23 ديسمبر، 2024 6:28 م

جوليا كريستيفا بين سلطة البنية و غياهب المشار إليه

جوليا كريستيفا بين سلطة البنية و غياهب المشار إليه

قراءة في دراسات ( عالم النص )
إن النظرية النقدية العلامية أو السيميائية كما يصورها عادة النقاد في فرنسا و أمريكا ، على إنها الرؤية الوظيفية الخادمة و المساعدة في ترسيخ ضوابط و مهام المفاهيم الصورية و الاصطلاحية و القيمية و المعيارية في ساحة النقد الأدبي ، كما و إن هدفها مساعدة الناقد الذي تقوم وظيفته على خدمة نصوص الأدب عن طريق شرح و معاينة الروائع الأبداعية و تفسيرها . غير أننا و في الوقت نفسه نلاحظ بأن خرائطية هذه المعيارية في مفاهيم نسقية آلية النقاد تختلف في ما بينها ، لاسيما ونحن نصادف أمواج طافحة من الجدليات البنيوية النقدية التي من شأنها أولا و أخيرا بث وظيفة الخلاف و المفهوم المتعالي بين النص و حدود إبقاء النقد في مرحلة سياقية العوم في كلمات منهجية كل همها توخي إقامة لغة تفكيكية مراوغة في دعواها المفهومية المجردة . و قبل محاولة الطرق على أبواب موضوع بحثنا ، أود القول بأن النقد الأدبي ليس مجرد أهمية في سلطة البنية المرجعية و الاطارية للمفهوم الاصطلاحي التقويمي ، بل هو أي النقد فعلا قرائيا يفتح أمام القارىء في ظل مفهوم العلاقة التبادلية ما بين ( النص / القارىء ) . في الواقع أنا لا أستطيع وضع معيارية ثابتة لا سيما و نحن نتحدث هكذا بروح الأمثال و المقايسة الفراغية دون لجوئنا الى حد ما من حدود مقولات

النموذج العياني في حقل قراءتنا هذه ، وحتى ليكون لنا واضحا أننا لا نقصد ذلك النقد الاكاديمي الذي يكتبه أساتذة الجامعات ، الذين نرى اليوم كتاباتهم وهي تنشر في الصحافة اليومية ، و التي لا تواجه سوى معيارية نقل لسان المنهج و تسييسه عبر مقولات سطحية ساذجة القصدية ، بل أننا نقصد تلك الدراسات العميقة التي تهتم بسلطة بنية النص الابداعي أكثر مما يقدمه شكله المضموني من دقة و ضوابط مقصدية كبيرة الدلالة و الدال . لقد أصبح واقع النص الإبداعي في ظل معاينات صحيفة تلك النقود الى ممارسة مراوغة قارة في ظل محطات الإحالات البعيدة و التفسيرات العلامية اللاقصدية في سلطة ( نص ولا نص ) أو ما لا يعنيه النص في ذاته التوصيفية . أنا شخصيا لا أود تعريف و تشخيص الكثير من الأصوات و الأسماء النقدية في عالمنا النقدي العربي ، لأنها في النتيجة مجرد توابع و أصداء لتلك الاستيرادات المعرفية و المنهجية و الثقافية و الفكرية ، كما و إنها في الأخير مجرد حافظة تحصيلية أخرى من سلسلة عماءات تلك المباحث و المصطلحات المستوردة ، و لكني فقط أردت الاشارة العابرة الى أننا اليوم في أوساطنا الثقافية العربية نواجه نقودا لا تغيب عن أصداء مفاهيم رهبنة تلك المقصديات الحداثوية في تصدير نظرية القراءة النقدية الى مجالات التنكر الى مستوى حدوث عملية النقد الى ما هو تعريف نصفي و غير مجدي تماما . إن المتابع لدراسات و فروع مباحث كتاب ( عالم النص ) للناقدة الفرنسية الكبيرة ( جوليا كريستيفا ) لعله يدرك جيدا إن المشهد النقدي في طابع و فكرة هذه الدراسات كان يتجه نحو معيارية تخصيصية تحمل بريق إنتاج الناقد و الفيلسوف الفرنسي ( جاك ديريدا ) في مباحثه البنيوية و التفكيكية ، و على الرغم من حداثة أفكار جوليا في آثار

