23 ديسمبر، 2024 12:24 م

جواد الحطاب : كليم يبتكر النساء، ويرتق الكون بالشعر والجنون

جواد الحطاب : كليم يبتكر النساء، ويرتق الكون بالشعر والجنون

ذات حماقة بيضاء كلبن ناقة؛ وعذبة كغيث نيروزي؛ وساحرة كغرين دجلة؛ دعوت شعراء أصدقاء الى صباحية شعرية، مبتغياً الاحتفاء بالشعر على طبق من عشق تميس فيه نورستي؛ والاحتفاء بنورستي بين كرنفال من وفر شعري.

قرأ الشاعر الأول قصيدته (ونورستي محتضنة ذراعي اليسرى)
.وقرأ الثاني (وهي راحلة مكوثا في شرايين ذراعي اليسرى).
وقرأ الثالث والرابع
وقرأ الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر؛
وحين باح الحادي عشر بموجدته لزهرة السوسن تراخت اصابع نورستي عن ذراعي؛ وتعرّت دهشتها الطفلة؛ ورأيت خفق شرايينها يترجل ويدرج حبواً نحو المسرح قبل ان تنوس راجية ان يعيد الشاعر الحادي عشر اللعين موجدته الثانية‼

لعنته لحظتذاك مرات ومرات؛
لكن لم اجد بدأ من ان اذعن لعيني نورستي وهما تكتمان وتعلنان رغبة جامحة في احالتها عاشقة على احد اغصان الشاعر.

كان امتحاناَ حقاً بين ان انتصر لفسلجتي او انتصر للشعر؛

وعلى جمر بعد لأي قبلت
وعلى غير جمر قلت هو شاعر.. ووحدهم الشعراء يموسقون الانوثة؛
فكيف اذا كان الشاعر طفلا لعبته الكلمات؛
وكليما يبتكر النساء واسمه جواد الحطاب‼

اذن: مرحباً بالشاعر الكبير والصديق الاثير وحطاب الحب والشعر والنساء… الجواد ابداً

**********
حين اقترفت حبّ جواد الحطاب كنا -هو وانا – قاب رمشين او ادمع من موت لفرط شراهة يقهقهه على مبعدة حبة رملة من اصغرينا؛ ومن حماقتين طافتا نصف العالم قبل ان تصل بنا اقدامنا بوابة اسمها طريبيل !!

************

جواد الحطاب جوادان؛ جواد شاعر وجواد غير شاعر؛

اما الشاعر فهو الذي يضع أصابعه على رماد الحياة فيوقظ فيها جمرة الشعرنة؛ فالحياة عنده ليست جمالاً مطلقاً لكنه يتعشقها عشقاً مطلقاً .. يتعشق الحياة التي يستخرجها من عصف الرمل في ماء نشيجه اليومي درة.. لا الحياة المتناسلة يوميات ورتابات وصهيل محسوسات وغرائز؛ انه فعل اندهاش وادهاش معاً؛

اما غير الشاعر فهو الذي فيه لا الشاعر، وبين الشاعر والشعري مسافة من أحلام ضوئية؛ فالشعر ليس الشعري
فالاول تهويم عاطفي او نضج وجداني او انفعال مقولب مكتسب او مستعار او مجوز؛ اما الشعري فهو إعادة تنظيم لدورة الحياة الدموية.

جواد الحطاب شاعر في الحياة وشعري في شعرية الشعر وفي الأول انعكاس شرطي لتمظهرات جمالها الخبيئة في وعيه , وفي الثانية فعل انتاج حياة جيدة.. حياة تنحت بازاميل من لازورد الشعر؛

الشعر عند الحطاب ، كما يومياته المجنونة، ليس اسراً معجمياً او اوعية تقنن الحبو على السائد والمألوف والمتطامن عليه؛ انما هو خروج على النمط؛ وتهشيم للمطروق؛ ووقاحة فذة في ممارسة خلق مختلف لحياة مختلفة تنتظمها ثنائيتان: باث مختلف ومتلق مختلف؛ وباث منتج ومتلق منتج؛ وهو وان يجترح لنسقه الشعري بساطة جميلة وطيعة لذيذة مثل الماء, الا انه يؤسس في البساطة اوعية توليدية لفضاءات الصوت الشعري,

