23 ديسمبر، 2024 6:59 ص

“جِدْرَ الشراكة ما يفور” يا حمد؟!!

“جِدْرَ الشراكة ما يفور” يا حمد؟!!

الشراكة سلوك غريب في مجتمعاتنا , فهل وجدتم شركة ناجحة ومتطورة وباقية؟
هل عهدتم في مدنكم أن أبناءها قد قاموا بمشروع مشترك؟
بل هل سمعتم بأن أشقاء وشقيقات قد إستثمروا في ميراثهم وطوروه , وتفاعلوا لزيادة الربح العام وإدامة المشروع عبر الأجيال؟
هل وعيتم أن الإنسان عندنا يمتلك روح الشراكة والمشاركة والتفاعل المشترك؟!
هذا السلوك لا يعرفه المجتمع عبر أجيال وأجيال , وقبل مجيئ الإسلام الذي إستوعب هذه الظاهرة وترجمها بالتحاصص الميراثي , الذي قضى على الإستثمار المشترك والتواصل الإقتصادي والتطور.
فكل ميراث يكون سببا للفرقة والعداوة وضياع المال , لأن كلا من الورثة يحسب أنه يملك الميراث ولا ترضيه أية حصة , ويبقى يشعر بالغبن والمظلومية مهما كان الإنصاف صادقا.
وهذا يعني أن مجتمعاتنا تسعى للتفرق والتفرد , وعدم التفاعل المتضامن لصناعة مصلحة مشتركة , ويبدو أن فكرة المحاصصة المزروعة بالدستور قد حَسِبت البلاد ميراثا!
وعندما نأتي للسياسة فأن الحالة تكون صارخة ومتوحشة ودامية , فلا يوجد في تأريخنا المعاصر نظام سياسي مشترك , أو حكومة قامت على مبادئ ومعايير الشراكة , ولهذا فأن جميع تجارب الوحدة والعمل المشترك قد فشلت , ووصل العرب إلى أقصى حالات التشرذم والفرقة والتناحر والتصارع المشين.
فلا توجد في تأريخنا حكومة تمكنت من وضع قواعد وأسس المشاركة والإشتراك , وجميع مجالس قيادات الثورات إنتهت بالتماحق , وتسيّد فرد واحد بصلاحيات مطلقة وقاهرة.
وما تمكن العرب من إقامة تجربة ديمقراطية نافعة ومستمرة , بل أسقطوا التجارب الديمقراطية التي أقيمت في بعض أوطانهم عقب الحرب العالمية الأولى.
وتأريخ العرب يؤكد بأنهم قتلوا الخلفاء الراشدين إلا أوّلهم , وكانوا يؤسسون ويمارسون حكما ديمقراطيا أصيلا متميزا, وربما يكون ذلك أحد أسباب قتلهم الجوهرية.
والديمقراطية تبنى على المشاركة والتفاعل المشترك , وبإفتقاد هذه الميزة السلوكية عندنا , فمن اللامعقول الحديث عن الشراكة في بلدٍ ما عهد غير التفرد والإستبداد والطاعة العمياء , فكأن الحديث عن الشراكة نوع من الخيال أو السراب.
وتجارب العقد الماضي أكدت بالعمل الدامغ , أن لا يمكن صناعة حكومة مشاركة , فالنفوس غير مؤهلة للتشارك , وإنما للتفرد والتحاصص , ولهذا هللت لفكرة المحاصصة وروّجتها ورسّختها , وقبلتها كمادة دستورية , وهي لا وجود لها في دساتير الذين صدّروا الديمقراطية إلينا وكتبوا دستورها لنا.
والميل إلى التنافر نزعة سلبية كامنة في الأعماق , تحتاج لتهذيب وترويض , لكي يتمكن الإنسان من تحمل أخيه والتفاعل المشترك معه.
ووفقا لذلك , فأن إقامة حكومة صالحة وذات أهداف وطنية لا يمكن تحقيقه عندنا , وهذا يعني أن دوامة التفاعلات الضارة ستتواكب وتتعاظم , وكل حكومة ستأتي ستجد لها قميصا تضع عليه مآثمها , وتبريئ نفسها , وتتنعم بأنانية أعضائها وتوجهاتهم الفردية , التي لا يعنيها الوطن والمواطن.

ومن الأفضل أن يتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية , لا علاقة لها بأي طرف , هدفها البناء والإعمار ووضع الأسس السليمة للبنى التحتية اللازمة للمعاصرة والتفاعل مع الدنيا , وعلى كل محاصص أن يرّكز على البرلمان , ويؤكد دوره ويبدي قدراته في أروقته , فيكون له تأثيره وفعاليته وفقا لقدراته الفكرية والثقافية والمعرفية , ورؤيته المستقبلية النافعة للناس كافة.
فلن تمضي سفينة البلاد في نهر الحياة بنجاح من غير حكومة كفاءات نزيهة شفافة متفاعلة ذات أخلاقيات مهنية صارمة , وبرلمان قوي مثقف ومتبصر وحريص على المصالح الوطنية , ويؤمن بأن الوطن عقيدته ومذهبه وطائفته وعشيرته وهويته التي لا تعلو عليها هوية أو توصيف.
فابعدونا عن الأفكار الوهمية والتصوات الخرافية وكونوا واقعيين وعمليين , وتجردوا من تحزباتكم وفئوياتكم وتطلعاتكم الطائفية السقيمة , وانظروا بعيْن الكفاءة وبصيرة الإنجاز.
وبعد ذلك يمكنكم التحدث عن وجود ساسة في البلاد!!
“إذا عظّم البلاد بنوها
أنزلتهم منازل الإجلال”
وحب الوطن من الإيمان”!!
“والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”
فهل من صحوةٍ بعد طول سبات؟!!