10 أبريل، 2024 3:02 ص
Search
Close this search box.

جيب البصل جيبه

Facebook
Twitter
LinkedIn

“وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها و قثّائها وفومها و عدسها و بصلها” (البقرة 61).
يبدو هذا الطلب المقدم من بني إسرائيل لربهم غريبا عند كثير من العلماء، لأن (الطعام الواحد) الذي ذكر في الآية هو(المن والسلوى)وقد وصف الله تعالى المن والسلوى بطيبات ما رزقه لبني إسرائيل. ولست هنا بصدد تفسير الآية ، لئلا أتعدى في ذلك على دور الشيخ أبو لحاف الفقهي لأننا سندخل في باب: ومن أفتى بغير علم كفر ، كما لست هنا بصدد تكوين مخلوط مما ذكر في الآية كأن أخلط البقوليات والقثاء والفوم والعدس والبصل لأرى كيف تكون تلك الطبخة وما سنحصل عليه من فوائد طبية. كما لست هنا بصدد الحديث عن قصة جاسم الذي استمع إلى محاضرة رمضانية عن فوائد البصل فقرر (فطير الكَلب)  فورا ً كعادته  أن يفتح بسطة صغيرة في باب بيته لابنه عمر، كما لست بصدد الحديث عما حدث لتلك البسطة التي سُرقت في وضح النهار في ليلة القدر حينما انشغل عنها عمر لربع ساعة فقط عندما دخل بيته ليرش جسمه بقليل من الماء الحار الذي سخنته الشمس تخلصا من حرارة الجو القاتلة، ولا أريد أن أتذكر دموع جاسم وابنه التي تفطر القلب حيث سالت لتغسل قهر الصيف والصوم والحزن على المسروقات وخاصة  كيس البصل الذي كلفه 70 ألف دينار، وأخذ يردد بحسرة
اجلبنـــــك يليـــــل اثنعـــش تجليبه ………. تنــام المسعــدة وتكَـــول مدريبــــــــه
ودْموعي تهل وهمومي نص الكون ……… وأسـأل على البصــل يا منصف يجيبه؟
 ولا أريد أن أتحدث عن التعاون منقطع النظير بين البلديات وأصحاب علاوي ومكاتب الفواكه والخضر في مدى التزامهم بتسعيرة العمولة وفق قانون أجار واستئجار أموال الدولة ، حيث تكون التسعيرة 2% من سعر البضاعة ، ولا أريد أن أتحدث عما يجري في أرض الواقع الفاسد ، لكني  أردت أن أتناول مفردة واحدة فقط. الا وهي البصل: لما له من فوائد كثيرة، حيث يحتوى على الأملاح المعدنية أهمها أملاح الحديد والفسفور والكالسيوم، وأيضاً يحتوى على فيتامينات أ ، ب ، ج كما يحتوى أيضاً على زيوت طيارة وألبان منشطة للأمعاء فهو مطهر ممتاز وطارد للغازات !! وفاتح للشهية وقاتل للجراثيم فمضغ البصل لمدة أربع دقائق كافٍ لقتل جميع الميكروبات التي توجد في الفم لدرجة التعقيم كما يستخدم عصير البصل مع العسل بنسب متساوية في علاج الماء الأبيض الذي يصيب العين كما يستعمل عصير البصل في دهان الأطراف المبتورة لتسكين الآلام ومنقوع شرائح البصل يستعمل لطرد الديدان عند الأطفال.
ولا أريد هنا أن أتحدث عما قيل عن البصل في مفردات تراثنا الشعبي حرمة لشهر رمضان، بل أريد أن أتحدث عن حركة البصل الإهليجية والدورية محاولا تتبع ما يحدث له أثناء سيرة باتجاه المائدة، وما يتعرض له من مضايقات بسبب الحواجز الكونكريتية أحيانا، وبسبب الحواجز غير الكونكريتية أحيانا أخرى. فالحواجز عندنا نوعان: كونكريتية وغير كونكريتية !
