23 ديسمبر، 2024 2:37 م

اعداد
   ولد جوزيف شاينا في 13/اذار/1922م ، في مدينة ششوفيه – بولونيا ، انهى دراسته في كلية الفنون الجميلة في مدينة (كراكوف) . أنشأ معهدا فنيا سماه ( ستوديو – المسرح – جاليري) : وهو عبارة عن مركز للفنون يتبادل التجارب والخبرات الفنية مع المراكز المماثلة له في العالم . اما عن تجربته الفنية فما زال يقدمها عبر رحلاته في العالم . وفي بولونيا ايضا ، وكافة تجاربه مسجلة على أشرطة صورية .
  (جوزيف شاينا) .. رسام ، سيتوج اف ، مخرج ، مدير المسرح التجريبي (ساوديو – كاليري) Studio Teatr Galeria  ، في الرابعة والثلاثين من عمره ، وكما هو حال العديد من المبدعين في بولونيا تعرض الى السجن في معسكري الاعتقال الرهيب (اوشفينشيم) و(بوخيفالد) خلال فترة الحكم الستاليني داخل المعسكر الشيوعي اذ بدأت عام 1956م وهي مرحلة عاش خلالها كما يقول في ظل نظام سياسي رهيب وبشع سمي بنظام (الستار الحديدي) ، وهي فترة كما يصفها (شاينا) لم يسمح من خلالها بالتعرف على ثقافات الغير ، ولم يتح لهم هذا الانغلاق التعرف على ثقافات الغير كذلك الا بسرية تامة . كما ادى هذه الثقافي والحضاري الى اكتشاف الشخصية الفنية المميزة – كما عبر عنها شاينا – اذ يقول : (بعد ان عرفنا ما الذي يحدث في امريكا او لندن او باريس انعكس ذلك على الجديد فأكتشفنا عنصر ” السينوغرافيا ” بوصفها عنصرا رئيسيا محيطا بالانسان + السينوغرافيا) وتأسيسا على ذلك أنشأ (مسرح الاستوديو – كاليري) عام 1972م .
   وانطلاقا من تجاربه تلك اخذ يتعامل مع العرض المسرحي بوصفه (رؤية بلاستيكية – تشكيلية) شكلت السينوغرافيا فيها السمة الغالبة في اعماله ، وفيها يبرز تكوينات الافق بعناصر مختلفة من المعلقات ومن المتدليات والخلفية المجسمة ، وانواع الاقمشة والتكوينات المساحية (التعبيرية والسريالية) ، هذين الاتجاهين اللذين يقول عنهما (شاينا) : ” بأنهما يشتركان معا في حالة التغير التي طرأت على الفنون المعاصرة ” . وان اكتشاف ظاهرة (مافوق الواقع) الذي يصب في النهاية داخل مصطلح (السريالية) ، وعليه فهو يقول : (انا اشاهد عالمين .. عالما واقعيا ، وعالما فنتازيا .. يمثل ضياعي داخل العالم المعاصر ، ورغم ان الانسان محاصر في داخله ، وهو مشترك يخترق الحدود وهذا ما استقرئه في لقاءاتي الدولية حين ارى الناس يفهمون فني برغم انني لا افهم لغاتهم) . ويعزو ذلك الى التعبيرية التي يستخدمها في عروضه والتي يصفها بأنها تجميع للمشاعر وتكثيف ، وبسبب ذلك في لا يقرر حقائق في فنه ولكنه يعود المشاهد ليشارك في القضية المطروحة في اثناء وجوده في المسرح وعليه فان مسرح شاينا ليس مسرحا تقريريا او ناسخا للماضي ، وكما انه ليس في نهاية الامر الا مجرد استعراض للحقيقة التاريخية ، او انه ابن الحاضر الحاضر .. ابن اليوم اليوم .. ابن الساعة الساعة .. وعندما تولى (شاينا) ادارة مسرح (نوفا خوتا) بمدينة (كركوف) جنوب بولونيا ، أنشأ تيارا ذا رؤية تشكيلية اعتبرها بديلا عن رؤية الادب في المسرح انه يقول :
– يبدأ المسرح عندي عندما تنتهي الكلمة ..
  لكنه لا يلغيها تماما فهو يستعين بالكلمة في احاديث كثيرة .. بعد ذلك شعر بالملل منها على اعتبار ان اللوحة والحركة تسيطران على العالم المعاصر ، فأراد ان يصل بمسرحه الى مسرح قائم على الحدث . فالفكرة الجوهرية لمسرحه في فضح حضارة القرن العشرين التي زخرت بالافران البشرية اثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها ، والتي كانت واضحة تماما في اغلب اعماله المسرحية مثل مسرحية (اكر وبولس) تلك التي زخرت بأحداث داخل معسكرات الاعتقال . العرض المسرحي عنده (عبارة عن اكوام من المهملات والازبال والاكسسوارات التي ترمز الى تلك الكوارث والكوابيس المفزعة) ، و(الحضارة الساقطة للقرن العشرين عبارة عن سلسلة من قمامة تعج بمختلف المعادن والانابيب وعجلات الدراجات والبشر الاحياء ذوي العاهات) .
  ان عروض (شاينا) سلسلة من اللوحات الاستعارية التي تشكل فيها المواد واللوحات الشائهة – الواقع الجديد للعصر في تصوره ، اما الصفة المهمة في عروضه وشخوص مسرحياته فهو (القبح – الجميل) تكوينا وشكلا من خلال عملية (الكولاج) التي يجريها في عروضه ، والتي هي لحظة ( مونتاج) لمختلف زوايا الواقع الجديد الذي يعتمده الفنان فـ(الكولاج) يدخل في تركيب فنون الرسم والتصوير وتعني الترابط لمختلف المواد ، كي تثير توترا ما ، فهي تكسر من احادية معنى المنظور ، اي التهرب من الايهام الطبيعي ، وبتعريف آخر كما يقول شاينا :
– انني اقوم بصنع الكولاج بداية فوق خشبة المسرح ، افتته ، باعتباره مصدرا لقوام شخصية الممثل ، ثم امنحه في النهاية (الكلمة) .
  للمثل في مسرح (شاينا) ، أهمية كبيرة فهو يطالب بالتفرغ المثالي التام والمبدع ، رغم ان الممثل لدي اقرب الى (الماريونيت) ، بل اقل درجة ، وعن الممثل يقول (شاينا) :
– لقد سرق وجه الممثل (اي انه بلا ملامح) لكني مقابل ذلك اعطيته شخصيته اي ابقيت له حركته وقبل كل شيء روحه الخلاقة(1) .
  تميز (شاينا) بكراهيته لمسرح العلبة المغلق (2) فقام بصنع الخشبة الجديدة ذات الجسر الذي يربط الصالة بالمسرح . في عمل (شاينا) هناك نوع من (التكوينات المتحركة Mobile Assemblage ) و(الامبلاج Embage )  الذي نشأ من الحاجة الى دراما جديدة ، وهي تؤكد ان التيار الذي يعمل به شاينا فهو يصف العمل المسرحي بمكز العواطف والمشاعر داخل الفعل الدرامي تتكيف لها . لكنه لا يلغي المادة بطبيعة الحال ، بل يجعلنا نفضل وضعية الانسان عن مجموع الاشياء التي تطوقه . ويعني بالاشياء : القضايا والمشاكل الفلسفية والميتافيزية ، وعلاقتها بالواقع الاستهلاكي الحاضر بقيمة المادة اليوم فهو يقول :
– انني انقص من قدرها ، اقلل من اهميتها ، افضحها ، افتتها . انني استخدم الفن بوصفه وسيلة لتحرير الانسان من عبوديته وارمي بهذا الى عبودية المادة المعاصرة ايا ما كانت اشكالها وصيغها (3) .
  وعن موقع (مسرح ستوديو – كاليري) يقول شاينا : (بأنه يشغل حيزا في خارطة المسرح العالمي ، والبولوني ، بوصفه مركزا تجريبيا جابه الكثير من المخاطر ، لانه كان يقدم صراعا حول الفكرة والحياة وحول الموت ، هذا المسرح صراعا حول الفكرة والحياة وحول الموت ، هذا المسرح خرج الى الشارع ، وتواصل مع المتفرج املا في الوصول الى الحرية .
– الا انني بعد ذلك ايقنت ان هذا ليس بزمن تقديم المسرح .
  وفعلا – كما قال شاينا – فالعشر سنوات التي غاب فيها شاينا عن (مسرح – ستوديو – كاليري) قد تغير فيها المسرح ولم يعد (يعلم) ولم يعد (يقود) الناس الى مراتب عليا من وعيهم بانسانيتهم .
(مصادر الاعداد)
1-  السينوغرافيا البولونية المعاصرة ، تأليف : زينوبيش شتسليسكي ، دار (اركادي) للنشر – وارشو 1984م .
2- Zenobiusz Strelecki Wrpotczesna Scenografia , polska . Wydawnictwa , Arkady . Warszawa .
3- حوار مع الفنان البولوني (جوزيف شاينا) ، اجرته : هدى وصفي ، مجلة (فصول) المصرية . ص 238 – 239.