يعاني قطاع غزة من مخطّطات مركّبة مليئة بالقتل والإرهاب والإعاقة والتهجير وسحق كرامة الإنسان ومحاولات هدم للحاضر والمستقبل، بالأسلحة القاتلة المتنوعة والتجويع!
وسبق للسلطات “الإسرائيلية” أن سمحت، ولغاية نهاية العام 2024، بمرور عدد قليل من شاحنات المساعدات والبضائع، وبمعدّل 50 شاحنة يوميا، وهي تمثّل 10 بالمئة فقط من الاحتياجات الحقيقية لغزة، وهي تسمح اليوم، وبضغوط دولية، بدخول بضع شاحنات يوميا، وتستهدف غالبيتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة خلال مراحل التوزيع!
وسياسة غلق المعابر والتجويع بدأتها تل أبيب منذ 2 مارس/ آذار الماضي بشكل محكم تهدف لتحريك الشارع الغزي ضد المقاومة الفلسطينية وخلق ربكة شعبية، وصراعات داخلية، وهذا ما لم يتحقّق!
واللافت للنظر، والمحيّر للفكر كيف أن المجتمع الدولي يتابع قصف “إسرائيل” وقتلها وترهيبها للمدنيين العزل وهم يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية الشحيحة التي تدخل القطاع بصلابة لا يمتلكها إلا من سُلبت منهم جميع خيارات النجاة!
وقد ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان منتصف الشهر الحالي أن “إسرائيل” قتلت 865 شخصا قرب مراكز مساعدات غزة خلال الأسابيع الـ 6 الماضية، وأن عمليات القتل والهجمات ضد الفلسطينيين تكثّفت في الأسابيع الأخيرة!
وهكذا حَوّلت “إسرائيل” مراكز توزيع المساعدات كمائن لصيد الأبرياء، وهنا نلاحظ أن الفلسطينيين، وبسبب شدة المجاعة التي يعانون منها، يضطرون لدخول هذه المناطق المرعبة للحصول على المساعدات لتقديم العون لعوائلهم، وخصوصا للأطفال والنساء!
ومع تأكيد منظمة “الأونروا” على ارتفاع معدلات سوء التغذية في القطاع، ذكرت حكومة غزة أن أكثر من 66 طفلا فقدوا حياتهم بسبب مضاعفات سوء التغذية والمجاعة الناتجة عن سياسة التجويع الممنهج!
وتتزامن الضربات “الإسرائيلية” الانتقامية مع تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة في غزة نتيجة لسوء التغذية التي تُهدّد الأطفال وكبار السنّ والمرضى، ومع ذلك فإن غالبية دول العالم تتجاهل هذه المأساة، وكأن غزة من كوكب آخر!
وأعلن مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، يوم 8/7/2025 أن نحو 112 طفلا يدخلون مستشفيات غزة يوميا للعلاج من سوء التغذية منذ بداية العام الجاري، جرّاء الحصار “الإسرائيلي” الخانق!
والحصار لم يستثن أحدا، وقد طال أكثر من مئة ألف مسنّ، وهم يمثّلون 5 بالمئة من سكان غزة!
وجرائم استهداف المساعدات تُعدّ جريمة جسيمة وفقا للقانون الدولي الإنساني، وقد أكدت اتفاقيات جنيف لعام 1949، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: على أن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، يمكن أن يُشكِّل جريمة حرب!
وتحاول “إسرائيل” فرض واقع جديد بعيد عن القوانين والأنظمة الدولية، حيث ترى نفسها فوق القانون، وهي تتنصّل عن كافة المواثيق والقوانين الدولية، وتنفّذ ما يحقّق أطماعها التوسعية ولو على حساب حقوق وممتلكات الآخرين، وحياة المدنيين والأبرياء!
وهذه الجرائم الصهيونية هي محاولات من حكومة بنيامين نتنياهو للتغطية على الفشل الميداني في معارك غزة، ولهذا وجدنا أن زعماء المعارضة “الإسرائيلية” قد اتهموا نتنياهو بـ”بيع جنوده والتضحية بدمائهم في سبيل البقاء السياسي” بعد مقتل ثلاثة جنود الاثنين الماضي بغزة!
وهكذا تستمر العمليات “الإسرائيلية” بنحر الساكن والمتحرّك، والصغير والكبير، والسقيم والسليم، والشاب والمسنّ، والنساء والرجال، والأموات والأحياء في غزة، وكأنها سياسية محو واقتلاع وانتقام وتهشيم للمدنيين العزل وذلك بعد أن عجز الجيش “الإسرائيلي” عن مواجهة المقاومة الفلسطينية فأراد أن يظهر “بطولاته” المزيفة على المدنيين العزل!
وأخيرا ننقل كلام “عمير بارتوف” أستاذ دراسات الهولوكوست بجامعة براون، في مقاله المنشور منتصف الشهر الحالي في “نيويورك تايمز”: “لقد أصبح استنتاجي الحتمي أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني”!
الحقيقة الصادمة لقادة “إسرائيل” أن عمليّاتهم العسكرية، ورغم قساوتها وهمجيّتها، لم تُحقّق غايتها في كسر ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وحقوقهم، وهذا هو النصر الفلسطيني الحقيقي، وإن لم يتحقّق الآن على أرض الواقع!
dr_jasemj67@