في الهدوء
في هدوء الهدوء
في سكون الشوارع
تمشي التماثيل
مزهوة
فالتلاميذ كل صباح يخطون في
صخرها
درجات امتحاناتهم
بطبيعة الحال ان مقطعا شعريا بهذه الغرابة القائمة على مجافاة المألوف تدعونا الى تصحيح معرفتنا بالشعر عبر فرضيات القراءة لاسيما وان هذا النص يدفع بالشعر الى تخوم مفارقة فضلا عن كونه عرضا شعريا شديد الاختزال بوسعه ان يطرح عددا من الافتراضات والتضمينات الدلالية لما هو خفي ومالم يكتمل بعد ذلك ان الشعر في وجه من وجوهه هو ترويج لمفاهيم الانتاج التي لاتستسلم للجهوزية وهو بالتالي ممارسة اكثر منه تدوينا غرضها الكشف عن خفايا عرضت عنها اعين الناس ثم ان المران في الشعر على التهديف يحتاج على الدوام الى اعادةالتهديف لانتاج علاقة ما لها وجه اخر باستمرار وهذا الامر جدير بان يبعد الشعر عن ان يكون تعبيرا لسانيا حسب وافساح المجال لتحوله الى تعبير علاماتي فكل علامة تحيل الى نتائج مختلفة تصل الى درجة البحث عن عوالم وتأثيثات قد لاتعبر عن عالم شعري في العادة فالشاعر جواد الحطاب يقترح عبر مقطعه الشعري اعلاه طريقة اخرى للتخليق الشعري تهتز لها الثوابت والذهاب بعيدا في ادراك لذة الشئ الذي لايدرك بمعنى انه ينفتح شعريا على عوالم لامتناهية تعول على المختلف لاالمهيمن فالجملة الشعرية على مستوى المعنى والدلالة تعتمد على ذاتها في صياغة وجودها ومن شأن ذلك ان يضاعف من قدرات النص الشعري غير المكتمل والقائم على ازاحات متولدة عن جهد اشتغالي كفيل بتحويلها الى ممكن شعري اخر حيث وجوه الشعر في هذاالسياق الانتاجي لاتخالط ايمراة طالما ان مطلب الشعر لايتوافق مع مطلب الانزياح وربما يحيلنا الى شئ لايشبه الشعر نفسه لكنه يدل على عبقرية الحدث الشعري الناجم عن سيرورة توليد المعنى والدلالة مايجعل تمرد الشعر على الشعر بانساقه الثابتة هوشرط انتاج الشعر ذاته وفي حال كهذه فان الشعر في كافة صوره وتجلياته غير محكوم بمنطق ولايخضع للركون في اطار قياس ما ومن ثم لايحتمل سكونية وتسليم هكذا
يتمتع شاعر الفقراء جواد الحطاب في سياق مقياس الدرس الشعري بميزة شعرية ربما لايمتلكها شاعر غيرة وتتمثل في تقطيع الشاعر الحطاب لاوصال المعنى ثم اعادة صياغته من جديد استنادا الى ماكان قبل وما يحدث بعد فالقصيدة لديه لايستقيم امرها في خضوعها بل في تمردها على شاعرها نفسه بوصفها متجهة الى كوامنالابداع في نموذجه الشعري النابع من عمق معرفي متمرد على ثبات الاساليب الشعرية المألوفة والمنفتح على متغيرات جديدة باستمرار تفسح المجال لمشاركة سواها من الخلق الابداعي الرصين وهي في احسن تقريب شبيهة بالزمن الذي ينقصه وقت قادم على الدوام يجري ذلك على وجه اخص حينما تدخل عين الشاعر الحطاب دخولا حرا في المرئيات المكانية لنكتشف من خلال منجزه الشعري بان الشعر هو اثر تخلفه القطيعة بين الاشياء
ايتها القصيدة
حرري الصخرة
من عبودية الشاطئ
وافرشي للفجر
سجاداتك الحمراء
فثمة من يطرق بابي
ثمة من يطرقني
ثمة من يطرق
