تشير مسارات الوقائع والاحداث في الساحة العراقية الى جدية وخطورة التوجهات والاجندات الساعية لاعادة تحريك عجلة الفتة الطائفية في البلاد، وهذه المرة عبر البوابة السورية، وان لم يكن عبرها، فمن خلال الاستفادة من تفاعلات المشهد السوري.
وحتى المفردات والاطر والعناوين راحت تنتقل من هناك الى هنا، بحيث لم يعد من الصعب بمكان الاحاطة بأبعاد المخططات الخارجية التي يراد من ورائها خلط الاوراق في اكثر من مكان ، ومن ثم رسم وصياغة معادلات جديدة عناوينها –كما قلنا في اوقات سابقة-طائفية مذهبية.
“الجيش العراقي الحر” احد ابرز العناوين الجديدة، والذي بدا وكأنه رسالة الى العراقيين مفادها ان السيناريو المعد للاطاحة بنظام الحكم في سوريا سيصدر الى العراق، وطبيعي ان مصدر الرسالة هو العواصم الاقليمية التي راحت تلقي بكل ثقلها لرسم وصياغة المعادلات الجديدة.
وليس غريبا ان يصدر الاعلان عن تشكيل مايسمى بـ”الجيش العراقي الحر” من على شاشة قناة صفا السعودية المعروفة بتطرفها ونزعتها الطائفية الحادة، وقد حصل ذلك قبل حوالي عشرة ايام.
ولعل مضامين البيان التأسيسي تكشف بما لايقبل اللبس والغموض طبيعة وحقيقة الاهداف المتوخاة منه.
وقد جاء في البيان “اما بعد .. فأن بلدنا الحبيب يتعرض لاحتلال ايراني بغيض سياسي واقتصادي وامني وقد هيمن الصفويون على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية جهاراً ونهارا , الامر الذي يوجب على جميع اهل البلد بذل الوسع للدفاع عن الحرمات والاعراض والدين والوطن وبكل الوسائل.
ولم يتوقف شر الايرانيين في العراق بل توسع الى دول الخليج وافريقيا وجنوب شرق اسيا وغيرها حتى اصبحت ايران خطراً كبيراً على عدة دول عن طريق اذرعها واتباعها في تلك الدول.
لذا فاننا نعلن عن تشكيل الجيش العراقي الحر تحقيقاً للاهداف الاتية:
•صد ودحر الاحتلال الايراني الصفوي الاجرامي.
•ليكون سندا وظهيراً لاخيه الجيش السوري الحر خاصة والشعب السوري عامة ليحل محل ما يسمى بالجيش العراقي الذي تشكل تحت رعاية واشراف قوات الحرس الثوري الايراني.
•ليكون عربيا لكل الاسود والابطال من ابناء شعبنا الابي.
وبهذه المناسبة فاننا ندعو ابناء شعبنا جميعا للتكاتف والتعاون والتناصر للوقوف بوجه العدوان والاحتلال الصفوي سائلين الله تعالى النصر والتمكين”.
اذن الهدف من تأسيس هكذا جيش هو لمحاربة ايران، والمساعدة في اسقاط النظام السوري بالتحديد، ولاتوجد اي اهداف اخرى.
واذا كانت اطراف عربية واقليمية ودولية تدعم وتساند منذ عدة سنين جماعات ارهابية اعلاميا وسياسيا وعسكريا ودينيا ولوجيستيا من اجل الحؤول دون نجاح التجربة السياسية الجديدة في العراق، وتحت واجهات معينة وبوسائل واساليب مختلفة، فأن تلك الاطراف باتت اليوم تتصرف وتتحرك بطريقة اكثر وضوحا وصراحة وجرأة وصلافة.
لايمكن تصور تشكيل ميليشيات مسلحة لها اهداف تتجاوز حدود الجغرافية العراقية بمعزل عن ارادات ومخططات خارجية خطيرة، وان ضخ الاموال من خلف الحدود هو العنصر الاساس الذي يعول عليه لانجاح خطوة تشكيل “الجيش العراقي الحر”، والتي تتمثل بتجريد السلاح من ايدي الناس بصورة هادئة مما يجعل مسألة دفاعهم عن انفسهم ومناطقهم ورموزهم اذا تطلب الامر عسيرة ان لم تكن مستحيلة، وتتحدث التقارير من مدن عديدة في جنوب العراق عن ارتفاع سعر القطعة الواحدة من بندقية الكلاشينكوف من مائة وخمسين الف دينار عراقي الى اكثر من مليون دينار، في حين قفز سعر بندقية (B.K.C) من مليوني دينار الى عشرة ملايين دينار، ناهيك عن الارتفاع غير المسبوق في اسعار المسدسات والاعتدة والذخائر المختلفة.
