18 ديسمبر، 2024 8:09 م

جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق

جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق

عقد الجانب العراقي المتمثل بالحكومة العراقية حواراً تفاوضياً جديداً مع الولايات المتحدة الامريكية عبر المنصات الالكترونية مطلع شهر نيسان، كانت أولى جولات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن عقدت في حزيران الماضي، بينما عقدت الثانية خلال آب 2020، وتأتي هذه الحوارات في محاولة استكمال اتفاقية ما عرف بالاطار الاستراتيجي الموقعة من قبل الجانب الأمريكي والعراقي، وقاد هذه الجولة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين فيما مثل الولايات المتحدة أنتوني بلينكن وزير الخارجية في إدارة الرئيس بايدن، وضم الوفد العراقي ممثلين عن حكومة إقليم كردستان، وبعد ختام الحوار اصدر الجانبان بيانا مشترك اهم ما يميزه انه كتب بطريقة دبلوماسية واهتم بالمسائل العمومية المتفق عليها ومن اهم المسار التي أشار اليها البيان مايلي:
اولاً: التأكيد على علاقتهما الثنائية الوطيدة
حيث جدّد الجانبان التأكيد على علاقتهما الثنائية الوطيدة، والتي تعود بالنفع على الشعبين الأمريكي والعراقي. وجدّد البلدان التأكيد على أهمية العلاقة الاستراتيجية بينهما وأكّدا عزمهما على الاستمرار في اتخاذ مزيد من الخطى لتعزيز هذه العلاقة، بما يخدم مصلحة البلدين ويحقق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة. ورحّبت الولايات المتحدة بفرصة إعادة تأكيد وتعزيز شراكتها مع العراق. تتطلّع الحكومتان إلى مزيد من المناقشات حول القضايا المذكورة أعلاه في اجتماع لجنة التنسيق العليا للحوار الاستراتيجي الذي سيعقد في تاريخ لاحق.
ثانياً: التعاون الأمني والاقتصادي
تناولت المناقشات قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة وأثنت الولايات المتحدة على الخطوات الأخيرة التي قام بها العراق، بما في ذلك الانضمام إلى اتفاقية نيويورك للاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وإدخال نظام التأشيرات عند الوصول لتعزيز التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي. ويعتزم كلا البلدين العمل معًا بشكل وثيق، حيث يلتزم العراق بتنفيذ إصلاحات اقتصادية من أجل تنويع اقتصاده وتحسين مناخ الأعمال والمساعدة في إنشاء قطاع خاص أكثر حيوية. وفي هذا المضمار، أكّد الوفد الأمريكي مجددًا أنه يمكن للشركات الأمريكية المساعدة في هذا التنويع من خلال الاستثمار في المشاريع التي من شأنها خلق فرص العمل وتحسين الخدمات العامة والمساعدة في تطوير موارد الطاقة في البلاد. وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها لجهود العراق لإصلاح قطاع الطاقة كي يتمكن مواطنوه من الحصول على الكهرباء بأسعار أرخص، ويمكن الاعتماد عليها أكثر، فتقلّ حالات انقطاع الطاقة. وأكّد البلدان دعمهما لتنويع مصادر الطاقة في العراق من خلال بناء علاقات أوثق مع جيرانه في الأردن وفي دول مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال المضي قدما في مشاريع ربط الشبكة الكهربائية.
ثالثاً: التأكيد على المبادئ في اتفاقية الإطار الاستراتيجي
جدد الوفدان التأكيد على المبادئ التي اتفق عليها البلدان في اتفاقية الإطار الاستراتيجي. وجدّدت الولايات المتحدة من جديد احترامها لسيادة العراق وسلامة أراضيه والقرارات ذات الصلة الصادرة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية العراقية.
رابعاً: التعاون في المجال الصحي الوبائي
جاء في البيان إدراكًا من الولايات المتحدة والعراق للصعوبات التي سبّبتها جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من ركود اقتصادي عالمي، فقد أعاد الوفدان تأكيد شراكتهما الاقتصادية القوية. كما ناقش البلدان زيادة التعاون لمكافحة جائحة كوفيد-19وإدارة الموارد المائية، وقد أسهمت الحكومة الأمريكية بتوفير التمويل اللازم لتجديد مختبرات الصحة العامة العراقية وتجهيزها، وتبرّعت بمعدات اختبار كوفيد ومعدات الحماية الشخصية من كمّامات وواقيات وغيرها؛ كما قامت بتدريب علماء الأوبئة العراقيين على تحديد حالات تفشي المرض الحالية والمستقبلية والاستجابة لها.
