23 ديسمبر، 2024 11:26 م

جوًع الكلب …. يمشي وراك

جوًع الكلب …. يمشي وراك

احصائيات الامم المتحدة تقول أن 10 % من سكان العالم يتحكمون بـ80% من ثرواته ، وتنزل النسبة في دول العالم “الغافي” المسمى بـ” النامي ” ، ومنها دولنا العربية الى 1- 3% . ألامر الذي يعكس مشكلة اجتماعية خطيرة ، لكن ولأجل الحقيقة علينا تمييز ألآتي :
– أن الكثير من الدول التي كانت تحسب على مايسمى العالم النامي قد خلعت عن نفسها ثوب التخلف وأرتقت سلًم التطور واصبحت تتفوق على دول من العالم الاول ( المتقدم ) مثل كوريا الجنوبية وماليزيا واندونيسيا والبرازيل وتايلاند وغيرها ، فسبقتنا أشواطا حيث مازات الدول العربية ، تراوح باصرار، بموقعها في قاع العالم الثالث مع بعض الدول الافريقية . أذ مازال الجدل حول جنس الملائكة وزواج المتعة وارضاع الموظفة لزميلها في العمل يشغلنا عن ماسواه ( وهذا أبرز مثال لوحدة العرب للمشككين بها ).
– أن الاغنياء هم عصب الاقتصاد  ومحركه في الدول المتقدمة لأن رؤوس اموالهم تشغًل ملايين البشر والضرائب التي يدفعونها تشكل أساس ميزانية دولهم ، علاوة على تبرعاتهم التي تساهم في تمويل الجامعات والبحوث العلمية والمستشفيات والجمعيلت الخيرية . أما أغنيائنا ، فأغلبهم طفيليون ، يجمعون ثرواتهم من السحت الحرام بالسرقات والرشاوي والاختلاس من المال العام واستغلال النفوذ والموقع الوظيفي ، ولا يزكًوا اموالهم ويجري تهريبها وصرفها واستثمارها خارج بلدانهم .
فلا عجب اذن من الفقر والجهل الضارب في عمق بلداننا وهي تنام على كنوز لا تحلم بها دول كبرى؟
   فمشكلتنا تتلخص بحكمة لئيمة ابتدعها العقل العربي التسلطي منذ القدم تقول : ” جوًع الكلب .. يمشي وراك ”  والكلب أبن الستين كلب المعني هنا هو الشعب .. فما دام جائعا ، فهو يمشي وراء كل من يرمي له كسرة خبز  (حاكما كان او حتى عدوا ) . ولما كان الخبز لا يكفي للجميع ..فالافضل أن تطعم لفيف من الحاشية ووعاظ السلطان ووجوه القوم ، وهم ينوبون عن الحاكم بتطويع الشعب.. تارة بالفتاوي الكاذبة ، وتارة بسوط الجلاًد .. فليس هناك بين فتوى زور وسوط يجلد .. فكلاهما أداة واحدة للظلم .
   العبرة الخبيثة في ذلك تكمن في أن الانسان أن اغتنى وشبع …سيسمو عقله وفكره لينطلع الى ما هو أبعد من الخبز .. وقد يبدأ بالبحث عن المعرفة والعلم أو أن  يعلم أولاده ، وحين يتعلم يصبح أكثر فهما لحقيقة ألأمور ويدرك معنى الحرية وقيمة نفسه وقد يتمرد على الظلم أوعلى الموروث الفاسد في مجتمعه …وهنا تبدأ المشاكل التي لا تحمد عقباها ..التي يحسب الحاكم لها ألف حساب ..فالحاكم العربي مازال متلبسا شخصية ضل الله في الارض ، وبالتالي فان الشعب ملك صرف له ، وهو ألأب الوصي عليه و…. ستين طز بجان جاك روسو وعقده الاجتماعي القائل بأن الشعب اختار الحاكم وفق عقد ليدير أمره فأن أفلح فأهلا به أن فشل عزله .
     هذا وقد اصبحت مقولة ” جوًع الكلب ” غير لائقة لغويا  في التداول ، فاقتضي استبدالها ، مراعاتا لذوق الناس ، بعبارة أكثر ديمقراطية هي : ” لا تجعل شعبك غنيا ومتعلما والا فقدت السيطرة عليه ” ، وفيها أشارة بليغة بعلاقة الغنى بالتعلم . فأن تعلمت اغتنيت بما تعلمته ، وان اغتنيت سهل عليك التعلم ، وكل ذلك يسهل الطريق امام تمرد الشعب المسكين على حاكمه الغير عادل او الجائر او غير المؤهل ، والمثل يقول الباب اللي تجيك منه ريح سده واستريح .
