23 ديسمبر، 2024 4:16 م

جيشٌ بلا روح

جيشٌ بلا روح

عندما يتطوّع فرد ما للجيش ، فلن يعُد يملك نفسه ، بل مُلك المؤسسة العسكرية من كل النواحي ، منها حياته وسلامته ، وعندما يتعرض لاصابة ما ، يُفتح تحقيق بالحادث ، بغض النظر اذا كان الحادث بسبب فعالية عسكرية ، أم في الحياة المدنية .

ويُدرّب المتطوع او المكلف ، ويُحاط علما بالقانون العسكري ، وأهمها التبعات الوخيمة للهروب والغياب أو التمرد وعدم الأنصياع للأوامر أو التراخي ، ونفس الشيء لقوى الأمن الداخلي ، وهذه تقاليد قديمة منذ حقبة الرومان ، وإلا لا يُعدّ جيشا ، بل ميليشيا .

للأسف الشديد لا يتحلّى الجيش العراقي الجديد بهذه التقاليد التي لم يحد عنها قيد شعرة من تأسيسه ، بل نجد أن كثيرا من الميليشيات ذات ترابط أكثر صرامة من الجيش .

قالوا قديما ( الجيش كيان ضعيف ، يستمدّ قوته من الضبط ) ، فالجيش يجب ان يكون مؤسسة متماسكة ، طبقية ، خالية من الديمقراطية ، ذات سلسلة صارمة من المراجع ، هنالك المافوق والماتحت ، لا شأن لها بالميول والأتجاهات والأحزاب ، ذات مركزية .

يتمتع الجيش العراقي اليوم بتجهيزات كُنّا نتمناها في حروبنا الكثيرة ، ولكن كما قال الشاعر:

لو كانَ الشّرَفُ في لِبْسِ الفتى

فما السّيفُ الّا غِمدهِ والحمائلُ

كنا نسمع فقط عن السترة الواقية من الرصاص ، كنا نخيط بدلاتنا عند الخياط ، كان المسدس الشخصي لا يمتلكه الا الضابط ونائب الضابط ، كانت الأجهزة اللاسلكية والنواظير الليلية قليلة جدا ، سياراتنا العسكرية وإن توفرت كانت متهالكة ، ورغم ذلك كنا نجوب الجبهات ، ونعود لأهلنا في الأجازات ونحن (نمشي بطولنا) بفخر ، و (البيرية والرتبة) تزيّن هامتنا وأكتافنا بفخر رغم كوننا ضحايا لهذه الحروب ولا أقول أبطالها ، وأخيرا ، كنا لا نعرف اللثام ، بدلا من التنكّر ولبس اللثام وخلع البدلة العسكرية واستبدالها باللباس المدني وكأنها عار .

والأن وقد تسلط الجهلاء وعديمو الخبرة والطارئون على الجيش ولجان الأمن والدفاع ، ودافِعُ الجندي للانخراط في الجيش هو الراتب فقط وليس العقيدة ، وقد تغلغل التفكير الطائفي والمحاصصة في كل مفاصله ابتداءً من القيادات وحتى اسفل قاعدة هرمه ، ويُقال (دستوريا) ، أن (البيشمرگة) هي ادى تشكيلات الجيش العراقي ، لكنك لا تعرف متى تنقلب عدوا ! وهي لا تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة !، وهكذا دبّ الانحلال والتسرب والفساد الى هذه المؤسسة ، ونحن أحوج ما نكون لها ، فكيف نتوقع منها دحر الأرهاب ، الجيش مرابط في (الفلوجة) منذ أشهر ، ولا ندري هل يحقق الانتصارات ، أم ضحية للهزائم ، وها عُدنا نقذف (بأولاد الخايبة) مرة أخرى ، المسلحين ماديا وغير المسلحين فكريا وعقائديا في معارك خاسرة ، وإلا كيف تتمكن (داعش) من حبس المياه عن مدن الجنوب في مقاطعة يُفترض انها تحت سيطرة الجيش ؟!

بالواقع ان الذي حثني على كتابة المقال حادث شجار بين نقيب شرطة وأحد معيّته من المادون الذي توعّد ضابطه قائلا ( شراح تسوّيلي ؟ قابل تطهرني ؟) ، وله الحق ، كل الحق ، فضابطه لا حول له ولا قوة في ضبطه لهذا الشرطي ، فكيف يواجه عتاة مجرمي الأرهاب؟!.