ويثلث الصفحة الاولى بشطر بيت لمولانا جلال الدين الرومي، ثم تتناوب الأبيات التي من خلالها تتعرف على الأفق الفكري المفتوح لشعراء بلاد فارس.

ساهمت شخصية المؤلف السيد الدكتور عطاء الله مهاجراني في بلورة القصص بإسلوب ناضج تفوح منه خبرة رجل عركته الحياة وعركها خاض عنان الثقافة سائلاً ومسؤولاً كما سبح في بحر السياسة من باب الثقافة، فأنتج وأعطى لكنه قرر أخيراً ان يرسو بمركبه في ميناء الثقافة والأدب.

(حاج آخوند) ليس سيرة ذاتية (لشخص ما) كما أراد لها السيد الدكتور عطاء الله مهاجراني أن تروى، لكنها إسقاطات سياسية لمرحلة مهمة من حياة ايران السياسية منذ العهد القاجاري حيث كان يعيش والد الحاج آخوند مروراً بالفترة البهلوية ومنها الى الجمهورية الاسلامية الاولى، وعلى من يقرأها ان لا تفوته تلك اللمحات والإشارات.

استغل هذه المقالة واوضح للقاريء العربي بإنني قمت بثلاث أشياء رأيتها مهمة لترجمة كتاب بقيمة كتاب (حاج آخوند) وهي:

اولاً: حين ترجمت أسماء الأعلام لم أغير فيها بل نقلتها كما تكتب باللغة الفارسية، لذا ستجد الحروف الفارسية الأربعة التي يستخدمها العرب في لهجاتهم الدارجة في هذه الترجمة وهي حروف (پ وتلفظ P) و(چ وتلفظ CH) و(گ وتلفظ G) وهي الكاف المشبعة بالعربية وأخيراً حرف (ژ وتلفظ J).

ثانياً: وضعتُ هوامش رأيتها ضرورية للتعريف بالشعراء، الأدباء، الأماكن والمصطلحات الثقافية والإجتماعية في إيران.

ثالثاً: قمت بترجمة الأشعار الفارسية الى العربية وقد وضعت شرحاً لما يصعب منها، لكن أغلب أبيات رباعيات الخيام قد أخذتها من ترجمة احمد الصافي النجفي وأشرت الى ذلك في محله.