23 ديسمبر، 2024 6:44 ص

جود العباس عليه السلام، وايتام العراق

جود العباس عليه السلام، وايتام العراق

كانت عيناي تفترش الطريق، حين وقفت في احدى محطات الباصات المتجهة من بغداد الى الناصرية، كان النهار قد اخفى ملامحه، وحل الظلام وساد اليل، فبانت نجوم السماء، واختفى القمر باستحياء، بين سحب السماء الملبدة بالغيوم، بينما كنت احاور الدخان المتصاعد من السجارة، لفت انتباهي ذلك الرجل بالزي العسكري، جاء يتوارى بين محافل الباصات، لم يزل يعّد خطواته وكأن طول السفر قد اخذ منه مأخذ، سار حتى وقف قريب الرصيف، عندها رمى حقيبته قبل ان يسدل اقدامه المتهالكة، كان شعره المتلفلف قد اصطبغ بصبغة لون تراب الارض كما هو حال حذائه المتأكل، جلس ليعيد انتصاب ضهره فوقعت عينه علي حيث القى تحية الاسلام.

لم استطع ايقاف ذلك الفضول بداخلي حتى بدأت بالسؤال هل انت من منتسبي الجيش العراقي؟ نظر الي لحظة ثم اخرج من بنطاره المنسوج بخلايا جسده وقد تغلغلت الدماء اليه، بعض المسكنات من جيبة وتناول شيئا منها، حمدلله ثم استجمع انفاسه ليرد على السؤال؛ انا من منتسبي الحشد الشعبي واليوم هو اول ايام استراحتي من الجبهه، قاطعته قائلا؛ وهل تتنقلون من الجبهه الى الناصرية بالباصات؟ تسمرت عيناي وانا اتطلع لجواب، رد علي نعم قد ركبت سيارة الحمل من قرية “البعاج” – مدينة تقع على اطراف الموصل- حتى وصلت بغداد خلال ساعات طويلة، ثم اكمل بزفرات قد ارهقها دخان القنابل، وتراب الخنادق، اليوم كنت انتظر استلام مرتبي ولكن المسؤولين بالقطاعات العسكرية التابعة لاحد فصائل الحشد الشعبي اخبروني ان موعد التسليم سيكون بنهاية الشهر، لا اعلم ماذا اقول لزوجتي واطفالي، فهم ينتظرون عودتي من الجبهة ليتبضعوا بعض الملابس السوداء احياء لذكرى استشهاد ابى الاحرار.

اطرق برأسه واليأس قد التهم ماتبقى من دوافع لتشبث بالحياة، عندها ابتلعت لساني، فلم يعد لمشاعر بداخلي من سبيل للخروج، فماتت الكلمات بين الاوتار الصوتية، كانت عيناي تراقب قدماه وهي تداعب الحصى وقد اتكأ خده على ركبتاه، لا اعلم سر بقاء هذا الجندي على قيد الحياة، فالعباس بن علي عليه السلام يوم العاشر من من شهر محرم الحرام قد فضل الموت على الرجوع بالجود الخالي الى مخيم الحسين، فحين تعجز المشاعر عن تقديم الاعتذار سيكون اولى بالرجل تقديم نحره، فماتربى عليه ابناء البادية والصحراء، هي مباديء وقيم قد زرعت بداخلهم فنمت وتعشقت كما يتعشق الجنين برحم امه، فماينفك ذلك الرجل يتغذى بقيم وافعال الحسين وال بيته وماقدموه من تضحيات، يقف اللسان عاجزا عن الاحاطة بفضلها ونبل مبادئها.

هؤلاء المرابطين بساحات الوغى المتخبطين بين جدران الموت، يجب ان يقام لهم تمثالا، تقديسا لموقفهم البطولي وتضحياتهم الخالدة، ان مايضيع حق بسطاء الناس والعاملين على تحرير ارض الوطن، انما هي نزوات شخصية واجتهادات عمياء ارتكزت على تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، لذا واجب من ذرف دمعته في حب الحسين ان يتكهن مصير بلده وابناء شعبه

والخروج من دائرة التعصب بنظرة سياسية تفتقر للدراسة المستقبلية، فالانفتاح على الشارع العراقي بكافة طوائفه، والنظر بعين الوطنية، ونبذ الفاسدين واخراجهم من مربع الحكم، هي من المباديء والمعتقدات التي انشأ عليها السيد “الحكيم” تياره تيار الاصلاح والتعمير، ” تيار الحكمة الوطني”