سأل أحد الطلبة أستاذه الشيخ العالم قائلاً: إذا كانت الشياطين مغلولة في شهر رمضان، فلماذا نرى المعاصي الكثيرة من الناس؟ فأجابه الشيخ قائلاً: إن كثيراً من الناس يلقي دائماً باللوم على الشيطان، فكان من حكمة الله تعالى أن يبين للإنسان، أن المشكلة ليست هي وجود الشيطان، بل المشكلة في الإنسان نفسه، فحبس الباريء الشياطين في الشهر العظيم، ليعرف الإنسان حقيقة نفسه، فقد يكون هو شيطان وﻻ يحتاج الى شيطان يغويه.
إذا أردت أن تعرف نفسكَ ومقدار إلتزامكَ، وتواصلكَ مع ربكَ العزيز الحكيم، فإعرفها في شهر رمضان، لأن الشياطين مغلولة فتبقى أنتَ ونفسكَ، ثم أن هناك كثير من الناس، مَنْ يحزن لإنتهاء هذا الشهر الفضيل، حيث كان يبكيهم القرآن الكريم، عكس مَنْ يبكيهم الغناء، وهنا يبدو الفرق واضحاً جداً، بين الإنسان العزيز والإنسان الذليل، فليس من العدل أن تعيش نفحات رمضانية كريمة، ثم تتغافلها فيما بعد، لذا إنتبهوا لعطايا الشهر المبارك.
ليس كل ما يقال، يدخل في عالم الصدق والتصديق، ولا كل مَنْ يقول الحق يعمل به، ومثال ذلك أن الأم تستطيع العناية بسبعة أطفال، ولكن الغريب أن هؤلاء السبعة قد لايستطعيون العناية بأم واحدة، فيا مَنْ غضبت عليه أمه في هذا الشهر، ولم تسعفه اللحظات بأن يقبّل يديها، إرتجل من خيل الغرور، وإذهب زاحفاً لتلك التي وُضِعت الجنة تحت أقدامها، فوالدتكَ جوهرة ثمنية، تجعل مائدة الإفطار أجمل وأكثر بركة ورزقاً.
شجرة الصيام لا تتساقط أوراقها أبداً، بل تزداد ثمراً وأجراً سنة بعد أخرى، وعليكَ بعمود الأعمال فيه فالصلاة أولاً، (ولا تحسب أن نفسكَ هي التي ساقتكَ لفعل الخيرات، بل إعلم أنكَ عبد أحبه الله، فلا تفرط في هذه المحبة فينساكَ)، لأن الثبات على الصلاة، هي المواجهة الحقيقية مع الشيطان، دون غيرها من العبادات، ولأهميتها بني الإسلام عليها، فما أجمل العطاء لتجد جزاءه في الدنيا، وقد يكون لكَ ذخراً في الآخرة.
هناك حكمة تقول: (أعظم هندسة في الوجود، أن تبني جسراً من الإستغفار، فوق بحيرة من الذنوب)، فكيف بشهر رمضان، وأبواب النيران تغلق إكراماً للأمة الإسلامية، حين كرَّمها الباريء عز وجل بهذا الشهر الكريم، وكم هي عظيمة تلك الدلالات والمقاصد والمعاني، التي نستقيها من لياليه ولحظاته المباركة، وساعاته المليئة بالمغفرة، والرحمة، والرضوان، وتذكر يا إبن آدم: (إنكَ تولد قابضاً يدكَ، حريصاً على الدنيا، وتموت وأنتَ باسط يدكَ ولم تنل منها شيئاً).