23 ديسمبر، 2024 5:58 ص

جيش ثاني مرتزقة امريكي عدا الجيش الامريكي يبحث عن المال ومتطرفين

جيش ثاني مرتزقة امريكي عدا الجيش الامريكي يبحث عن المال ومتطرفين

يشكلون ثاني قوة عسكرية بعد الجيش الأمريكي النظامي في العراق، ويرفعون العلم الأمريكي لكنهم لا يتبعونه.. بل يتبعون المال الذي يتقاضونه عبر شركات أبرمت عقودا مع إدارة الرئيس جورج بوش للقيام بمهام قتالية خطرة نيابة عن الجيش، ووراء كل ذلك تحوم أجواء حرب صليبية، لفت إليها الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل.

ففي لقائه مع قناة الجزيرة أوضح هيكل أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو “دولة فرسان مالطا” الاعتبارية آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم.

وقال هيكل: “لأول مرة أسمع خطابا سياسيا في الغرب واسعا يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية”، مشيرا إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه الحديث عن شركة “بلاك ووتر” أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة “الدينية” التي تجمعهما.

الحروب الصليبية

وفى تقرير له نشرته مؤخرا مجلة “ذا نيشين” الأمريكية بعنوان “جيش بوش في الظل”، يكشف سكيل عن الصلة الدينية التي تجمع بين “بلاك ووتر” وإدارة بوش قائلا: “من الصعب تخيل أن المحسوبية التي اصطبغت بها إدارة الرئيس الأمريكي بوش لم يكن لها دور في نجاح بلاك ووتر، فمؤسس الشركة إيريك برينس يتشارك مع بوش في معتقداته المسيحية الأصولية، حيث جاء من عائلة جمهورية نافذة في ولاية ميتشيجان، وأبوه إيدجار برينس ساعد جيري بوير لإنشاء مركز أبحاث العائلة وهو معني بمواجهة الإجهاض والزواج المثلي”.

وبوير هو سياسي محافظ معروف بعلاقاته مع كثير من الجماعات المسيحية الإنجيلية، كما يعرف بتأييده اللامحدود لإسرائيل وإيمانه بضرورة استخدام القوة العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير سكيل فإن الجنرال المتقاعد جوزيف شميتز الذي عمل مفتشا عاما في وزارة الدفاع الأمريكية ثم انتقل للعمل كمستشار في مجموعة شركات برينس المالكة لـ”بلاك ووتر”، كتب في سيرته الذاتية أنه عضو في جماعة فرسان مالطا.

وتعود جماعة فرسان مالطا الدينية إلى العصور الوسطى حيث نشأت في جزيرة مالطا وعرفت باسم “فرسان القديس يوحنا الأورشليمي” وقد انبثقت عن الجماعة الأم الكبيرة والمشهورة باسم “فرسان المعبد” والتي كان لها شهرة أيام الحروب الصليبية، وكان أفرادها دائمي الإغارة على سواحل المسلمين.. خاصة سواحل ليبيا وتونس لقربهما من مالطا.

ويكشف من جهتهما الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز والأمريكية ماريسا سانتييرا اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين رونالد ريجان وجورج بوش الأب رئيسا الولايات المتحدة السابقان، وهما من الحزب الجمهوري، كما يشير موقع فرسان مالطا أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة بريسكوت بوش وهو الجد الأكبر للرئيس الحالي جورج بوش الابن.

ولا يمكن -بحسب الباحثين- انتزاع تصريحات الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر من هذا السياق حين أعلن شن “حرب صليبية” على الإرهاب وذلك قبيل غزوه لأفغانستان عام 2001.

دولة ذات سيادة

وبحسب الموقع الرسمي لدولة فرسان مالطا يلقب رئيس المنظمة بـ”السيد الأكبر” وهو حاليا الأمير البريطاني فرا أندرو بيريتي الذي تقلد رئاسة المنظمة عام 1988، ويقيم السيد الأكبر في روما ويعامل كرئيس دولة بكل الصلاحيات والحصانات الدبلوماسية.

وينص القانون الدولي على سيادة دولة فرسان مالطا التي لها حكومتها الخاصة ولها صفة مراقب دائم في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتدار الأنشطة المختلفة للمنظمة عن طريق ستة أديرة رئيسية متفرع منها خمسة فرعية و47 جمعية وطنية للفرسان في خمس قارات، وللمنظمة علاقات دبلوماسية مع 96 دولة على مستوى العالم منها مصر والمغرب والسودان وموريتانيا، بحسب الموقع الرسمي للجماعة.

وقال هيكل: “إن شيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من مصر الاعتراف بدولة فرسان مالطا واعترفت مصر”، متعجبا من اعتراف البلد غير الكاثوليكي في العالم بهذه الجماعة الكاثوليكية الرومانية.

