20 مايو، 2024 1:28 م
Search
Close this search box.

جيش المختار أجراس الإنتقام الشيعي

Facebook
Twitter
LinkedIn

ا يوجد مثقف ينتقد تراثه مثل المثقف الشيعي, لكنه مع ذلك يوصف من الإعلام العربي بكونه: “طائفي”. هنا نحن ننقد التراث من الكليني وحتى الخميني, ونقدم الاشكاليات على قراءة الدين من قبل الشيخ الصدوق وحتى السيد محمد الصدر, وفي المقابل لم نسمع من المثقف السني في العراق, أي نقد. ليس ثمة نقد لا لكتب التراث السني, ولا للمؤسسة الدينية السنية, ولا مراجعة للعنصرية التي بلغت مستوى النازية والقتل التسلسلي للأحزاب السياسية السنية. فإذا أنت كتبت نقدا عن السيد السيستاني, أو المالكي, ستجده منشورا في أولى عناوين الصحف العربية والمواقع الالكترونية, أما إذا اقتربت بحرف واحد من أي كتاب سني, أو شخصية سنية, ستكون عندها طائفيا, ورجعيا بغيضا. الأمر الذي يولد ردة فعل شيعية في التمسك بكل ما هو موجود, فكرا ومؤسسات, على الرغم من درايتنا بحجم الأخطاء فيها. والمثقف الشيعي حائر كيف يمكن له مواصلة نقد فساد الأحزاب الشيعية والمؤسسة الدينية المُتخلفة, وبين الحقد المتزايد من السنة على كل ما هو شيعي؟!
ولنكتب الأمور بأسمائها, وبعيدا عن طوباوية المثقفين: على الرغم من كل أخطاء السنة في العراق, في صمتهم عن نقد تراثهم التاريخي والفقهي, سكوتهم عن العلاقة الودية مع الأحزاب الانقلابية, فإن ثمة إعجاب بالنفس ومكابرة, مُكابرة بالأخطاء, مكابرة ترفض الاعتراف بالواقع المتعدد للمجتمع والناس. الاستمرار بتقديس صدام حسين, عدم الاعتراف بالمقابر الجماعية, عدم الاعتراف بالانتفاضة الشعبانية. الاحتفال بزعماء الارهاب هكذا علانية وبدون أي خجل أو تردد. ماذا يمكن لأي مثقف أن يُعلق على تعبير طه حامد الدليمي (وهو دكتور!) بالقول ان الأنبار خالية من (قذارة الشيعة) فهي تمثل السنة بامتياز, وان أهلها ما زالوا يحملون الدم السني النقي فهم باقون على الحليب العربي, بخلاف (حثالات) الشيعة الذين رضعوا حليب الداعرات الفرس, وان الأنبار بموقعها الجغرافي تمثل حاجزا أمام السرطان الشيعي الذي يجب قتله بقطع ماء الفرات على هؤلاء (الصفيون والبرامكة, الجدد) بحسب تعبير عبد المنعم البدران؟! في حين إنه لا يوجد أمة صبرت على استهتار جلاديها مثلما صبر شيعة العراق, مع ذلك لم يقل لهم أي مسؤول سني أو نخبة سنية, أي كلمة تطيّب الخاطر. الآن تندلع تظاهرات غاية في النتانة اختارت لنفسها توقيتا ذا رمزية واضحة: فتظاهرات الأنبار والفلوجة تمتد بين سنوية الامام العسكري الذي تم استباحة قبته, وبين ذكرى الانتفاضة الشعبانية. إنها تظاهرات ثأرية بشكل واضح.لقد فوتت هذه التظاهرات فرصة إصلاح العملية السياسية, بجعل الشارع الشيعي يعود للتمسك ليس بنوري المالكي فقط, وإنما بالمنهج السياسي القائم. إن الشيعة بقيادة التيار الصدري كانوا ينوون إجراء صولة إصلاحية ضد حزب الدعوة إلى درجة أن بعض القيادات السياسية طرحت مشروع التصفية الجسدية لمقتدى الصدر, لكن غربان العشائرية الطائفية في الانبار منعت نخبة المجتمع السني المثقفة والواعية والمستقلة أن يكون لها أي صوت. فالنخبة السنية المثقفة هي أمل العراق في إقامة حكومة وطنية ذات مشروع حضاري مشترك. وهي بهذا خطر كبير يهدد الفكرة السائدة بوجود تضاد نوعي بين الشيعة والسنة, في حين أن هناك شيعة قُتلوا ونهبت ديارهم ويعانون من فساد قوات وموظفين شيعة. وهناك ضمائر سنية حية تؤمن بأن الفساد والاستبداد لا مذهب له. لكن بعضهم يستغل الشرائح الفقيرة والمحرومة والمتخلفة في الفلوجة والأنبار, فإذا بالجمهور السني يعود إلى لغة الشتم والتخوين للشيعة, متناسين أن شيعة اليوم قد أثخنتهم الجراح, وثُقلت عليهم الشتائم, وبات الغضب الشيعي يقارب لحظة الإنفجار. أعرف أن هناك سنّة أفضل وأرحم من أي شيعي على شيعي, ليس لي شكٌ في ذلك. فكونك سنيا لا يعني أنك شيطان, ولا كونك شيعيا أنك من جند الرحمن, لكن على مجانين السنة قبل عقالهم أن يدركوا حجم الغضب الشيعي اليوم, وما جيش المختار الوهمي إلا لافتة تقيس حجم التأييد الاجتماعي في الشوارع التي لا يمكن إزالة اللون الأحمر منها بأي عملية تنظيف لا تبدأ بنظافة القلوب أولا. لا تعتقدوا أبدا أن لديكم فقط مجانين يعشقون الدماء, ووحوش تتاجر بالدم وتلتذ بالموت, فلدينا منهم الكثير يتصيدون فرصة ركوب الفتنة, ونحن تعبنا من تقييدهم بحبال فتاوى السيد السيستاني, ووعدهم بأن هؤلاء الطائفيون ليسوا كل السنة, لقد تعبنا كثيرا في صد القلوب الجريحة, وفي صدّ الذكريات الموجعة لأقارب المُعذَبين في سجون صدام, والمقتولين في مفخخات الإرهاب. إياكم أن تحسبوا أن السكوت خوف, وأن الصبر جُبن, ثمة إعصار مخزون في النفوس. اليوم لدينا جيل رضع دماء أقاربه المقتولين في الشوارع قبل أن يرضع حليب الأمهات المشتومات في كل حين, لسنا البحرين كي ينجدكم جيش سعودي مرتزق يعبر جسر شهوات ليالي الخميس. لا يمكن بناء دولة مدنية بدونكم, ولا يمكن إبقاء العراق عربيا بدوننا, وان كان أسامة النجيفي يُقلّل الكثير ويكّثر القليل, بالكلام, فان الواقع لا تغيره الالفاظ. نصيحتي لكم باختصار: إياكم والبصاق في وجه الريح.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب