يقول الكاتب الروسي أنطون شيخوف: “كم اصبحنا ضعفاء في وطننا. وما أبشعنا. حين نستسلم لمن سرق حقوقنا وجعلنا نعيش على الفتات المترامي”. وفي كتابه “جوهر الفلسفة” يشير الفيلسوف الألماني “فيلهلم دلتاي” إلى ضرورة “ردم الهوة بين الذات والموضوع ـ وأن لا يكون “المنهج” من حيث جوهر القضية قابلاً للتأويل والاحتمالات”.
مع هاجس التحديات الخطيرة وتفاقم الأوضاع الأمنية وإنتشار السلاح المنفلت وتسويف احزاب السلطة ومحاولاتها تجيير قانون الانتخابات لصالحها. واحدة من أهم الموضوعات التي تخيف الكتل السياسية الماسكة بسلطة الدولة العميقة مسألة تحقيق الانتخابات المبكرة بالشروط التي يطالب بها المجتمع العراقي وحراكه الشعبي في أغلب المدن العراقية. ورغم تأكيد المرجعية الدينية في بيانها الأخير لمطالب المتظاهرين، إلا أن الطبقة السياسية التي تتشدق بالتزامها بآراء المرجعية، لا تزال تتصرف بمنطق: “المصالح الشخصية والفئوية فوق رأي المرجعية، ولا يمكن التفريط بها بأي حال من الاحوال”. وعلى قدر أهمية البيان ودلالاته فيما يتعلق والقضايا التي يتطلع لها الشعب العراقي، هناك مسألتان لا بد من الوقوف عندهما: (تركيبة الأحزاب في الدولة المدنية ومفهوم الانتخابات في المجتمعات الديمقراطية)، للخروج من المسارات الفاشلة للدولة العميقة. الامران في العراق من الناحية الواقعية، لم يقتربا 5% مما هو قائم في الدولة المدنية للمجتمعات الديمقراطية.
وإذا ما استمرت التجاذبات السياسية بالاتجاه المعاكس لما هو منشود، فلم تعد الانتخابات المبكرة لاعتبارات محقة، مطلباً حكيماً، بالنسبة للمتظاهرين الذين يهمهم بالأساس، الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، لتبيان مصداقية مؤسسات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومدى تحقيق مطالبهم الأخرى ومنها إقرار قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وحصر السلاح بيد الدولة. واذا لم تتحقق هذه المطالب، فليس أمام المتظاهرين والقوى المدنية التي تسعى الى التغيير، من الناحية المنطقية والموضوعية، إلا مقاطعة الانتخابات والذهاب الى المؤسسات الدولية لقطع الطريق امام الاحزاب الطائفية. ومطالبة رئيس الوزراء، ان كان جادا بتنفيذ شعاره بأنه “رجل أفعال وليس أقوال” أن يمارس صلاحياته الدستورية لحل مجلس النواب، وإعلان حالة الطوارئ ليستطيع معالجة الازمات المتراكمة.
ينظر القانون الدولي للدولة: أجهزتها، شعبها، مناطقها، اشكالها ـ يرتبط بموجبها الناس بعضهم ببعض لحماية مصالحهم المشتركة. في شأن ذلك، يعتمد على وجه التحديد، وفقا لعقيدة العناصر الثلاثة ـ الدولة والشعب والسلطة، على أهم الوقائع والمعايير، لضمان التوازنات المتبادلة بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع تحت رقابة أحزاب فاعلة داخل وخارج المنظومة البرلمانية. لكننا نتساءل ببساطة: ما هو دور الأحزاب لبناء دولة المواطنة؟ وكيف يمكن ان تكون فاعلة داخل المجتمع؟ لنحكم بينها وبين قراءة الحدث السياسي وما يحيط مؤسسة الدولة من إشكاليات كما هو حال العراق.
الأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية، لديها مهمة أساسية: تمثيل المصالح الاجتماعية والسياسية للشعب. لكي يتمكنوا مرشحيها من أداء هذه المهمة، يتمتعون بحقوق والتزامات خاصة. ووفقا لاحكام “قانون الأحزاب”، فإنها تعتبر من الجماعات المجتمعية التي تؤثر بشكل دائم أو لفترة طويلة على صنع القرار السياسي وتمثيل الشعب في “البرلمان”، تبعاً للقواعد الفعلية العامة. فيما يحظر “القانون” في الدولة المدنية “الاحزاب” التي لها أذرع مسلحة من المشاركة في الانتخابات، ويطالبها تقديم تعهداً يتضمن مادة واضحة بذلك. وعليها بيان مواردها المالية قانونياً، كيف ومن أين؟ كذلك طبيعة عملها وأماكنها المحددة وعدد أعضاءها. والاهم اعترافها بالقانون الاساسي للدولة “الدستور” والالتزام بمبادئه.
للمشاركة في تشكيل الإرادة السياسية للشعب، تتمحور أنشطة الأحزاب عادة حول، تأثيرها على تحريك الرأي العام، وتشجيع المواطنين على العمل في الحياة السياسية وحرية إشراك القادرين منهم على تحمل المسؤولية العامة في الحكومة “الاتحادية” أو المحلية بالشكل الذي يساعد على نجاح عمل البرلمان والحكومة. بيد ان مبدأ حرية تأسيس الأحزاب بالإضافة إلى حرية الحزب فيما يتعلق بأهدافه وبرنامجه ونشاط أعضائه في سياق العمل الحزبي ـ لا يمكن تبرير أعمال إجرامية بحرية النشاط الحزبي. ويلزم القانون الأساسي، الحكومة بمعاملة جميع الأطراف على قدم المساواة، وتطبيق مبدأ التعامل بين الدولة والاحزاب الفاعلة بحيادية تامة. ويلزم أيضاً جميع السلطات، بما في ذلك هيئات البث العامة، بمعاملة الأطراف من حيث المبدأ بنفس الطريقة عند تقديم التسهيلات والخدمات الانتخابية. وذلك لضمان المنافسة العادلة بأحدث الأساليب المعروفة باسم “تكافؤ الفرص المتدرج” للحصول على أصوات ودعم المواطنين الناخبين وفقا لأهمية الحزب ونزاهته.
وفيما يتعلق الأمر بالانتخابات وكيف؟ فالمفوضية “المستقلة؟” العليا للانتخابات، كما يطلق عليها في العراق، يختلف تشكيلها وإدارتها وعملها، بالمجمل، عما هو عليه في النظم الديمقراطية. حيث يقوم بتنظيم ومراقبة الانتخابات المركزية للبرلمان أو الأقاليم والاستعداد لها في أوقاتها المحددة، “المشرف الانتخابي الاتحادي”، ويتم تعيينه ونائبه من قبل وزير الداخلية الاتحادي دون الرجوع لأية مؤسسة لفترة غير محددة. تقليديا، يتولى رئيس المكتب الفدرالي للإحصاء منصب رئيس اللجنة الانتخابية الاتحادية بأكملها. ويعد مسؤول المنطقة الانتخابية، واحداً من عدة هيئات انتخابية مكلفة بإعداد وإجراء الانتخابات، جنبا إلى جنب مع اللجان الانتخابية. وأعضاء هيئات المراقبة الانتخابية هم من الأفراد ومنظمات المجتمع المدني، الذين ليس عليهم أية جنحة قانونية، ويخضعون لتعليمات المسؤول الاتحادي، الذي يلتزم بالأحكام القانونية. ومن مهام الموظف الاتحادي، مراقبة السلوك السليم للانتخابات بما يتوافق مع المواعيد والتواريخ القانونية، إبتداء من إعداد سجلات الناخبين ومراسلة الناخب خطياً لتذكيره بموعد وعنوان الدائرة الإنتخابية الخاصة به منعاً للتزوير، وحتى نشر نتائج الانتخابات النهائية.. أيضاً تلقي ومراجعة إشعارات الترشيحات من “الأحزاب السياسية” التي لم يتم تمثيلها منذ الانتخابات الأخيرة، ورفع نتيجة فحصه الأولي إلى اللجنة الانتخابية الاتحادية لإصدار قرار بها كحزب في الانتخابات القادمة. ويتمتع بصلاحية جمع الوثائق الخاصة بالأحزاب والجمعيات السياسية كبرنامج الحزب ونظامه الأساسي ومراكز تواجده وأسماء أعضاء مجلس الإدارة مع تفاصيل وظائفهم لتدقيق مصداقية الحزب القانونية.
يتولى المشرف الانتخابي الاتحادي “رئيس اللجنة الانتخابية الاتحادية” بإختصار، المهام التالية: تشكيل اللجان الانتخابية الاتحادية ورئاساتها، إعلان قرارات اللجنة الانتخابية الاتحادية، مراقبة قرارات اللجان الانتخابية في الدوائر بشأن قبول أو رفض مقترحات انتخابات الدوائر مع الحق في الطعن أمام لجنة انتخابات الإقليم، تلقي وفحص الشكاوى ضد قرارات لجان الانتخابات في الأقاليم “المحافظات”، التسجيل والمقارنة بين المسجلين المؤهلين للتصويت في الخارج، فحص المتقدمين للانتخابات للتأكد من عدم قبول ترشيحات مزدوجة، فحص الانتخابات للتأكد من صحتها وتحديد إعلان النتيجة الأولية للانتخابات في المنطقة الانتخابية، إقرار النتيجة النهائية للانتخابات الاتحادية التي تعدها اللجنة الانتخابية الاتحادية، إعلان النتائج النهائية في الدوائر الانتخابية.
الانتخابات هي عمليات مباشرة لمشاركة المواطنين في السياسة. يتم إجراؤها عن طريق التصويت السري لصالح حزب أو “مرشح أو مرشحة” تم ترشيحهم من قبل خمسة أعضاء على الأقل دون انقطاع عن البرلمان الاتحادي أو الاقليم.. تتبع الانتخابات، كما في معظم الدول الديمقراطية، خمسة مبادئ أساسية، مدرجة في القانون الأساسي ـ الدستور: عامة ومباشرة وحرة ومتساوية وسرية. وبالتالي، فإن القانون الانتخابي حق ديمقراطي، يحظر أي تأثير على الناخبين بالكلمة والصوت والوجه والصورة والمال والتهديد، ويحظر كذلك كل توقيع أو جمع التواقيع للبرامج السياسة للاحزاب.