دراسات هذا الكتاب ، و موقفها الفلسفي المغلف بأستراتيجية الخلفية البنيوية و العلامية ، ألا أننا و نعد المرور بفقرات فصوله الإجرائية ، شاهدنا بأن هناك مواقف شبه عدمية و شبه متاهية في مرحلة معاينة النصوص و تقليب المفاهيم المرجعية ، فعلى سبيل المثال ركزت جوليا في قراءة النص على حدود ( التأويل / التاريخ ) و على نحو بدت من خلاله فحوى القراءة و كأنها خصوصية علاقة سرانية ما بين الكون التاريخي و بين خطاب هوامش و حواشي مقولات النص المدروس ، و القارىء لهذه العلاقة المبحثية العضوية ، لربما لا يفهم سوى ميتافيزيقيا التداخل بين عناصر التاريخ و بين ماديته في مركبات النص البنائية و المصدرية : ( تحت أسم السحر و الشعر و أخيرا الأدب وجدت هذه الممارسة داخل الدال نفسها طوال التاريخ محاطة بهالة عجيبة تتمثل أما في تثمينها أو منحها في أحسن الأحوال مكانة الزينة وهي هالة وجهة لها ضربة مزدوجة .. فهناك الرقابة من جهة و الاحتواء الايدلوجي من جهة أخرى .. لقد طمحت مقولات المقدس و الجميل و اللاعقلاني / الدين و علم الجمال و التطبيب النفسي و الخطابات المرتبطة بها الواحدة تلو الأخرى الى تملك هذا الموضوع الخصوصي الذي لا يمكن تعيينه بدون تصنيفه في خانة الإيديولوجيات الإحتوائية وهو الذي يشكل مركز أهتمامنا و نطلق عليه أسم النص .) إن خطاطة شروحات كريستيفا لأفعال مناطق النص و علاقاته الممكنة ، لعلها تتحقق ضمن حدود تأكيد أهمية التفاعل المستمر بين النص و معايير القصدية الاحتوائية المرسومة في بناء سياقات معنى الأشياء و المفاهيم المرجعية المقررة ، فمثلا هي تضع السلطة الكاملة لأستجابة القدرة النصية على منظومة الدلالة و تحقيق مناطق ثقافية التواصل التاريخي

نفسه إزاء صلة حقيقة أمر علاقة التواصل ما بين خطاب النص أو أمر أصحاب التلقي و بين ناصية الاسئلة التي يثيرها بدوره القارىء في ظل إنطباعية المفهوم و صورة الأسباب التي يقدمها معنى الكشف عن قصدية علامة المعنى الأبعادي : ( ما مكانة علم النص الخصوصي في خضم الممارسة

الدالة ؟ ما قوانين أشتغاله ؟ ما دوره التاريخي و الاجتماعي ؟ كثيرة هي الأسئلة التي تنطرح اليوم على علم النص و دلالاته و على السيميائيات .. و هي اسئلة لم تكف عن استثارة التفكير في ما يرفض نوع معين من المعرفة الوضعية محفوفا بظلامية جمالية معينة منحتها مكانتها .. فبين تضليلية مثالية متسامية من ناحية و رفض العملية من ناحية ثانية تظل خصوصية العمل داخل اللسان حاضرة بل إن حدتها لا تفتأ تتزايد منذ قرن بشكل توسع فيه و بصرامة مجالها الخاص الذي ظل بعيدا دائما عن منال النزعة المقالية السيكولوجية و السوسيولوجية و الجمالية .. لقد أصبح محسوسا اليوم غياب كلية مفاهيمية قادرة على التواصل الى تفرد النص و تسجيل مواقع قوته و تحوله و صيرورته التاريخية و أثره على مجموع الممارسات الدالة . ) و تكرر كرستيفا نفس الواقف اللسانية في الوظيفة المفهومية المرجعية ، حيث تستند الى منطلقات انطباعات الوظائف استنادا الى حد الوسيط الملائم لأدراك البنى الذهنية التصورات التي يتشكل وفقها النص و العملية الفعلية لأسترسالات الابعاد العلامية النصية .