  وتعزيزا لذلك  ترى انظمتنا العربية  ،وعلى عكس مايقال بأن رقي الامم يقاس بما يصرف على التعليم والصحة والضمان الاجتماعي ، قد وضعت هذه البنود في آخر اولوياتها وبما يتبقى من قروش بعد سد متطلبات امن ورفاهية الحاكم وعائلته وحاشيته وجيشه .كما حرصت أن تكون مناهج التعليم ومن يقوم عليها تافهة وهزيلة لا تواكب الحياة بل تستعبد العقل وتجره الى مطبات دينية وتاريخية يعلق ولا يخرج منها.
   ولكي يضمن الحاكم أن يبقى عباد الله لا تشغلهم أمور أهم من التسبيح بحمده وفضله وذكر مواهبه وقدراته التي لا  تحصى ، تم العمل بالاتي :
–  اغراقهم  بهموم يومية ينشغلون بها فلا هم غيرها ، وبذلك يتم تحصينهم ذاتيا من أي شرود هدًام     للفكر . هذه الهموم تبدأ من الحصول على لقمة العيش ولا تنتهي بشربة الماء النظيفة والكهرباء والخدمات الضرورية للحياة والمواصلات .     
ا- اضاعة وقتهم على مدى السنة في مراجعات عقيمة لدوائر ومؤسسات مازالت تعمل باسلوب العصر الحجري ، وفي قضاء ساعات عالقون في زحمة السير او عند الحواجز والسيطرات الامنية . وان تبقًىً هناك وقت ما  فلا بأس من اخراجهم بمظاهرات تأييد تهتف للحاكم بأمره أو تكبيلهم امام التلفزيونات ليشاهدوا مباريات التراشق بالكلام الثقيل بين الاحزاب والكتل المتزاعلة  .
– وفي زمن مضى كان الجهل متجسدا بأساطير عنترة وأبو زيد وحكايات السيعلوة والطنطل ، وفزعة الناس لتخليص كمرهم العالي عندما تبلعه الحوتة المنحوسة ، فقد تطور فن التجهيل وسرقة عقول الناس اليوم : غسل دماغ على مدار الساعة باحاديث وفقه الفتن الطائفية ، اوجدل عقيم في الاختلافات الفقهية في المذاهب والاديان، زيارات ماراثونية على مدى العام لاضرحة الاولياء الصالحين ، فتاوي مسلفنة واخرى مكشوفة بالجملة كلها تدعو لتكفير الاخر وبالويل والثبور لمن لا يسير على منهجها . واخيرا وليس آخرا حزمة هائلة من الفضائيات التي تعطل وظيفة العقل بما تبثه من حوارات حول توافه الامور وبرامج هابطة واغاني ودق ورقص بمباركة رسمية من الدولة وبتمويل من احزاب ومؤسسات ورجال اعمال ومخابرات اجنبية .
وبعد ان يطمأن الحاكم أن ألامور تمام يذهب لينام مطمئنا آمنا أن قطيع الشعب لن يغادر حضيرته الدافئة الى يوم يبعثون .
    بقيت هناك مشكلة صغيرة وهي أن الحاكم العربي ممثل بالفطرة ، يحب أن يبدو أمام الاخرين بصورة المسلم المؤمن ودليله على ذلك لحية صغيرة ومسبحة وخواتم في الاصابع وعند كل كحة أو نحة يردد اسم الله ونبيه ويستشهد بكلام العظماء من ائمة وصالحين لذا وجب تذكيره بين حين وآخر ( لعل التذكير ينفع )  بقول النبي العظيم ” أطلبوا العلم ولو في الصين ” ، أو قول لامام البلاغة علي بن ابي طالب ذهب مثلا في ثقافتنا حينما حدد علة فساد المجتمع وتأخره قبل 1400 سنة : ” لو كان الفقر رجلا لقتلته ” . لأن الفقر علة العلل ، حيث يولًد الجهل والتخلف ، ويسبب الفساد .. ويشجع مدعًي العلم من كل لون وشكل على ممارسة شعوذتهم ودجلهم وان  “يتعلموا الحجامة بروس اليتامى ” حسب المثل الشعبي … فيفرش ذلك الطريق لاستبداد وتسلط الحاكم وصولا الى امتلاك الحجر والبشر وأن يتصرف بهما وفق ما يشاء ويرغب دون سلطان رادع .
    والى أن نعي أننا مسلمون ، وأن نعمل حسب مايقول نبينا و أئمتنا الذين  نقدسهم ونحج الى اضرحتهم بالملايين ، يبقى شعار الحاكم وحاشيته : ” شعب فقير وجاهل … هذا هو المطلوب ” ، شعارا لم يستطع أحد بعد أن ينهي صلاحيته ، لا الربيع العربي ولا ديمقراطيته المستوردة ..التي تعيد استنساخه بشكل متجدد… واللي ما يعجبه …يروح يطلع مظاهرة ، او يروح يسوي  ربيع على ….. حسابه .