23 ديسمبر، 2024 6:06 ص

حائل موطن الأجداد ومحط القبائل

حائل موطن الأجداد ومحط القبائل

حري لمن يتغنى ويتفاخر بما سطره عظام الامة أن يخطط يوما لزيارة موطن مميز من مواطنهم الاصيلة ولعل مدينة حائل تتقدم الجميع بعراقتها وارثها تلك الامارة السعودية العربية الهادئة المفعمة بالحيوية والتي تكاد كل ذرة تراب فيها تنطق بما جرى فوقها من مآثر وعلى مدى تاريخها الممتد لعقود والتي ما زالت تحمل عبق الماضي وأسراره ..

لقد من الله علي و وطئت قدماي تلك الديار الطيبة بصحبة ثلة طيبة قادما اليها من البحرين مملكة المحبة والتعايش والسلام لنلتقي هنالك باهلها الطيبين والذين لا تكاد تميز بين قاطنيها الاصلاء وبين من وفد اليها من كل حدب وصوب ميممين..
فالقاسم المشترك الذي اجتمعوا ويحرصون عليه ويورثونه للاجيال كابرا عن كابر هو الجود والضيافة والكرم الحاتمي الذي صاغه جدهم حاتم الطائي وانصهر الجميع في بوتقته, ،تلك الصفة العظيمة التي تميز بها العرب عن غيرهم من الاقوام حتى اصبحوا مضربا للامثال!

كيف لا وحائل كانت موطن جدهم الاكبر وهو عنوان الجود والكرم بلا منازع والذي مازالت بعضا من اثاره شامخة تحكي قصص وقعت في مضايفهم التي هي اقرب منها للخيال!!

ومازال موقده المتربع فوق اعلى قمة من جبالها شاخص للعيان !!

ولحائل معالم تكاد تفتنك بجمالها وتتنافس في الاسبقية والأولية فكلما زرت معلما تحتار في جماله ووصفه ويشدك اليه شدا حتى إنك لتشعر بالشد والحنين اليه والذي يعز عليك بعدها فراقه!

ومن اجمل معالمها وكلها جميلة هي جبال ووديان وسدود (عقدة) تلك الحاضرة المخضرة الساحرة الخلابة التي كانت يوما ما ممرا و موطنا للقبائل العربية العريقة كقبيلة طي والزبيدات والعكيدات وقبائل عدة و قبيلة شمر العريقة ..
ومازالت بعض آثارهم ماثلة للعيان رغم تعرية الزمان والعاتيات من المحن والحرمان.. لتنطلق بعدها تلك القبائل العربية مصوبة وجهتها شرقا وغربا بحثا عن الماء والكلئ..

وتبقى القبائل العربية الرقم الاصعب في التوازن المجتمعي ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاوزها ولقد ادرك ذلك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدون منذ صدر الرسالة فكرموها وأجلوها وأناطوا برجالها شطرا من المسؤولية ونشر الدعوة..
ومعلوم للجميع كيف احسن عليه الصلاة و السلام لبنت حاتم الطائي وفدى وفك اسرها اكراما لابيها ..
وامتد التناغم والتآلف مع تلك القبائل مرورا بالخلافات الأسلامية المتعاقبة لغاية إنهيار الخلافة العثمانية وبدء حقبة جديدة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوع الدول العربية تحت سطوة الاستعمار البغيض وما تلاها من صفحات تخدم المستعمر وكان المستعمر يسعى وادواته ووكلاءه بالتقرب للقبائل وكسب ودها مما يؤدي الى تثبيت دعائمه..

لقد كان يسوس تلك القبائل رجال ثقاة شداد لايفرطون بحقوق اتباعهم من اجل المصالح الضيقة فليس من السهل كسب ودهم
وولائهم الا بعد ان تتحقق مصلحة القبيلة التي تصب في مصلحة البلاد وهذا هو الميزان الدقيق في العلاقة بين الطرفين فلا تستقر البلاد وتثبت دعائم الدولة الحديثة بمعزل عن مساندة القبائل لها ولا تزدهر القبيلة وتستقر في ارضها ويشتد عودها في ظل تطاحن مباشر كما حصل في الماضي القريب مع الغاصب المحتل او من ينوب عنه ممن تحالف معه من بعض من استغل اسم قبيلته وارث اجداده من ضعاف النفوس فيها وتخلوا عن تكليفهم وواجبهم الشرعي والاخلاقي بالحفاظ على القبيلة وافرادها وسمعتها والذود عنها من اجل مصالحهم واقحموا اتباعهم في صراع ممتد مرير مع اولاد عمومتهم وهذا ما اعتمده المستعمر لاذكاء نار الفتنة والقتال الذي استمر طوال تواجده في بلادنا لاطالة فترة احتلاله وفي نهاية الامر وبعد ان انكفئ المحتل واغلق ذلك الفصل الدموي عادت العلاقات الوشيجة بين القبائل رويدا رويدا بعد ان تطهرت من الخبث فيها !!