ولان المسألة خطيرة جدا، واهدافها وابعادها واضحة لذلك اخذت صيحات التحذير من قبل الاوساط الدينية والسياسية تتعالى محذرة من تمرير تلك المخططات الخطيرة، فأية الله العظمى السيد كاظم الحائري، وكذلك اية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي اصدرا فتاوى واضحة تحرم بيع السلاح، فضلا عن ذلك فأن مراجع دين اخرين وجهوا وكلائهم ومعتمديهم الى القيام بحملات توعية وتثقيف على اوسع نطاق ممكن لشرح وتوضيح الابعاد والنتائج الكارثية الوخيمة لبيع السلاح، ولايختلف الامر كثيرا سواء تم تهريب السلاح الى الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا، او تمت الاستفادة منه من قبل مايسمى بالجيش العراقي في داخل العراق.
[email protected]
ولعل هناك سؤال يطرح نفسه بقوة الا وهو.. من اين تأتي الاموال الطائلة التي يتم من خلالها شراء الاسلحة بأسعار خيالية تفوق كثيرا الاسعار المتعارف عليها؟.
وللاجابة على هذا التساؤل، ينبغي هنا التذكير بما كشفت عنه قبل حوالي شهر و نصف اوساط ومصادر مطلعة من انه بتولي الامير بندر بن سلطان بن عبد العزيز رئاسة جهاز المخابرات السعودي خلفا لعمه الامير مقرن ، سيشرع بتنفيذ مخطط لاستئناف دعم الجماعات الارهابية في العراق، كجزء من مخطط واسع يمتد الى سوريا ولبنان وايران ومناطق اخرى الهدف منه ضرب واضعاف المكون الشيعي-سياسيا واجتماعيا.
وطبيعي ان مخططا من ذلك القبيل يتطلب تخصيصات مالية كبيرة، وتتحدث جهات متعددة خلف الكواليس عن عشرات الملايين من الدولارات خصصتها الرياض والدوحة لدعم مشروع اطلق عليه داخل اوساط المخابرات السعودية والقطرية(ضرب الشيعة)، والذي من بين احد مفرداته الاساسية تمهيد وافساح الطريق امام التيارات الاسلامية السنية لتسلم مقاليد الحكم في عدة بلدان عربية واسلامية، وهذا ماحصل بالفعل في مصر وتونس، وما هو قائم في تركيا، ومايراد له ان يحصل في سوريا وبعدها العراق.
والمفارقة ان التيارات الاسلامية السنية بعد ان كانت محاربة ومطاردة من قبل الانظمة الحاكمة والقوى الاقليمية والدولية المساندة والداعمة لها، نراها اليوم تحظى بقدر غير مسبوق من الدعم والتأييد من ذات القوى التي حاربتها في السابق.
والملفت هنا ان سياسيين عراقيين حذروا قبل حوالي عام، وحينما تصاعدت حدة الصراع المسلح في سوريا، من ان ذلك الصراع سيصل الى اسوار العاصمة العراقية بغداد، وبالفعل فأن الكثير من الدلائل والمؤشرات تؤكد صحة تلك القراءة الاستشرافية المبكرة، ووصول الصراع من داخل حصون سوريا الى اسوار بغداد، يعني ان المخطط واحد والهدف واحد، والوسائل والاساليب واحدة، اي بعبارة اخرى هناك سلسلة من الاجراءات والخطوات التي تكمل بعضها البعض، وهي في حال افلحت ونجحت في سوريا فأنه سيكتب لها النجاح في العراق، وذلك النجاح يعني بالتالي توجها لمحاصرة ايران واضعافها، وماجاء في بيان “الجيش السوري الحر” كان واضحا الى حد كبيرا فضلا عن كونه مدروسا بدقة وعناية.
وماينبغي الاشارة اليه هو انه لن يصار الى تكرار ذات السياقات التي تم اتباعها خلال الاعوام 2005 و 2006 و 2007 من قبل الجماعات الارهابية في العراق، لانها وان اثرت بمقدار معين الا انها لم توصل الى الهدف الاساسي والنهائي لها، لذلك فأن السياقات السابقة يمكن ان تكون مكملة ومتممة للسياقات والخطط الجديدة وفي اطار تحرك على مساحة اوسع وشامل تتجاوز الحدود الجغرافية بين العراق وبعض جيرانه.
والتحرك على مساحة اوسع واشمل يعني مزيدا من مشاهد سفك الدماء وازهاق الارواح بواسطة السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وكواتم الصوت، وبنادق الكلاشنكوف التي يمكن ان يشتريها “الجيش العراقي الحر” من بعض العراقيين بأموال الرياض والدوحة لتقتل نفس الناس الذين باعوها بأثمان باهضة… وهذا هو الجزء الصغير الظاهر فوق سطح الماء من جبل الجليد الغاطس تحته!.
ومن المهم ان تستذكر ونستحضر تجربة جيش لبنان الحر، ونتأمل كذلك في تجربة الجيش السوري الحر.. لنعرف الى اين يمكن ان تصل تجارب تشكيل الجيوش الحرة بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!.