18 ديسمبر، 2024 7:03 م

وأنا طالب في المرحلة الجامعية وفي عام 1992 تحديداً إشتريت سروالاً (بنطلون) جوزي اللون. كنت شاباً أحرص على تنسيق الملابس فكان لابد لي أن أقتني سترة قريبة الى اللون الجوزي ليكتمل المظهر. دخلت إلى إحدى المحلات وكان شاباً قد إستقبلني وطلبت منه السترة باللون المقارب إلى السروال. قال هذا الشاب أحسنت فإن اللون الجوزي جميل جداً أنا أيضاً أحب هذا اللون. وقال أيضاً بأن إختياري هذا موفق جداً ومختلف عن الكثيرين الذين يفضلون اللون الأسود والألوان الغامقة. بالطبع فإنني فرحت لهذا المدح والثناء وأحسست ببعض الغرور فهو رجل سوق وقد وجد فيّ ما هو يخالف الأخرين ووجدني متميزاً عن غيري.
أخرج لي هذا الشاب سترة بلون مقارب للسروال وكان جميلاً فعلاً. إلاّ أنه لم يكن بمقاسي فأضطر الشاب إلى جلب سترة أخرى، لبستها وهي الاخرى كانت مثل سابقتها مع الأسف. جاءني بمجموعة أخرى من مشتقات اللون الجوزي إلاّ أن أي سترة من هذه لم تكن تلائم مقاسي.
الشاب يحاول بأي شكل من الأشكال أن يبيع لي سترة وهو يمدح بما لديه من بضاعة مدحاً شديداً. لكن الأمر واضح وليس في يدي شيء أفعله فإن القياسات مخالفة لي تماماً. جاء الشاب بسترة باللون الأسود وما أن لبستها حتى وكأن السترة قد فصلت على مقاسي تماماً. عندما وجد الشاب أن السترة مطابقة لي سارع بترويج البضاعة ولكن مشكلته في اللون فكيف له أن يقنعني بعد أن عرف أنني أبحث عن سترة مقاربة للون سروالي الجوزي وبعد أن ذم هو الآخر اللون الأسود وكل الألوان الغامقة.
قال الشاب أن السترة تناسبني وأن اللون الأسود من أجود الألوان وأجملها وقال لا تنسى يا أخي بأن اللون الأسود هو (جوكر) يناسب كافة الألوان وهو لون الشخصيات. نفس الشاب الذي وصف الأسود والألوان الغامقة قاطبة بغير الجميل، ونفس الشاب الذي ميزني عن غيري بذوقي الرفيع في إختيار الألوان، ها هو ذا وبعد دقائق يصف اللون الأسود بالجميل والمميز وإنه يناسب كافة الألوان.
انها نفس الطريقة المتبعة اليوم وهي أسلوب من أساليب السياسة ومن وسائلها. تحدث إلى أكبر فاسد فستجده يحضر لك أجوبة تبرر كل ما قام به. أجوبة وخطابات تمجد أصحابها وتروج بضاعتها السياسية وتصب الفوائد في نهاية المطاف في جيوبهم. لكل حادثة حديث ولكل مقام مقال وهلمّ جرا ولا يبالي أحدهم بإنتقادات الأخرين ولومة لائم ونقد ناقد. تماماً كما روج هذا الشاب لبضاعته في المحل بهدف تصريفها وسحب ما في جيبي من مال. فهناك اجوبة سياسية مطاطية حيث بالإمكان تأويلها بعدة أشكال و من الممكن ان تكون معك أو تكون عليك.