ومع تجدد المحن وعودة المعتدي الصائل بغزو بعض بلادنا العربية مجددا تعود للواجهة مرة اخرى ورقة القبيلة الضاغطة ومحاولة استمالة المؤثرين فيها للواجهة!!

لقد كان لشيوخ القبائل والافخاذ والعشائر مواقف مشرفة فعند الشدائد والمحن يتقدم شيخ القبيلة واهله وعشيرته والمقربين منه الصفوف ويكونون هو اول المضحين بأنفسهم وأموالهم ولايبرحوا الارض حتى ينالوا احدى الحسنيين ,على العكس مما يجري اليوم فلقد وصلت العلاقة بين اتباع القبيلة والبعض من شيوخها الى ادنى مستوياتها وضعف مؤشر في الحس والانتماء والولاء وهو نتيجة حتمية للتفكك الذي اصاب القبيلة وله اسباب عدة :

ربما ابرزها عدم الوقوف الشيوخ مع القاعدة العريضة في محنتهم وكما هو حاصل اليوم في الدول التي احرقتها الفتن والحروب وما سوريا والعراق عنكم ببعيد..
فبينما يتعرض الناس هنالك لابادة جماعية ولمجاعة وإعتقالات وتشريد وتنكيل انقطع عنهم اغلب الشيوخ وتخلوا عن واجبهم الشرعي والقبلي والاخلاقي فتركوا اولئك المساكين يقاسون ويجابهون الظلم العالمي بصدور عارية وفضل جلهم الانتقال باموالهم الى الدول الآمنة الصاخبة ودول الجوار ليتنعموا بالاستقرار والبعض الآخر اختصر الطريق وتحالف مع الظالم على بني قومه بالسر وبعضهم دون حياء ووجل في العلن!!
وآخرون وعلى ندرتهم ثبتوا وبقوا في ارضهم وديارهم فأولئك هم الصادقون حقا وبحاجة الى المساندة والدعم..
وقسم آخر هاجر مرغما لا مغرما بعد ان ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت وهم ينافحون عن اهلهم وديارهم ويوصلون الليل بالنهار بتوحيد الكلمة والصف وجمع القبائل بعيدا عن الصدارة والزعامة وهدفهم الاسمى هو التوحد وايصال معاناة شعبه لمن يهزه الانتماء الاسلامي العربي وقلبه يتقطع كمدا عليهم وقد يعذر أؤلئك بنيتهم فعسى الله ان يوفقهم ويفتح عليهم ..

أما من يتنقل بين الدول ويستجدي بأرث قبيلته واسم ابيه وجده ويتاجر بدماء وجوع اهله دون ان يذرف يوما دمعا والأولى دما ولا يرجف له جفنا وتراه يتقدم الصفوف رافعا قامته مزهوا بقيافته وعبائته فهو لايمثل بأي حال من الأحوال اولئك المضطهدين وقد غدى مكشوفا وتستخدمه الدول لمآربها ثم سيأتي يوما لترميه جانبا فلا يندب حظه ولايفكر ان يتقرب من ارضه واهله بعد ان يمن الله عليهم برحمته فلقد انكشفت الاوراق وبان العدو من الافاق ..

اليوم بلادنا تمر في محنة وأزمة وزلزال عظيم فلا ينفع معها كثرة البيانات المنمقة والخطابات الرنانة والتصفيق وتقبيل الخشوم والربت على الاكتاف فلقد سئم المفجوعون منها وصدقوني قد يصاب البعض منهم بالدوار والاستفراغ من مشاهدتها!!

لا اسطر ذلك تقليلا من مقام احدكم فالكل لدينا محترمين فان لم يكن لشخصكم فالتقدير قائم ومعقود لمكانتكم واصلكم وآبائكم وارثكم وفي الكثير منكم الخير وانتم بذرة من شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء بل سطرناه بما فتح الله علينا ليذكر بعضنا بعضا ويشد بعضنا من عضد وإزر بعض فلا يشغلنكم عن قومكم شاغل فانها أمانة في رقابكم وسيسائلكم الله عنها!!
فلا تصدوا عنهم واصبروا وصابروا وربطوا ورابطوا واثبتوا..

﴿وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