مرتزقة خارج القانون

أما عن وضع شركة “بلاك ووتر” المرتبطة بفرسان مالطا في العراق، فهو ينطبق عليه -بحسب دراسة للصحفي خالد القرعان حول الشركات الأمنية في هذا البلد- قرار أصدره الحاكم المدني السابق للعراق “بول بريمر” بتاريخ 27-6-2004م يمنح الشركات الأمنية حرية العمل في العراق، كما منحها حصانة قضائية ضد ملاحقة القانون العراقي لها.

وتستخدم هذه الشركات معدات تقترب من الجيش النظامي؛ إذ إنها تستخدم أدوات قتالية متوسطة، وفي بعض الأحيان ثقيلة، بل إن جزءا منها تستخدم الهيلوكبتر والمدرعات لتنفيذ أعمال قتالية وهجومية مثل شركة “بلاك ووتر” وشركة “دين كورب”.

وتأتي القوات الأمنية الخاصة في العراق في المرتبة الثانية من حيث عدد أعضائها بعد جنود الولايات المتحدة الأمريكية التي يقدر عددهم بـ130 ألف جندي، في حين يتراوح عدد أعضاء الشركات بين 30 إلى 50 ألف شخص يعملون في 130 شركة أمنية، بالإضافة إلى أنه يبلغ حجم أعمالها في العراق إلى ما يقارب 100 مليار دولار.

ويكشف سكيل عن أنه مع تنامي نفوذ شركة “بلاك ووتر” داخل الإدارة الأمريكية، فإنها تتطلع حاليا إلى الحصول على عقد في إقليم دارفور، غرب السودان، وهو الأمر الذي يمكن أن يضيف دافعا آخر نحو إصرار الولايات المتحدة التدخل عسكريا في دارفور وتدويل الصراع في هذا الإقليم.

لا يخضعون للحساب

ويؤكد جيرمي سكيل في كتابه على “أن المرتزقة القتلى في العراق لا يحسبون ضمن قتلى جيش الولايات المتحدة النظامي، كما أن جرائمهم لا يتم توثيقها، وبالتالي لا يتم معاقبتهم عليها، وهو ما يغطي على التكلفة الحقيقية للحرب”.

وسبق أن صرح السناتور الديمقراطي دينيس كوسينتش الذي يعد واحدا من أكثر المعارضين لعمل المرتزقة في العراق: “لدينا 200 ألف جندي في العراق نصفهم لا يمكن حسابهم، والخطر أن نسبة محاسبتهم على ما يفعلون هي صفر” ، واصفا ما يحدث في العراق على أنه “حرب مخصخصة”.

وتشير الإحصاءات إلى أن 57% من القتلى في صفوف هذه الشركات كانوا في المثلث السني (بعقوبة – الرمادي – الفلوجة)، وهو ما يدل على أن الجيش الأمريكي استخدم المرتزقة كرأس حربة في التصدي للمقاومة، خصوصا في العدوان على الفلوجة عام 2004 والذي شهد جرائم حرب واستخدمت خلاله قنابل فسفورية ضد الأهالي.

وذكر القرعان أن نشاط هذه الشركات -على حد تعبير تقرير صادر عن الجامعة الوطنية للدفاع في واشنطن- يعرض حقوق الإنسان للخطر، وهو ما جرى فعلا عندما تورط عملاء شركتين خاصتين للحماية في فضيحة تعذيب واغتصاب سجناء عراقيين في سجن أبو غريب، وهما شركتا (كاسي انكوري رايشن CACI) و(تيتان كوربوراشن Titan).

سمعة سيئة

وأشارت الدراسة إلى استعانة هذه الشركات الخاصة بأفراد اشتهروا بسمعتهم السيئة على صعيد انتهاك حقوق الإنسان والتورط في محاولات قتل وتعذيب بل وانقلابات عسكرية في بلدان إفريقية أو أمريكية لاتينية، وكان من أبرز هؤلاء الموظفين الأمنيين الذين كانوا يعملون في حكومة الدكتاتور التشيلي السابق أوجستو بنوشيه، وحكومة مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوسفيتش، وأفراد من نظام الحكم العنصري السابق في جنوب إفريقيا.

كما استعانت بعراقيين وبعض اللبنانيين الذين التحقوا في تنظيمات مسلحة إبان الحرب الأهلية في لبنان، ولا تستبعد كونهم من قوات “أنطوان لحد” المتعاونة مع القوات الإسرائيلية في عدوانها على لبنان قبل أن تتفرق بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000.

ويتراوح الأجر اليومي للجندي المرتزق ما بين 900 إلى 3 آلاف دولار أمريكي، وهو ما يفسر -بحسب هيكل- استنزاف مليارات الدولارات من العراق.