( التنضيد و المواجهة في لسان النص )

إن الاشتغال على شرطية اللسان النصي وفقا لمفهوم جوليا يفترض ضرورة العودة الى البذور الأولى التي يتحدد منها انطلاقا المعنى في ذاته معا ، و هذا يعني أيضا إن الأسئلة التي يثيرها القارىء و بين الأجوبة التي يقدمها لسان حال النص نفسه : فإن السوال الأساسي هو : ماذا يحدث بين مساحة النص و بين أشتغاله في أصل لسان شفيرات المعنى ؟ أهو الخط التصوري و التواصلي الممتد ما بين نواة الذات المتكلمة و بين مواجهة الدليل و التنظيم الخطابي ؟ أم هو الوصول أي النص الى أبواب الولادة بعملية الدلالة في حضرة دال اللسان ؟ . إن المقاربة النقدية في مفهوم فضاء معيارية ( جوليا كرستيفا ) تتجلى في مقولات سقوط الأيديولوجيا و نهاية تاريخ ، كما تتجلى وضعية أحكامها نحو غائية صناعة محك الاختبار الاصطلاحي في الرأي العام و النطق بصوته في أكثر من محدد ثقافي و مفهومي ، و لعل دور هذا المحدد لدى الناقدة كرستيفا ، غدى سبيلا لافتا في مستوى أدوات الأتصال النصي و جملة أشتراطاته الخصوصية و المنهجية ، و هذا الأمر بدوره راح يكشف لنا مهمة تكرارية المحفوظ الأقوالي في نطاق الأنماط المهيمنة على وسيلة كفاية المقدسات التواصلية في شكل تمظهرات أصوات النص في الواقع القرائي و في الواقع المرجعي الأختباري ، مما جعل الناقدة جوليا تقوم بالتشكيك في قوانين خطابات النص الظاهرية : ( هكذا سيتموقع النص الذي ينتجه الواقع عبر لعبة مزدوجة تتم في مادة اللسان .. وإذا لم يكتف النص بأعتباره مدلولا بوصف ذاته أو بالتلف في إستيهامية ذاتية فإنه يغدو جزءا من السيرورة العريضة للحركة المادية و التاريخية و بصيغة أخرى فإن النص ليس تلك اللغة التواصلية التي يقننها النحو فهو لا يكتفي بتصوير الواقع أو

الدلالة عليه .. فحيثما يكون يكون النص دالا ــ أي في هذا الأثر المنزاح و الحاضر حيثما يقوم بالتصوير ــ فإنه يشارك في تحريك الواقع الذي يمسك به في لحظة أنطلاقه و إنفلاقه ..و بعبارة مغايرة لا يجمع النص شتات واقع ثابت أو يوهم به دائما و إنما يبني المسرح المتنقل لحركته التي يساهم هو فيها و يكون محمولا و صفة لها . ) إن دراسات و عنوانات فقرات كتاب ( عالم النص ) لجوليا كرستيفا يتجلى في حدود مكانة تشابكية من الانزياح في مبدأ اللغة الشعرية التنصيصية ، و يقدم الأشياء الترابطية في مشهد معمارية النص و خطابه و تاريخه و جذوره و موارده و مصادره و فرضياته و حقائقه و وقائعه ، و على أسس رقعة إحتماليات نسقية بفهم أوسع و أكثر محورية في مطلب اللسانيات و التراكيب المفاهيمية المغايرة لحقل اشتراطات ممكنات النص الحداثوي . و لكن تبقى مستويات معيارية ( الكم و الكيف ) في نمط دراسات

( عالم النص ) لكرستيفا محصورة و مقصورة على إيراد مساحة مفاهيم طويلة و عريضة من العلاقات الأحصائية القائمة ما بين خطاب المجتمع و التاريخ و الاستعمالية الاسلوبية النصية الشارحة تحت طائلة الدرس الاختلافي للواقعة البنائية الأسلوبية ، دون ألتفات الناقدة المباشر الى حال كيفيات رؤية النصوص ذاتها ضمن التصنيفات الاسلوبية و الموضوعية و الفنية و الجمالية في طبيعة مصنفات النص ، بل أننا وجدنا فصول و مباحث دراسات ( عالم النص ) تتخذ لذاتها قوالب مقولات محفوفة بمسائل الأواصر و الوشائج ما بين اللغة الشعرية و لغة النص المرجعية و بين عينات مبادىء بلاغة التاريخ و ممارسة خطابات المجتمع المدني المثقف الأوروبي إزاء فروقات الأسلوبية الأحصائية في علم بنيات النصوص الإيقاعية و مستوى التراكيب و التواصل

بجانب مسائل سيميائية تناولتها ( جوليا كرستيفا ) بالبحث المنهجي المعمق و فضاءات الإنزياحات المترامية في لغة صعبة المطابقة و الإيحاء و المناقشة وهي مركونة في غياهب المشار إليه .