خامساً: معالجة حالة الطوارئ المناخية
وأشار العراق والولايات المتحدة إلى نيتّهما المشتركة معالجة حالة الطوارئ المناخية والعمل معًا لتعزيز الطاقة النظيفة ومكافحة تغير المناخ، بما في ذلك من خلال العمل مع القطاع الخاص في الولايات المتحدة، ومن خلال تنفيذ المشاريع التي تعزّز تنمية الطاقة النظيفة وتحسّن توليد الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية وتوفير الطاقة، والاستفادة من الغاز العراقي المشتعل. ويجب أن تلعب هذه المشاريع دورا في تحسين مساهمات العراق المحددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس للمناخ، وهو تطورّ يلقى ترحيبا حارا لدى الولايات المتحدة. وناقشت الولايات المتحدة والعراق التعاون مع الوكالات العلمية الأمريكية في إدارة وحماية بيئة العراق وموارده الطبيعية، بما في ذلك المياه. ورحّبت الولايات المتحدة بالتقدم بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان في التوصل إلى اتفاقيات بشأن الميزانية والطاقة والقضايا الاستراتيجية الأخرى.
سادساً: موضوعة سيادة الدولة العراقية
شهدت سيادة الدولة العراقية تدهورا كبيرا منذ السنوات الأولى للتغيير السياسي حيث تتصارع دول كبرى وإقليمية على اراضية لمحاولة النفوذ وفرض الاجندات، أعادت الولايات المتحدة في المفاوضات الأخيرة هذه التأكيد على احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وعلى احترام حرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي.
سابعاً: حماية حركة الاحتجاجات الشعبية
ناقش الوفدان السبل المُثلى التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها أن تقدم الدعم للحكومة العراقية من أجل توفير الحماية للمتظاهرين السلميين ونشطاء المجتمع المدني ومتابعة المساءلة القضائية.
ثامناً: دعم الانتخابات البرلمانية المقبلة
رحّب العراق بدعم الولايات المتحدة للانتخابات البرلمانية عبر تمويل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في الانتخابات البرلمانية اصدر مرسوم جمهوري باجرائها في 10/10/ 2021.
تاسعاً: إيجاد الحلول لعودة النازحين داخليا
أكّدت الولايات المتحدة مجددًا عزمها المستمر على دعم العراق في تقديم حلول مستدامة لعودة النازحين داخليًا لتكون طوعية وآمنة وكريمة، ومساعدة تلك المجتمعات التي جعلتها داعش هدفا للإبادة الجماعية.
عاشرا: التعاون القضائي في مكافحة الفساد
ناقش البلدان عزمهما على تحقيق مزيد من التقدم في مجال التعاون القضائي، واستعادة الأصول المسروقة، ومكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه.
احدى عشر: الامن ومكافحة الارهاب
وفي ميدان مناقشة الأمن ومكافحة الإرهاب، أكدّت الولايات المتحدة والعراق من جديد عزمهما المتبادل على مواصلة التنسيق والتعاون الأمني ​​الثنائي. وجدّد البلدان التأكيد على أن وجود القوات الأمريكية في العراق هو بدعوة من الحكومة العراقية ولتقديم الدعم لقوات الأمن العراقية في قتالها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. وبناءً على القدرة المتزايدة لقوات الأمن العراقية، أكد الطرفان أن مهمة القوات الأمريكية وقوات التحالف الموضوع الذي دائما ما يثير الجدل في الداخل العراقي ويحتل مكانة معقدة في أي تفاوضات اذ اكد الطرفان لغاية الان من ان عملية حفظ الامن انتقلت الآن إلى التركيز على المهام التدريبية والاستشارية، مما يسمح بإعادة انتشار أي قوات قتالية متبقية من العراق، وتحديد توقيت ذلك خلال المحادثات الفنية القادمة. إن انتقال القوات الأمريكية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية إلى تدريب وتجهيز ومساعدة قوى الأمن الداخلي يعكس نجاح شراكتهم الاستراتيجية ويضمن دعم جهود قوى الأمن الداخلي المستمرّة لضمان عدم قدرة داعش على تهديد استقرار العراق من جديد.
اثني عشر: حماية المنشئات الدبلوماسية والسفارات
أكّدت حكومة العراق من جديد التزامها بحماية أفراد التحالف الدولي وقوافله ومنشآته الدبلوماسية، فيما شدّد البلدان على أن القواعد التي يتواجد فيها أفراد القوات الأمريكية والتحالف هي قواعد عراقية ووجودهم هو فقط لدعم جهود العراق في محاربة داعش. ويعتزم البلدان مواصلة المحادثات من خلال اللجنة العسكرية المشتركة لضمان توافق أنشطة التحالف الدولي مع احتياجات قوى الأمن الداخلي ودعمها بشكل مناسب، بما في ذلك البشمركة.
ثلاثة عشر: مجال التعليم والثقافة
وفيما يتعلق بالتعليم العالي والعلوم والثقافة، ناقشت الحكومتان دعم الولايات المتحدة لجهود العراق في تعزيز قطاع التعليم العالي بالتعاون مع الجامعات الأمريكية من خلال جملة من الأمور، بينها برنامج فولبرايت ومبادرة الشراكة للتعليم العالي للسفارة الأمريكية والدعم الأمريكي الموسع لمبادرة الجامعات المحررة. وتعتزم الولايات المتحدة والعراق تحديد طرق إضافية لدعم خطط العراق لإصلاح التعليم العالي وتعزيز الشراكات الجامعية بين الولايات المتحدة والعراق. كما استعرض الوفدان التقدّم المحرز في جهودهما المشتركة للحفاظ على التراث الثقافي الغني للعراق والتنوع الديني وأكّدا عزمهما على التعاون لإعادة الممتلكات الثقافية العراقية التي نقلت بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة إلى مكانها الصحيح في العراق. وهناك انباء على استعادت الحكومة العراقية، في آب الماضي، أرشيف حزب البعث من الحجز الوقائي المؤقت في مؤسسة هوفر. وقد ساعدت وزارة الخارجية في ترتيب هذا النقل، وقامت وزارة الدفاع بنقل 6.5 مليون وثيقة إلى بغداد. ولا شكّ أن ملفات العمل الخاصة بحزب البعث هذه هي جزء من تاريخ الشعب العراقي ويمكن اعتبار عودتها إلى العراق ثمرة ملموسة للحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي الأخير. كما ناقش البلدان التقدّم المحرز في منحة أمريكية لمؤسسة سميثسونيان لمواصلة وتوسيع مشروع إنقاذ آثار نمرود، الذي يدعم أهداف العراق في الحفاظ على التراث الثقافي. وأخيرًا، تطرّق الوفدان إلى سبل مشاركة الإنجازات الثقافية والتاريخية للشعب العراقي مع بقية العالم من خلال المعارض عبر الإنترنت.
ومما تقدم تبدو المبادئ المذكورة غاية في الأهمية والانفتاح والتعاون وتحقيق التقدم بالنسبة للجانب العراقي الذي كما هو معروف يعاني نظامه السياسي والاقتصادي والخدمي تدهورا كبيرا وهناك سخط شعبي متزايد لسوء الإدارة وهشاشه النظام السياسي ومجمل العملية السياسية، لكن المشكلة ان هذه المبادئ والنقاط التي أوردها البيان المشترك بين الجانب العراقي والامريكي مثلما اسلفنا هي تكاد تشبه ما ورد في تعهدات وحوارات سابقة بين الجانبين وعادة ما تكون غير ملزمة للطرفين وخاصة الطرف الأقوى وهي الولايات المتحدة وتبقى حبرا على ورق ليس الا اذا ما يهم الولايات المتحدة الامريكية التي لها سبق الفضل في تحرير العراق من النظام الاستبدادي وضحت بمئات الجنود قتلى في العراق ان تحافظ على وجودها ومصالحها الاقتصادية والسياسية وحتى الجيوستراتيجي ومصالح وامن حلفائها، والسعي لتحقيق ضغوطات على خصومها من خلال دول المنطقة ذاتها، اما العراق فهو له اكثر من توجه فهناك توجهات مختلفة للمكونات المجتمعية السياسية التي تتباين في قبولها للوجود العسكري الأمريكي بينما تتحفظ اغلب القوى السياسية الشيعية من جود عسكري امريكي في العراق لأسباب مختلفة منها التخوف من ان يتحول هذا الوجود الى تهديد لوجودها السياسي او حلفائها من بعض دول الإقليم، فيما ترحب اغلب القوى الكردية في الإقليم وبعض القوى السنية بالوجود العسكري الأمريكي، يذكر ان القوات العسكري الأمريكية بعد تقليص وجودها تنتشر في العراق نحو 3 آلاف جندي من قوات التحالف الدولي، بينهم 2500 جندي أميركي لمحاربة تنظيم الدولة في البلاد وقد حاولت وزارة الدفاع الأمريكي منذ اشهر استبدلها في عملية تكتيكية بقوات حلف شمال الأطلسي(الناتو) من بعض المناطق، فيما أبقت بصورة رسمية قوات لها في الإقليم وقواعد أخرى منها قاعدة عين الأسد في محافظة الانبار، الى جانب وجود عدد كبير من المستشارين والمدربين في بغداد ومحافظات أخرى، ومثلما تريد الإدارات الديمقراطية في البيت الأبيض سواء في عهد الرئيس أوباما او في عهد الرئيس الحالي جو بايدن ان تقلل من وجودها العسكري في العراق ودول أخرى كأفغانستان تحاول في المقابل قوى سياسية في العراق ان تضغط ان انسحاب كامل للقوات العسكري لدواعي مختلفة مثلما اشرنا وقد يدفع فيها الدعاية الانتخابية أيضا لكن في قبال ذلك ان هناك توجه سياسي رسمي وقد يكون بضغط امريكي بتحقيق توازن في علاقة العراق الخارجية من اجل سحب البساط من خصوم الولايات المتحدة في العراق وهذا ما قد يمثله توجه العراق نحو الانضمام في ما يعرف بالتحالف المشرقي الجديد الذي يضم العراق ومصر والأردن وتطور العلاقة ما بين الحكومة العراقية وعدد من دول الخليج لذات الأسباب وبالتالي فان الولايات المتحدة لا تنهي وجودها العسكري في العراق ما لم يكن هناك توازن يعيد حظوظ حلفائها الاقليمين الى العراق من هنا فهي ستظل تراقب الوضع بكثف خاصة وان البلد متجه نحو انتخابات برلمانية تحدد شكل الرئاسات الثلاث.