في اشتغالات جواد الحطاب الشعرية يمتلك الشعر ماهو خاص بصفات غيره وفي حالة كهذه فان اشتغالاته تمحو نفسها بحدوثها سواء بسواء والسبب يعود الى ان اشتغالات الحطاب الشعرية مرتهنة بما لايبوح ولايتجلى في اصلالنص بمعنى ان معاني النص الشعري تختفي وراء الظاهر منها وعلى هذا النحو فان النص الشعري يقع في مدار مختلف ودور وظيفي اخر لايصحبه اي اسف من قبل الشاعر نفسه طالما هو سعي لتجاوز الراهن وانتاجسلسلة من تتابعات المعنى المولع بالسخاء وغالبا مايعني ذلك اظهار الفرق بين الشعر واللاشعر اوبين الشعر المتحول بسيرورته والشعر الردئ ان الامر يتعلق اذن بما لايتحقق بعد ذلك الذي يكون مكفولا بحضور اخر لم يحدث مطلقا بمعنى اخر ان الشعر عبارة عن اضطراب ماثل في اصل الشعر ذاته تصوغه خيارات مفتوحة لكونه مقتضى متغير اولا واخيرا وبوسعه ان يتجاوز حدوده الراهنة على الدوام وهو مثل اي وعد تعوزه تتمة تكفل توسعه وكأن الشعر يصنع براهين موته من اجل ان يكون في حوزة زمن قادم يصرف الانتباه عن ثباته الذي لم يعد من خصوصيات متغيراته التي تدفعه الى العبور على جسر الفاجعة والزوال عبر رهاناته الماثلة بين الحضور والتلاشي
ففي الاشتغالات الشعرية الخارجة عن المرتهن والمألوف بوسعنا القول ان المعنى يحدث في لحظة ويتغير في لحظة اخرى سواء بسواء نظرا لانه يستدعي الحاقات مستمرة للمعاني والدلالات التى لانهاية لها وبموجب ذلك يمكن اعتبار غزليات جواد الحطاب الشعرية ترقى في اشتغالاتها الى هذا المصاف الذي يفترض كل معنى في بيت شعري بعينه ويستدعيه ليسلمنا الى قناعة مفادها ان المعنى يخلف نقصا ورائه متجليا بغير صورة المعنى كاملا
بعبارة اخرى
ان المعاني لدى الحطاب لاتصل الى نقطة كمالها استنادا الى دوام اشتغالها ويبرز بناء على ذلك نوع من اساليباشتغالات الظاهرة التوليدية للمعاني والدلالات والتي مردها فقدان رغبة التملك لشئ لايمكن امتلاكه بصورة مستمرة وهي تقارب في دلالاتها صورة ارتحال الاثر بين ادامته ومحوهه في ان معا
جسدك
لن يذهب سدى
فقد مجدته اصابعي
وبناء على ذلك نكتشف ان المعاني والدلالات هي في كل الاحوال شئ مصاحب للاشتغال الشعري دائم التغير
وعلى الرغم من ان الشعر يصنع في احايين كثيرة حدودا له لكنه لايقف عندها انه يقف من اجل تجاوزها اذعانا لما ينتجه الوسيط الاحالي المالك لقدرة التواصل لا الاتمام وعلى ذلك فان معنى الكلمة في الشعر لدى الحطاب حتى وان كان عاطفيا سيفصح عن ابعاده ودلالاته في مجموع استعمالاته على نحو يضع في الاعتبار ان المعنى والدلالة هما اكبر من ان ينحصرا في اطار بعينه وذلك يعني انه المعني بما يخبئ من دلالات لاينقطع ابدا عما يليه بل هو يبحث عما لايجده وبالنتيجة فانه ياخذ صفات ماهو خاص بغيره اما وقوفه احيانا فهو وقوف من يريد ان يرحل بقصد الوصول الى درجة من الاحتمال القائمة على سلسلة من الابدالات المتلاحقة التى تمحو نفسها بحدوثها
اعذريني
ان ناديتك حديقتي
اريد بك
ان استدرج الامطار
ان لغة الفقراء العاطفية هذه مرتهنة بما لايأتي ولايتجلى في اصل الحياة و يختفي وراء الظاهر منها
ذلك نجده في اغلب اشتغالات الحطاب الشعرية غير المستوفية لشروط كمالها التي تسمح بتوسيع حدود النص وتوجيهه خارج اطار النص وامكاناته المعلومة
والتي تتعارض مع مايصبو اليه النص الشعري في ان يكون في حوزة زمن قادم
وفي هذا السبيل فان النص يمثل مقتضى منتغيرا تصوغه خيارات مفتوحة تبحث عن متمماتها وليس اكتمالها فثمة معنى مفقود ينتظرها على الدوام وهو المورد السخي لارتياد مجاهل الكتابة الشعرية التي لايناط بعهدتها اي معنى مؤكد