18 ديسمبر، 2024 8:04 م

جوائز الدولة التشجيعية

جوائز الدولة التشجيعية

أعلنت قبل أيام نتائج ما سمّي بجوائز الدولة التشجيعية للإبداع في العراق، وهي جوائز يفترض بها أن تكون سنوية وبمواعيد ثابتة وتتحلّى بالإنصاف والدقّة والحيادية، ونظراً لأنَّنا نفتقر إلى التقاليد، شأننا في ذلك شأن العرب جميعاً، فقد رافق جوائز هذا العالم الكثير من اللغط والمناقشات كان مبعثه في أغلب الأحيان الحسد وعدم اعتماد معيارية نقدية واضحة، ذلك لأن مفهوم الجودة في الإبداع بشكل عام والأدب بشكل خاص يبقى مفهوماً نسبياً إلى حدّ ما، ولا يقتصر الأمر هنا على العراق أو الدول العربية وحسب، بل يتجاوزه إلى أغلب الجوائز العالمية، ولنا في نتائج نوبل هذا العام أسوة حسنة، عندما مُنحت لمغنٍ لا علاقة لنصوصه المغناة بالأدب وبمفهومه العميق، إذا ما قيس بحجم وعمق عطاء بعض الأدباء العالميين الذين فازوا بالجائزة من قبل وحجم انتشارهم وترجمتهم عالمياً.

لقد عوّدتنا وزارة الثقافة العراقية، وهي الجهة المشرفة على جائزة الدولة التشجيعية، على عدم الجدية بالتعامل مع تلك الجوائز، وطغيان المحسوبية والعلاقات الشخصية عليها، ناهيك عن عدم احترافية الكثير من لجان التحكيم التي تعمل معها، وتسرب النتائج مبكراً على شكل إشاعات تتردّد هنا وهناك، الأمر الذي يثبت من جديد عدم أهلية الوزارة بشكلها الحالي وفي الظرف الراهن الذي تطغي فيه مفاهيم الفساد والرشوة على مفاصل الدولة كلها وليس وزارة الثقافة وحسب.

لقد رأينا في السنوات الأخيرة الكمّ الكبير من الروايات التي حظيت بجوائز هنا وهناك ولم تحقق الانتشار المطلوب أو المرجوّ، لا على صعيد المبيعات والانتشار عربياً ولا على صعيد الترجمة التي لم تستطع تلك الروايات من تحقيق خرق ما في أوساط القراء الأجانب في اللغات الأخرى إلّا ما ندر من بعض الروايات الجيّدة التي تمكنت من لفت انتباه القرّاء والنقّاد الأجانب إليها بجهد شخصي من كتّابها وليس بسبب الجوائز.

وطالما نحن نتحدث عن الرواية العراقية تحديداً، يهمّني هنا أن أشير إلى تجربة الروائية العراقية البارزة إنعام كجه جي التي نالت بعض أعمالها جوائز عالمية وحققت انتشاراً ملحوظاً في السنتين الأخيرتين، أيضاً تجربة الروائي العراقي محسن الرملي الذي حققت بعض رواياته المترجمة إلى لغات أخرى انتشاراً مناسباً، لا سيما روايته الأخيرة المترجمة إلى الإنكليزية “حدائق الرئيس″ التي كتب عنها النقاد الإنكليز الكثير من المقالات والتنويهات، كان آخرها مقالة مهمة للمحرر الأدبي لجريدة الغارديان.

ما أريد أن أقوله هنا هو أن الروائي تجربة قائمة بذاتها ليست لها علاقة بجيل ما أو مجموعة ما أو تصنيف نقديّ ما، والاحتكام الوحيد الذي يمكن أن يخضع له هو معيار الجودة النقّدية الحقيقية وحجم الانتشار في أوساط القرّاء العرب أو الأجانب في حال الترجمة، ولا يمكن لأيّ جائزة أو شهادة تقديرية أو احتفاء ما أو “بروباغاندا” أن تخدم على هذا الصعيد ما لم تكن الرواية نفسها ممتلكة للشروط الفنية ومعايير الجودة التي تحدثنا عنها.

وبالعودة لجائزة “الدولة” التشجيعية في العراق، فقد مُنحت هذا العام للروائي العراقي البارز وارد بدر السالم عن روايته الممتازة “عذراء سنجار”، وهي لحسن الحظ محاولة من لجنة الجائزة لتحسين صورتها التي تردّت كثيراً في السنوات الأخيرة. وإذا كان البعض يجزم بشكل قاطع أن لا شيء حقيقياً في عراق ما بعد الاحتلال، إلّا أنَّني ما زلت أعتقد بقدرة الأدب العراقي والرواية العراقية تحديداً على فرض تقاليدها على “الدولة” ممثلة بوزارة الثقافة، شرط أن يتفق الجميع على أن الجوائز الأدبية لا تشكل معياراً نقدياً حقيقياً باستثناء قيمتها المالية وحسب.
نقلا عن العرب