ففي الفترة الأخيرة وتحديدا قبل عشرين يوما تقريبا على أغلب الظن تعرض المواطن العراقي لهزة قوية عندما صعد سعر البصل في المناطق غير الساخنة وغير المتنازع عليها إلى ما يقارب ألفين وخمسة مئة دينار تقريبا، وبسبب عدم إمكانية الفقراء من شراء هذه المادة ، شاهدت وصل أمانة عند بائع البصل  كتب فيه:
( إني أبو عيون ، اقر واعترف وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية بان أبو لحاف يطلبني عشرة آلاف دينار ثمنا لثلاثة كيلوات من البصل حيث كان سعر الكيلو الواحد ألفين وخمس مئة دينار)!
وقد شاهدت وأنا احضر دعوة على الفطور أن صاحب البيت وضع ماعونا فيه بصل أمام شيخ العشيرة تقديرا للشيخ وتفضيلا له على الآخرين.
وتسربت لي معلومات أن لجنة خمسة زائد واحد كانت قد بحثت موضوع البصل في اجتماعها الأخير في موسكو حيث أكد المجتمعون على وضع خطة استباقية لحل الأزمة البصلاوية المحتملة  التي ستؤدي بالتالي إلى ثورة شعبية تعم العراق وتدمر كل الانجازات التي حققها البلد في قضية الكهرباء، ولكن مع بروز المشكلة بشكل واسع في العراق حيث وقف الشعب والبرلمان والحكومة على قدميهم طيلة أيام الأزمة ، قد أذهب بكل الخطط أدراج الرياح ، ولانعلم لماذا لم ينتفضوا لقضية غسيل الحنطة والذرة بالدولار الجارية لحد الآن ، وسمعت أيضا أن إيران عارضت مشروع الحل وان السعودية عارضت إيران وان القائمة العراقية وقفت بالضد من دولة القانون وان التيار الصدري الشعبي قد أصر على توزيع مادة البصل ضمن مفردات البطاقة التموينية ، وأن الأحزاب الكردية قد كان موقفها موحدا ً حيال أزمة البصل الحادة ، حيث صرح الأخ مسعود البرزاني بقوله : (ئه كَر به سه ل هه يا عيراق هه يا ) ، وان  اللبنانيين منقسمين على أنفسهم، فجماعة حزب الله قد أيدوا موقف التيار الصدري، وجماعة 8 آذار أيدوا موقف السعودية وانضمت إليهم إسرائيل ، وان يونس محمود رفض اللعب في النوادي القطرية لما يلقاه بلده من اهانات من القطريين، ووقوفهم بالضد من أي موقف يشجع على ارتقاء العراق وخاصة في قضية مثل قضية البصل, وسمعت أيضا أن إحدى الكتل السياسية جمعت 337 توقيع! لإقرار قانون يحدد سعر البصل قياسا بالراتب الشهري وفق نسبة مئوية رفضتها دائرة التقاعد العامة لأنها تضر بالمتقاعدين . كما سمعت خبرا مفاده أن قانون تسعيرة البصل سيعدل أو يلغى قبل تنفيذه كما حدث مع قانون المجالس البلدية( القواطع  والأحياء)، وان الإخوان في مصر اقترضوا ملياري دولار من قطر شجعتهم على طرد طنطاوي الذي كان مؤيدا للحلول الوسط التي تقترحها الأمم المتحدة بشان تحديد أسعار البصل،ولكن الرئيس مرسي استبق الكل وعين المطرودين كمستشارين له، وإن هذا الإجراء مع إجراء البرلمان العراقي في منح جواز سفر دبلوماسي عابر للهواء للبصل المصري الذي غزا السوق العراقية بعد منحه ذلك الجواز، وقد أفشل كل خطط الشركة التي كانت تمني النفس في بيع كميات كبيرة من حبوب طرد الغازات التي نفخت الكرش العراقي أكثر أثناء هذه الأزمة .
عجيب أمور غريب قضية شعب نايم ما كَعده الريل ! وفجأة ينهض ليغيّر وجه التاريخ على مود ضرطة (باعتبار ما سيكون) على أغلب الظن !
مرددا ً هتافه الخالد (جيب البصل جيبة)
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب