23 ديسمبر، 2024 3:32 م

جيل الستينات ، شكرا لك أمريكا

جيل الستينات ، شكرا لك أمريكا

هم الأن أو بالاحرى من بقي منهم في العقد الخامس من العمر ، عاشوا أكثر الفترات أهمية في تاريخ العراق المعاصر ، فتحوا أعينهم على الدنيا وهم يرون انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 ، ومقتل عبدالسلام عارف ، حتى انقلاب عام 1968 ، وهم الأن في المدارس الأبتدائية ، ورغم ذلك ، أحسوا انهم عرفوا عبد الكريم قاسم الذي لم يروه ،أكثر من القادة الذين رأوهم رأي العين ، لكثرة ما لهج ذويهم بمآثر هذا الرجل ، وبَصْمَتِهِ العميقة في أعمار ونهضة هذا البلد ، رغم ان الكلام عنه كان ممنوعا حتى في البيوت ، ونهايته المحزنة التي تنم عن قدر كبير من الغدر والجحود ، وبدأ غسل الادمغة الغضة بأوساخ  الشوفينية ، والزج القسري في الحزب الواحد ، والتوجيهات في الاجتماعات الحزبية  بتشجيع التجسس حتى على ذوينا ، ومعسكرات العمل الشعبي التي كانت ترقى الى معسكرات الأعتقال ، أزمة النفط ، شعار (التقشف) ، ظاهرة (ابو طبر) ، وبزوغ نجم صدام حسين ، وعسكرة المجتمع ، وتدريبات (الفتوّة) ، تنازل (البكر) عن السلطة لصدام حسين ، علما ان حتى (بائع الرقي) كان يعلم ان (البكر) اُجبر عن التنازل ، بعد ان قصّ (صدام) جناحيه بتصفية جميع  انصاره وعلى مراحل ، وبنفس الفترة تقريبا ، اُطيح بشاه ايران لصالح (الخميني ) ، وﺁن الأوان لضربهما معا!.
وكانت (القادسية) ، الحرب المجانية الكارثية الضروس ، ووقف العالم كله موقف المتفرج ، حتى سُمّيت بالحرب المنسية ، هكذا فقد الكثير من ابناء هذا الجيل حياتهم ، ومن نجا منهم ، فقد شبابه ، حرقت الأخضر واليابس ، دمرت اقتصاد البلد ، وكنا نتعجب من قصص الاجيال التي سبقتنا ، وفترات الرخاءوالسفر والحرية  التي عاشتها قبلنا، وعند انتهاء هذه الحرب ، اراد المتبقي منا ، فرصة لالتقاط الأنفاس ، وكان غزو الكويت بالمرصاد ، ليقضي على ما تبقى من النفوس المتعبة ، التي روّعها الانسحاب المهين والملحمي وغير المدروس من الكويت .
هذه المرة ، لعبت أمريكا معنا وجها لوجه ، لعبة القط والفأر ، خيمة (سفوان) ومقرراتها السرية الملغمة ، ازمة مفتشي الامم المتحدة ، ذرائع عديدة ، وكل ذريعة تنتهي بضربة ، احداث 11 أيلول ، انهيار (طالبان) ، ثم أجتياح العراق .
هكذا ضاعت حياتنا وسط دوامات العنف والأزمات والموت ، وانتبهنا لأنفسنا ، وقد صرنا شيوخا ، بلا أي رصيد في هذه الدنيا ، لم ننتبه كيف مضى العمر بحياة شاقة وعقيمة ، لقد قدّمنا كل شيء حتى ارواحنا ، ولم نحصل على اي شيء ، لقد كنا حطبا لثلاث حروب لا ترحم ، الأحياء منا صاروا اشباحا دُفنوا في الحياة ، كل ذلك بسبب نزوات قادتنا ورعونتهم واستخفافهم ، ووجدنا أنفسنا وسط ساحة ملتهبة ، تحكمها شريعة الغاب والارهاب والمفخخات والدخان والاجساد الممزقة والفساد والسرقات ، وشوارع تلونها الدماء ، وقد يئسنا من انصاف (قادتنا الجدد) ، عشرة أعوام أضافت لموتنا موتا وكأننا بذّرنا تلك الاعوام في آلةِ زمنٍ سخيفة رعناء ، أو كحلم كالكابوس ندعوا الله ان نستيقظ منه ، دون جدوى ، منعَنا صدام ، بحروبه المتواصلة وهواجس الجاسوسية المريضة لديه من السفر ، في الوقت الذي كانت كل دول العالم تعطي تأشيرة للعراقي خلال ساعات ، والأن صار السفر مباحا ، ولكن لن تمنح تلك الدول تأشيراتها للعراقي ، ولوتعفّن أمام سفاراتها ، لأنه موصوم من (أمريكا) والحامل لأسوأ جواز سفر في العالم ولا زلتُ لا أمتلكه ،العراقي ، رهين المحبسين ، اما حبيس البلد ، أو رهين الغربة ، انها ساحة اسمها (العراق الجديد) ، فشكرا لكِ .. أمريكا!.