اوعية تخرج المفردة من سياقها المعجمي الى سياق حسيغرائزي طبيعي يدوم الساكن من العلاقة بين (الانا والأخر) و(الاخر قبل النص والأخر فيه وبعده) انه يمارس عملية انقذاف صادمة من مادية الجسد الى روحانية الفكرة والوهية السحر الشعري.
الشاعر في (جواد الحطاب) يلذذ التعبير عن الإنساني في البشري ويخرج البشري من دائرة تماديه الى فضاء روحانية الإنساني,
لكن الشعري في الشاعر الحطاب يمارس ايقاظ الانسان في البشري؛ وتلك لعمري ممارسة خلق نادرة ومدببة التهذيب وان كان الشعر عند الاخرين مواربة يتخفى خلفها نظام مأسور لقاعدة أوان مستطرقة؛ او متحذلق يتوهم فخامة الاشتباك اللغوي المحض اللزج شعراً؛ فانه عند جواد الحطاب خلق لنوع انساني بإخراج ثنائية التحدي والاستجابة من نمطها الفلسفي وتقفيتها البشرية الى عارية تمظهر خلاقة بؤرتها السؤال الإنساني وجدوى الكينونة.

لم يأت هذا من سيادة الغيبوبة الشرعية عند الحطاب كما لم يكن برمته من ديكتاتورية الوعي الشعري عنده؛ ولم يتأت ايضاً من مجرد محاولة اثبات ان المصالحة بين جوانية الشاعر وخارجه سعي ليس شعريا؛ برغم ان الفلسفات الجمالية القديمة والاقرب فالاقرب تؤكد على ان المصالحة هي نزوع جمالي ومن ثم هي نزوع شعري؛ انما أتت من وعي لابث في بؤرة شديدة الاندهاش وحاذقة في الادهاش؛ انها بؤرة تعيد تشكيل العالم وفق باصرة حسية روحية غرائزية في جوانية الشاعر البواحة بالتوتر الناجم عن ميل جامح الى التمرد.

ان وعي الجمال الشعري عند جواد الحطاب وعي مشاكس؛ صادم؛ عابث؛ غير مذعن لمقولات لم تنضج على نار جوانياته المتفجرة ، وعي اختار التمرد نسقاً اعطى ذات الشاعر سلطة صنع قوانينها غير المتصالحة مع السائد من قوانين الشعر الشعري؛ والإنساني والبشري والمرئي والمتخيل والمتحدي والمستجيب؛ والتصالح والرفض؛ وهذا تأسيس جديد لجمالية شعرية مبتكرة تعتمد البساطة لإعلان سيادة قوانين الداخل الشعري المتمرد على قوانين الخارج؛ وهو بهذا يحول الشعر من رف ترفي مغرق في التعمية وفلسفة الابهار الكاذب؛ الى لسان جمعي يعيد للشعر جمالية حياتية ,.

وعلى خلاف الكثيرين من اقرانه ومن مجايليه يبتكر الحطاب رمزه؛ يلتقطه بأناة صائغ حاذق من محيطه؛ ويعلمنه بخارطة الماحية شعرية منبثقة من ذاتوعي داخل الشاعر؛ وليس من تضاريس الرمز الزمكانية؛ فلا شأن للحطاب في صيرورة الرمز الكائنة قبل اكتشافه؛

ربما يمر عليها كريماً ولا يلبث عندها؛ لكنه بملكة مهذبة يشحن رمزه بطاقة وعد مفتوح على قراءات عدة؛ وجدل أسئلة؛ فالثابت في بثه الشعري عار الا من متحوله؛ ففندق مغرق في عدمه كأبن الهيثم يبتعثه وعي الشاعر وجوداً جغرافياً وتاريخياً وحياتياً وحسياً وغرائزياً في قالب من نثر افزع الناثرين بندرة نوعه؛ كما قال الصديق المبدع الكبير امجد توفيق .

****** *
هل يفترض هذا الملف احاطة بكل تضاريس التجربة الإبداعية لشاعر كبير مثل جواد الحطاب؟
*هذا محال لكنه محاولة للاحتفاء..

اذن نحن إزاء الذي يرتّق الكون بالشعر كما يقول شوقي بزيع؛ وإزاء الذي يرقد مع اخر نجمة؛ ويستيقظ مع اول عصفور.

صياد الشعر الذي يقترف الندرة والجنون في ارض النثر الحرام المشاكس الفذ جواد الحطاب .