22 نوفمبر، 2024 7:20 م
Search
Close this search box.

جورج اورويل يكتب عن تولستوي وشكسبير

جورج اورويل يكتب عن تولستوي وشكسبير

كل الادباء الروس – منذ نهاية القرن الثامن عشر وصعودا – كانوا يؤكدون دائما , ان شكسبير هو واحد من أعاظم الكتّاب المسرحيين في العالم , بل ان بوشكين نفسه أسماه – ( أبونا شكسبير), ما عدا تولستوي , فانه لم يتقبل شكسبير بتاتا, وكتب ضده مقالة مشهورة جدا بعنوان – ( عن شكسبير والدراما ) عام 1903 , ونشرتها جريدة ( روسكويه سلوفه) (الكلمة الروسية ) في حينها, ثم صدرت هذه المقالة عام 1907 في كتيب خاص , ودخلت بعدئذ طبعا ضمن المؤلفات الكاملة لتولستوي ( في الجزء 35 / من صفحة رقم 216 الى صفحة رقم 272 ), اي ان هذه المقالة المهمة في تراث تولستوي تقع في( 56) صفحة باكملها في المؤلفات الكاملة له.
نشر الكاتب البريطاني الكبير جورج اورويل ( 1903 – 1950) مقالة خاصة حول رأي تولستوي هذا وبعنوان – ( تولستوي و شكسبير), والتي جاءت اولا في حديث له بثته اذاعة البي بي سي الشهيرة عام 1941 ضمن برامجها الثقافية الموجهة الى الخارج آنذاك , ثم نشرته هيئة الاذاعة البريطانية فيما بعد , واعيد نشر المقالة تلك في كتاب صدر عام 1968 ضم مجموعة من مقالات اورويل الصحفية والادبية , اما الترجمة الروسية لهذه المقالة , فقد صدرت عام 1989 ليس الا في كتاب نشرته دار نشر ( بروغريس) ( التقدم ) ضم روايته المشهورة ذات التسمية الغريبة والمتميزة فعلا وهي – (1984) ومقالات مختلفة اخرى له.
يشير اورويل في مقالته تلك , الى ان تولستوي قد انتقد بشدة شكسبير ولم يعتبره ( كاتبا عظيما ) كما يصفوه في العالم , وعلى الرغم من ان مقالة تولستوي أثارت ردود فعل كبيرة , الا انه لم يجرأ او يتجاسر أحد على الرد عليها, ويضيف اورويل رأسا , الى انه لا يمكن الرد له في مقالته هذه على كل ما جاء عند تولستوي من آراء حول شكسبير , لانها مقالة فكرية واسعة جدا ومتشعبة جدا . يتحدث اورويل بعدئذ عن المقالة بتفصيل وجيز , ويقول , انه توجد فيها – بشكل عام – آراء صحيحة , و هناك جوانب ذاتية جدا ترتبط ب (الذوق الخاص) لتولستوي نفسه , وبالتالي , لا يمكن طبعا مناقشتها لانها ترتبط بذوق تولستوي الخاص به, وتوجد ايضا مقاطع يتناقض تولستوي نفسه مع نفسه فيها , وهناك جوانب لم يفهمها او يستوعبها الكاتب الروسي بشكل صحيح ودقيق باللغة الانكليزية لشكسبير لانه لم يستطع التوغل في اعماقها وتفهم ظلال كلماتها كما يجب باعتبارها لغة اجنبية بالنسبة له , ويشير اورويل ايضا الى انه ربما يوجد جانب آخر في مقالة تولستوي يرتبط بما يسميه الكاتب الانكليزي بشعور تولستوي تجاه شكسبير ب ( النفور او شكل من اشكال الكراهية ), وذلك نتيجة الغيرة الكامنة في اعماقه من الشهرة الكبيرة التي تحيط باسم شكسبير, وان تولستوي اراد ان ( ينزع منه مجده) كما يعبّر اورويل , وهذا بالطبع رأي ذاتي خاص جدا بارويل نفسه , و يمكن الاتفاق او عدم الاتفاق معه , ولكن مع ذلك يمكن الاستماع اليه ومناقشته بشأنه , خصوصا وانه يذّكرنا – بشكل او بآخر – برأي زوجة تولستوي (صوفيا اندرييفنا ) الذي قالته له عند خصامها معه مرة حول حقوق التأليف , في انه ( يبحث في تصرفاته عن مجده الشخصي !), وغالبا ما يكون الرأي, الذي يطلقه الانسان اثناء حالات الغضب , دقيقا . لكن اورويل يذكر بعد كل هذا العرض الوجيز لاراء تولستوي , ان هذه المقالة منحتنا فائدة كبيرة , اذ انها (صححت !) ذلك (الاعجاب الاعمى !) بشكسبير , الذي كان سائدا في روسيا وفي العالم ايضا , بغض النظر عن كل شئ , اي عندما أصبح (الاعجاب الاعمى ) بشكسبير مثل ( المودة ) ليس الا .
يحاول اورويل لاحقا مناقشة تولستوي في بعض افكاره , التي جاءت في تلك المقالة , اذ ان تولستوي قد أشار هناك الى الكثير من الجوانب السلبية عند شكسبير, منها – ( ان شكسبير لا يمتلك فلسفته الخاصة به … ولا افكاره … ولا توجد لديه اهتمامات بالمشاكل الاجتماعية او الدينية … ولم يعكس طبيعية الشخوص ولا نموذجية الاحداث والاوضاع … وانه وضع مسرحياته دون ان يهتم بالحقيقة … وأقحم فيها احداثا مفتعلة … وأجبر أبطاله ان يتكلموا بلغة غير طبيعية, لغة لا يتكلم الناس بها عادة … وان مسرحياته مقتبسة , وملصوقة بها مونولوجات مطولة واساطير ونقاشات ونكات … وان شكسبير لم يفكر كيف يجب ان تسير الاحداث في تلك المسرحيات ….) , بل ان تولستوي وصل الى استنتاج خطير ( ان صح التعبير), اذ اتهم شكسبير في مقالته تلك, بانه ( ليس مفكرا ). لقد عرض اورويل كل آراء تولستوي هذه بهدوء وموضوعية واتزان , وقد حاول ان يفنّد بعض تلك الآراء , وان يثبت مثلا , ان شكسبير ( كاتب أخلاقي ) , وانه شغل موقعه العالمي بجدارة واستحقاق , واستشهد بآراء وأقوال بعض مشاهير الادب والفكر في العالم , ولا يمكن هنا طبعا عرض كل ذلك حتى بايجاز , ولكن من المؤكد ان آراء تولستوي حول شكسبير وجواب اورويل بشأنها , هو موضوع يستحق – بلا شك – الاطلاع الكامل عليه وتأمله بامعان .

أحدث المقالات